محمد دويكات
عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
■ دعوة جديدة للحوار الوطني الفلسطيني نهاية الشهر الجاري، تحتمل أن نسجل بشأنها الملاحظات التالية:
1) باغتت الجميع، حين وردت في البيان الصادر عن اجتماع «القيادة السياسية» في 3/7، في وقت تشهد فيه، جنين، مخيماً ومدينة، معركة طاحنة تخوضها المقاومة الباسلة، بالإلتحام مع الجماهير، ضد عدوان إسرائيلي جرى التحضير له، وكأن جيش الاحتلال مقبل على مواجهة معركة حربية مع جيش مدجج بالسلاح، كان اجتماع 3/7 مقرراً قبل الغزوة الإسرائيلية لجنين، والصدفة وحدها هي وضعته في مواجهة الحدث الكبير، ما دفع الكثيرين لرفع سقف توقعاتهم من نتائج الاجتماع «القيادي».
2) شكلت نتائج الاجتماع «القيادي»، خيبة أمل كبرى للمتابعين، إذ، لولا الدعوة إلى الحوار الوطني، لتحول البيان إلى مجرد مضغ للكلام، الهدف منها توفير ثغرة للـ«القيادة السياسية»، للتهرب عبرها من تحمل مسؤولياتها أمام شعبها وقضيته الوطنية، 17 بنداً، تحيل بمعظمها واجبات التصدي للاحتلال إلى المؤسسات الدولية، واللجان الشعبية والعائلات الفلسطينية، وتستعيد في الوقت نفسه «ثوابت» تتعرض للانتهاك يومياً، دون أن تحمل هذه البنود أية تكليفات أو واجبات خاصة بـ«القيادة السياسية»، أو اللجنة التنفيذية وكأن هاتين المؤسستين استقالتا من واجبهما، في لحظة تاريخية شديدة الحساسية والأهمية، اعتبرت في التحليل، الجولة الأولى من حرب شاملة تخوضها دولة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني ومقاومته، من أجل إزالة العراقيل أمام مشروع الضم، الذي تتبناه حكومة الثلاثي الإسرائيلي، وقد شرعت، عملياً في تطبيقه.
إذن بيان 3/7 الداعي إلى الحوار الوطني، لم يحمل في مضمونه مؤشراً سياسياً ولو واحداً، ينبئ أن «القيادة السياسية» غادرت مربع أوسلو والتزاماته، واستحقاقاته، أو تؤشر إلى الاستعداد (المبدئي) لمغادرة هذا المربع.
3) هي دعوة للحوار من قبل الرئيس محمود عباس، وليس من قبل القاهرة، وستعقد بدون مشاركة الجهات الرسمية المصرية، ولن تكون هي مضيفها، وإن كانت القاهرة (جغرافياً) ستكون المكان المناسب لعقد الحوار، وهذا مؤشر إضافي إلى إنه لم يتم التشاور بالدعوة للحوار مع القاهرة، وأن الدعوة كانت وليدة لحظتها، تعبيراً عن مأزق أحاط «بالقيادة السياسية» الفلسطينية، وهي تقف عاجزة عن أية خطوة في مواجهة ما يجري في جنين، لذلك لا غرابة أن يعتبر كثيرون أن الدعوة إلى الحوار هي أقرب إلى المناورة، منها إلى الرغبة الجدية في إخراج الحالة الفلسطينية من مأزق أوسلو، نحو استراتيجية سياسية بديلة وجديدة، نصت على عناوينها قرارات المجلسين الوطني والمركزي.
4) هي دعوة لحوار ليوم واحد، في جولة واحدة، يترأسها الرئيس عباس (يعتبر إشارة إلى تجديد الشرعية بمكانته رئيساً للجنة التنفيذية والسلطة، ودولة فلسطين)، دون جدول أعمال مسبق، يحمل عناوين القضايا التي سيتناولها الحوار، أي هي دعوة أشبه بالدعوة إلى لقاء الأمناء العامين بين بيروت ورام الله، في 3/9/2020، يلقي فيه الحاضرون كلماتهم، ثم يتلى عليهم البيان الختامي المتفق عليه مسبقاً.
5) صدر على لسان أعضاء في مركزية فتح أكثر من تصريح، حول مضمون الحوار وجدول أعمال، دون أن تحمل هذه الإشارات معنى جوهرياً، ذا أبعاد سياسية، تنبئ بما سيقوم عليه الحوار، لولا التصريح الذي أدلى به عزام الأحمد، عضو اللجنتين التنفيذية والمركزية لفتح، أشار فيه بوضوح، وصراحة، إلى أن الحوار سيقرر تشكيل حكومة وحدة وطنية تستعيد سيطرتها على الدوائر الرسمية في قطاع غزة، بما في ذلك المعابر الحدودية، شرط أن تعترف هذه الحكومة بقرارات الشرعية الدولية، وتنظم الانتخابات التشريعية والرئاسية (تجاهل انتخابات مجلس وطني جديد)، شرط أن تجري أيضاً في القدس بشروط السلطة الفلسطينية، ورغم محاولة هذا التصريح أن يبدي حسن النوايا إلا أنه في مضمونه يبشر بأنه سيضع العراقيل أمام قرارات توافقية يفترض أن يفرج عنها الحوار، فقضية الحكومة ربطاً بقرارات الشرعية الدولية، تستعيد اللغم الذي فجر الحوار الوطني في الجزائر، وأفرغه من مضمونه العملي، وحوله إلى مجرد تظاهرة سياسية، سرعان ما نجحت هيمنة السلطتين في تبديل تداعياتها ونتائجها المرجوة، كذلك ويعيدنا هذا التصريح إلى مصير الانتخابات، التي دعي لها نهاية العام 2020، وجرى التحضير المطول لها في حوارات في تركيا ومصر، نسفت بقرار رئاسي في 29/4/2021، أي قبل أيام قليلة من تنظيمها، بذريعة شروط وآليات تنفيذها في القدس، وهي ذريعة اعتبرت داخلية، وأنها تغطية للتهرب من الانتخابات بعد أن تيقنت قيادة السلطة أنها لن تكون فيها فائزاً أولاً.
6) قبل أيام من انعقاد الحوار، شهدت الضفة الفلسطينية أوضاعاً داخلية متوترة، ففي جنين استقبلت مجموعات من الأهالي وفد حركة فتح بهتافات معادية، ردت عليها اللجنة المركزية للحركة ببيان عنيف حمل في طياته تهديدات خطيرة، تلا ذلك خطاب رئاسي في جنين إلى التأكيد على ما يسمى «سلطة واحدة، وقانون واحد، وبندقية واحدة»، مهدداً هو الآخر بقطع الأذرع التي تعبث بالأمن الوطني من جذورها، فسره محللون ومراقبون بأنه إنذار للمقاومين المسلحين، وقد ترى السلطة في مقاومتهم الاحتلال (وحركة حماس بشكل خاص)، مجرد محاولة لزرع الفوضى والعبث بأمن الضفة وتغيير الأوضاع، لإضعاف السلطة الفلسطينية وصولاً إلى انهيارها، ثم تبع ذلك حملات من الاعتقالات السياسية في الضفة الفلسطينية، ردت عليها الفصائل ببيان في قطاع غزة على رأسه حركة حماس، أما الجبهة الديمقراطية فقد آثرت أن يصدر بيانها في رام الله، تأكيداً لمصداقيتها السياسية. اشتعلت معركة «الاحتراب الإعلامي»، انخرطت فيها فتح، والسلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، وحركتا حماس والجهاد، وأطراف أخرى بميولها المعروفة، وهو ما جعل أسهم الدعوة للحوار تهبط في بورصة الاحتمالات، خاصة وأن إنجاح الحوار، يتطلب إجراء تشاورات وإطلاق مبادرات مسؤولة، تأخذ بالاعتبار طبيعة الحالة الوطنية وظروفها، وموازينها واتجاهاتها المختلفة بما يؤمن التوافقات الوطنية.
ما جرى من «احتراب إعلامي»، وتهديدات وتهديدات مضادة وضع احتمال عقد الحوار على حافة الهاوية، ما دفع أطرافاً في الحالة الفلسطينية (على غرار الجبهة الديمقراطية) لإطلاق نداءها، تحث فيه الحالة الوطنية على وقف كل أشكال «الاحتراب الإعلامي»، واستبداله بحوارات تحضيرية خاصة مع الفعاليات الشعبية ومؤسساتها، وتحضير الأخبار والبرامج والخطط التي من شأنها أن تستجيب لتحديات المرحلة الحاسمة التي يعيشها شعب فلسطين وقضيته، وبما يضمن الخروج بما يستجيب للضرورات الوطنية الملحّة، ويبعد عن الحوار تهمة المناورة، واعتباره بالمقابل ضرورة وطنية.
7) قبل الدخول في النقاش حول كيفية قطع الطريق على الحوار الوطني باعتباره «مناورة»، وكيفية توفير الشروط ليستجيب إلى كونه ضرورة وطنية، يجدر بنا أن نتذكر التالي:
• إن الحالة الفلسطينية، فقدت الثقة بجولات الحوار، بعد أن نجحت السلطتان في رام الله، وغزة في تعطيل مخرجاتها، وتحويلها إلى سياحة سياسية قضتها الوفود في الفنادق الفخمة، وإذا كانت الجولة القادمة، سوف تشكل نسخة طبق الأصل عن الجولات السابقة فإن هذا من شأنه أن يعمق حالة فقدان الثقة بالسلطتين أولاً، ومجموع الحالة الفلسطينية الفصائلية، وأن يعمق ثقتها بالمقابل بالمقاومة الشعبية، وبالمقاومة المسلحة، ضد الاحتلال، باعتبار تلك المقاومة، وأساليبها المختلفة وأدواتها كافة، هي الخيار السياسي الذي سيقود إلى لجم الاحتلال، وشق الطريق نحو الخلاص الوطني، وبناء حالة وطنية جديدة.
• لا تخفي دولة الاحتلال، وحكومة الثلاثي الإرهابي، أهدافها:
- (فلسطين) من البحر إلى النهر ملك للشعب اليهودي حصراً.
- إسرائيل ستجتث من الوعي السياسي الفلسطيني أي تفكير بالدولة الفلسطينية، إسرائيل ستقمع هذه الفكرة وستطحنها بقوة.
- البديل للدولة الفلسطينية، سلطة فلسطينية تبنى وفقاً للأسس والشروط الإسرائيلية، سياسياً وأمنياً واقتصادياً وفي السياق، «القدس الموحدة» عاصمة إسرائيل، ولا اعتراف بشكل أو بآخر، بحق العودة للاجئين الفلسطينيين.
ومصير الوجود الفلسطيني داخل الضفة (يهودا والسامراء) أمام أحد الخيارات التالية:
الهجرة إلى الخارج، العيش بسلام في الضفة تحت السلطة الإسرائيلية، أما المتمردون فلهم أحد الخيارين: السجن أو القبر.
• توفر هذه التصريحات الفجّة غطاءً للسياسة الإسرائيلية اليومية، والتي جاءت ترجمتها واضحة وصريحة، في خطة وزير المال والاستيطان والضم سموتريتش، إذن لا معنى لـ«حل الدولتين»، ولا معنى للتذلل أمام المجتمع الدولي، ولا معنى لصرخة «احمونا»، إذا لم يتقدم الشعب الفلسطيني لحماية أرضه وكرامته الوطنية.
• أما الولايات المتحدة، والتي لم يصل حردها من نتنياهو إلى حدود لجم (ولو نسبياً) إجراءات الضم في الضفة، فقد كافأته بالعمل من جانبها على توسيع إطار التطبيع مع إسرائيل، من خلال تعيين السفير الأميركي السابق في إسرائيل دان شابيرو، مبعوثاً أميركياً إلى المنطقة لشؤون توسيع «تحالف أبراهام»، وتركيز أسس «منتدى النقب»، وتعزيز فرص وآليات دمج إسرائيل في المنطقة، خطوة تكمل سياسة إسرائيل، وتضع الفلسطينيين والعرب أمام خطرين كبيرين: الضم والتطبيع.
8) في مواجهة هذا، ماذا نفترض أن على الحوار أن يخرج به من توافقات ملزمة، مستندة إلى آلية وسقف زمني للتنفيذ.
- إذا كان الحوار سيعيد الرهان على الشرعية الدولية (فقط) باعتبارها المخرج الرئيس للحل، فمعنى هذا أن الحوار لن يتعدى كونه شكلياً ومخيباً للآمال.
- إذا كان الحوار سيعيد التأكيد على التمسك بـ«حل الدولتين»، باعتباره المخرج الرئيس لحل القضية، فمعنى هذا أن الحوار سيشكل خيبة أمل، ولن يكون إلا تعبيراً للعجز والفشل في مواجهة التحديات.
- إذا كان الحوار سيدعو الولايات المتحدة، إلى الإسراع في إطلاق عملية سياسية (دون سواها)، فمعنى هذا أن الرهان على الولايات المتحدة، ما زال تعبيراً عن الفشل والعجز.
- نعتقد أن على الحوار أن يقلب الصفحة وفقاً للتالي:
1) إعادة التأكيد على تطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي، بوقف العمل بالمرحلة الانتقالية لـ«اتفاق أوسلو»، والتحرر من قيودها السياسية والأمنية والاقتصادية وغيرها، وإسقاط ذريعة «اليوم التالي» للتطبيق وتداعياته، التي يتلطى خلفها الانتهازيون، بل العمل على توفير كل عناصر الصمود لهذا «اليوم»، الذي يعملون على تحويله إلى «بعبع»، بدلاً من اعتباره رمزاً للانتصار وتغليب خيار المقاومة على خيار التذلل والاستجداء، والرهانات الفاسدة على واشنطن، والغرب الأوروبي، وصحوة الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس الجنائية الدولية.
• البناء على هذا الخيار، لتعزيز خيار المقاومة الشعبية والمسلحة، بكل ما يقتضيه ذلك من إعادة النظر باستراتيجية حكومة السلطة الفلسطينية وبنيتها، وبرامجها، وخططها، وآليات عملها، بما في ذلك اجتثاث الفساد ومكافحة البيروقراطية، والقضاء على مفاهيم التعالي على المصالح الوطنية.
• إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، من كونه نظاماً «هجيناً» إلى كونه نظاماً سياسياً، لشعب تحت الاحتلال، في مقاومة شاملة شعبية ومسلحة، بما يعني استبعاد سياسة المحاصصة، لصالح مبادئ وقيم وآليات الائتلاف والشراكة الوطنية، وإعلاء دور المؤسسات الوطنية التشريعية، والتنفيذية، والشعبية المجتمعة، لبناء جبهة وطنية متحدة، عنوانها م. ت. ف. وأدواتها النضالية، تطال المكونات الوطنية بأشكالها المختلفة.
• اتخاذ قرارات ذات معنى، تبلور الجوهر السياسي للاستراتيجية الكفاحية وأهدافها، منها على سبيل المثال (والضرورة) إعلان بسط السيادة الوطنية للشعب والدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس على كافة أراضي الدولة الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، واعتبار إسرائيل دولة عدوّة، تخوض حربها ضد شعبنا، والذي يتمتع بالحق العام في اتباع كافة أساليب المقاومة لتحرير أرضه، كذلك إعلان بسط الولاية القانونية للدولة الفلسطينية على أرضها المحتلة، ما يعطيها الحق الكامل في الدفاع عن أرضها بكل الوسائل، بما فيها المساءلات القانونية المحلية والدولية.
إعادة بناء الجهاز الدبلوماسي للدولة الفلسطينية، بالقضاء على مظاهر الفساد والبيروقراطية، وتحويله إلى جسم دبلوماسي لشعب، وحركة تحرر في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
• بناء استراتيجية كفاحية، تضمن وحدة الشعب الفلسطيني في كافة مناطق تواجده (48 + 67 + الشتات)، تنقل صيغة «وحدة الجبهات والساحات» من حيّز الشعار، إلى حيّز العمل الاستراتيجي المنظم، بما يربط بين كافة ميادين النضال، ويعيد الاعتبار للبرنامج المرحلي وراهنيته السياسية ■
22/7/2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق