معتصم حمادة
عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
■ ألتقي مع من سبقوني في التأكيد على أهمية القمة الثلاثية في العلمين، والتي جمعت القادة من مصر والأردن وفلسطين.
كما ألتقي معهم في التأكيد أن البيان الصادر عن القمة، لم يعكس جدول أعمال الاجتماع الثلاثي.
فليس معقولاً أن لا يناقش القادة الثلاثة تداعيات الحرب بين روسيا وحلف الناتو الدائرة على أرض أوكرانيا، والتي وصلت تداعياتها، حتى إلى مصر، حين رفضت القاهرة طلبا أميركا بإمداد أوكرانيا بسلاح سوفييتي يجيد الجنود الأوكراني استعماله.
وليس معقولاً أن لا يناقش القادة المجتمعون تداعيات «المصالحة» الإيرانية – السعودية وآثارها على ملفات المنطقة، من الخليج إلى اليمن فالعراق فلبنان وسوريا، أما الأمر الذي بات مؤكداً، دون حاجة لإثباته، فهو أن القادة الثلاثة توقفوا مطولاً أمام المشاورات والمباحثات الأميركية – السعودية، لتطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب، وقد حفلت الصحافة العربية والأجنبية بالتقارير حول هذه المباحثات والأشواط التي قطعتها، بما في ذلك ردود الفعل في إسرائيل، والتباين بين أطراف حكومتها.
ولعل تأكيد الرئيسين عبد الفتاح السيسي وأبو مازن، على الولاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية في القدس المحتلة، لم يأتِ من فراغ، بل جاء في سياق التعليق، غير المباشر، على القرار السعودي في تعيين سفير فوق العادة، غير مقيم، في رام الله، وافتتاح قنصلية عامة في القدس، بكل ما تعنيه هذه الخطوة من تقدم ملموس للعربية السعودية، في القضايا اليومية للملف الفلسطيني، وبشكل خاص، ما يعنيه ذلك من أثر «لخادم الحرمين الشريفين» على المقدسات الإسلامية في المدينة المحتلة.
كل هذا، لا يلغِ على الإطلاق، أن القضية الفلسطينية كانت هي القضية المحورية في المباحثات الثلاثية، وقد جاء البيان ليعكس هذا الأمر بكل وضوح، حين حصر اهتمامه بهذه القضية دون غيرها.
وهنا، برأينا، تكمن القضية التي تحتاج إلى نقاش.
فالبيان أكد على مسألة الدولة الفلسطينية على حدود 4 حزيران (يونيو) 1967 وعاصمتها القدس، وحقها في العضوية العاملة في الأمم المتحدة، وعلى حق العودة للاجئين (وإن بقي النص غامضاً لا يوضح إلى أين ستكون العودة)، كما أكد على أهمية الدور الاستراتيجي لوكالة الغوث (الأونروا)، لينتهي بالمطالبة بعملية سياسية ذات مغزى، تفضي إلى «حل الدولتين».
غير أن البيان، في الوقت نفسه، عزل القضية الفلسطينية عن التداعيات اليومية، الجارية في الأراضي المحتلة، كما عزلها عن تداعيات الأوضاع الإقليمية والدولية وتطوراتها.
فمشروع الضم الإسرائيلي الزاحف، لا نجد عليه رداً مناسباً في البيان، إلا إذا اعتبرت تفاهمات «العقبة – شرم الشيخ» هي المسار المناسب للاتفاق مع الاحتلال على وقف إجراءاته الاستيطانية الزاحفة، في تجاهل تام لتجربة المسار المذكور في الجولتين السابقتين، في العقبة وفي شرم الشيخ، وكيف تبدى الرد الإسرائيلي العملي على هذه التفاهمات، وبالتالي إن إعادة حشر الحالة الفلسطينية، في التزامات «اتفاق أوسلو»، وتفاهمات «العقبة – شرم الشيخ» ما هو إلا تكرار لسياسات فاشلة، لم تعد على القضية الوطنية إلا بالضرر الكامل. ومن هنا تجاهل البيان نضالات الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، في استبعاد غير حكيم لإحدى أوراق القوة الفلسطينية، والتي باتت تشكل قلقاً لدولة الاحتلال، يضعها أمام خيارات صعبة، تزداد صعوبة كلما حاولت أن تتقدم في مسار الضم الزاحف للأرض الفلسطينية.
تلك نقطة ضعف كبرى في البيان، تبرز مدى تعارضه مع المنحى العام لمسار الحركة الشعبية الفلسطينية، التي حسمت أمرها، وغدت خارج خيارات «أوسلو» و«العقبة – شرم الشيخ»، لصالح خيار بديل ترى فيه البديل لثلاثين سنة من المعاناة المجانية مع الاحتلال، وتضحيات كبرى، افتقرت إلى السقف السياسي الذي من شأنه أن يحولها إلى قدرة على مراكمة القوة في الميدان.
وبالتالي، عندما يخطئ التشخيص، فلا بد أن تخطئ الخلاصات والنتائج، وهذا ما نسجله على البيان الثلاثي في العلمين.
• من جانب آخر، يعيد البيان الرهان على عملية سياسية ذات مغزى، تقود إلى «حل الدولتين»، في تناقض تام مع الأجواء السائدة، في الولايات المتحدة، كذلك في الإقليم. فالإدارة الأميركية تعلن صراحة أن «حل الدولتين» مؤجل، وأنه ليس مطروحاً كحل على المدى البعيد، أي ليس في الأمد المنظور، والحكومة الإسرائيلية الحالية، كما يراها الجميع، ليس هي المؤهلة للدخول في عملية سياسية ذات مغزى، كما يشترط البيان، إذ هي حكومة الضم الزاحف والحل الحاسم من طرف واحد، ولا ترى أنها مرغمة في ظل الظروف الراهنة على الرضوخ والجلوس إلى طاولة المفاوضات، لا تحت الرعاية الأميركية، ولا تحت الرعاية الدولية، وحتى الأجواء الفلسطينية العامة، فقدت ثقتها بالمفاوضات التي من شأنها أن تعيد الحياة لـ«اتفاق أوسلو» وللمشاريع الأميركية مشروع «حل الدولتين» الغامض، وبالتالي لا يمكن قراءة الدعوة إلى العملية السياسية في السياق السياسي الراهن، إلا حركة لتوفير الغطاء للسياسة الفلسطينية الرسمية القائمة على الرهان على الوقت، وعلى انتظار الفرج من واشنطن، في وقت يدرك فيه الجميع أن واشنطن أعادت صياغة الأولويات في الإقليم، لتعيد بنائها على ثلاثة محاور، لكل محور وظيفته المتممة لوظيفة المحورين الآخرين.
• المحور الأول محور «اتفاق أوسلو» بترجمته عبر مسار «العقبة – شرم الشيخ»، باعتباره ملهاة تديرها واشنطن بدعاوي زائفة، كالحديث عن وقف الإجراءات الأحادية التي تنتهك «اتفاق أوسلو»، وتؤثر على شروط مفاوضات الحل الدائم ومخرجاتها، لتختصر هذه التفاهمات في نهاية المطاف، في تجديد الالتزام بالتعاون الأمني مع الاحتلال، من جهة السلطة، والحديث (مجرد الحديث) عن توقف قوات الاحتلال عن اقتحام المنطقة (أ)، دون أن يترجم هذا الأمر ولو ليوم واحد.
• أما المحور الثاني فهو محور «منتدى النقب»، الذي أخذ على عاتقه تطوير «تحالف أبراهام»، واستكمال (كما تقول واشنطن) دمج إسرائيل في الإقليم، بحيث يعاد بناء منظومته العربية، على قواعد سياسية وأمنية واقتصادية جديدة، تعزز النفوذ الأميركي – الإسرائيلي في المنطقة، وتقيم العوائق أمام نفوذ الآخرين، كالصين وروسيا وكذلك إيران، لذلك لا غرابة أن يكون «منتدى النقب» قد عقد اجتماعه الأول قرب قبر دافيد بن غوريون، أول رئيس حكومة لإسرائيل، وصاحب المشروع التاريخي لدمج إسرائيل في المنظومة العربية، كذلك لا غرابة أن تشكل الولايات المتحدة، إلى جانب إسرائيل، الطرفين الرئيسيين في «المنتدى» المذكور، وأن تمارس الولايات المتحدة ضغوطها على الإدارة والسلطة الفلسطينية، للانضمام إلى المنتدى، بذريعة أن مثل هذا التعاون من شأنه أن يوفر «أفقاً سياسياً» يمهد لـ«حل الدولتين».
• أما المحور الثالث فهو الذي تحاول من خلاله الولايات المتحدة وإسرائيل، اصطياد الجائزة الكبرى بتطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب، بكل ما سوف تحدثه هذه الخطوة من مكاسب لصالح إسرائيل على الصعيدين العربي والإسلامي، وما سوف تحدثه من تداعيات كبرى في صلب النظام العربي الرسمي.
ولم تعد قضية التطبيع هذه سراً من الأسرار، فقد جرى التمهيد له بعدد من الخطوات المعلنة، لعل آخرها مشاركة الفريق الرياضي الإسرائيلي في مباريات (دولية) على أرض العربية السعودية، حيث عزف «النشيد الإسرائيلي» في خطوة رمزية وذات دلالات سياسية واضحة المعالم.
رام الله والقاهرة، وعمان، تدرك هذا كله، وبالتالي لا نعتقد أن مباحثات العلمين لم تتوقف أمام هذه الملفات وغيرها، ولعل واحدة منها، هي مبادرة السلام العربية، التي كما يبدو، بدأت تأخذ المنحى الذي كان اقتراح وزير خارجية إسرائيل الأسبق، شمعون بيريس، حين دعا إلى إعادة صياغة أولوياتها، لتبدأ بالتطبيع ثم بعدها يبحث أمر الانسحاب وحدوده، وطبيعة الدولة الفلسطينية وعلامتها، ومصير اللاجئين الفلسطينيين، وما نشاهده الآن كثير، مما تنبأ به ودعا له شمعون بيريس، الأمر الذي يفترض بالحالة العربية أن تصارح نفسها، وأن تقف بجرأة أمام التزاماتها نحو «مبادرة السلام العربية» ■
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق