دراسة اجتماعية في أجزاء: الجزء الخامس :أنماط السلوك السياسي
أسامة خليفة
باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»
أنماط السلوك السياسي هي أشكال السلوك والنشاط التي يقوم بها الأفراد والتي تعبر عن وجهات نظرهم في المسائل السياسية المتعلقة بقضيتهم الوطنية، والتي تبرز من خلال النقاش في الحياة العامة أو في إطار سياسي منظم، أو جماعة رسمية أو غير رسمية أو خارج هذه الجماعات كلها في نمط من السلوك الغير مبالي. وهناك الكثير من أشكال النشاط السياسي التي تتباين فيها مواقف الأفراد أو تتشابه، ومنها: (محاولة التأثير على الآراء السياسية للآخرين، الانتماء التنظيمي، التصويت، التظاهر، الإضراب، وأعلى أشكالها بالنسبة لكثيرين من الشعب الفلسطيني هو الكفاح المسلح...).
النمط السلوكي هو نموذج للتصرفات والانفعالات والأقوال التي تحدد سلوكاً معيناً تجاه المسائل السياسية، وقد اختلفت الاتجاهات النظرية في موقفين من السلوك: الموقف الأول: يركز على السلوك الظاهر واهتم بدراسة وقائع السلوك الواضحة والظاهرة والقابلة للملاحظة، واستبعد البحث في مسبباته الذاتية ودوافعه الاجتماعية، فالدوافع لا يمكن ملاحظتها وبالتالي لا يمكن دراستها. والموقف الثاني: يركز على دوافع السلوك ( قيم، معايير، ميول، اتجاهات...). يعتبر ماكس فيبر السلوك ذا المعنى، هو أساس الدراسات الاجتماعية، فبذل جهده في تصنيف الأفعال الإنسانية وتنميطها، لكنه أفرط في الأبعاد الذاتية والمشاعر الفردية، فجعل علم الاجتماع أقرب إلى علم النفس.
الاتجاه البنائي الوظيفي ركز على البناء الاجتماعي ككل مترابط ومتفاعل تتبادل مكوناته التأثير والتأثر، لذلك كانت محاور هذا الاتجاه تتركز حول ثلاثة أسئلة:
ما هي الأنماط التي يمكن الكشف عنها، وإقرار وجودها عند دراسة ظاهرة معينة؟.
ما هي الظروف والمصاحبات التي يمكن أن تنتج عن التفاعل بين هذه الأنماط؟.
ما هي الوظائف التي تدلل على وجود هذه الأنماط وتبرهن على تفاعلها؟.
السلوك الإنساني فعل فردي ذو معنى، هادف يحدث بشكل مقصود وواعٍ، أو أن السلوك هو تصرف الفرد الذي يمكن التنبؤ به في موقف إنساني بموجب دلالات ترابط مجموعة من التصرفات، كيفية التصرف أو ردود فعل الفرد، إزاء موقف معين، هذا ما يميز شخصية الفرد، أما المشاركة فهي مفهوم اجتماعي للتصرف، هو التصرف الفردي من زاوية علاقته بالجماعة وتفاعلاتها أي دور الفرد في الجماعة.
أما السلوك الجمعي فهو مجمل تصرفات الجماعة خلال فترة زمنية ودلالات هذه التصرفات التي تعبر عن شخصية الجماعة التي تذوب فيها الشخصية الفردية، السلوك الجمعي هو معيار لحيوية الجماعة ومدى مشاركة أعضائها في أمورها، أما التصرف فهو مفهوم فردي لفعل في موقف محدد، وتكرار الظرف والموقف ذاته لا يعني القيام بالتصرف السابق ذاته أي لا يمكن التنبؤ بالتصرف، قد يستغرب شخص تصرفه في كيفية مشاركته الاحتجاجية في تظاهرة كأن يرجم جنود الاحتلال بالحجارة، أو يشعل النار بالإطارات، يرى أنها تخالف نمط شخصيته وطبيعتها السلمية.
يتصف السلوك أنه شخصي أي يتوقف على إنسان محدد دون غيره، مثل السلوك العنيف كرد فعل على موقف أثار الغضب، إنه أسلوب معين له خصائصه التي تميزه في التعامل مع الواقع يتبعه الفرد، وقد يدخل هذا الأسلوب في الوعي الفردي فيتحول إلى فلسفة في الحياة، الناضجون الأكثر وعياً من أتباع نمط سلوكي سياسي معين يؤثرون بغيرهم ضمن آليات التفاعل النفسي الاجتماعي.
فلسفة الحياة أو الموقف المبدئي من القضايا، يعني وعي شمولي لطريقة التصرف، لكن كل تصرف يحمل في طياته وعي جنيني بطريقة أو أخرى. إنما النموذج السلوكي يجمع ما هو مشترك بين عدد من الناس، درجة العنف الناجمة عن حالة الغضب، تميز مجموعة من الأفراد عن غيرهم ممن يتبعون أسلوباً سلوكياً آخر في ذات الموقف.
تصنيف السلوك حسب أنماط (أصناف) هو عمل نظري إذ تتداخل الحدود بين هذه الأنماط وتتباعد، فنمط المشاركة العنيفة باستخدام السلاح، ونمط المشاركة السلمية كالهتاف ورفع الرايات واليافطات في النشاطات والمسيرات والتظاهرات، قد يكون بينهما أنماط مشاركة معتدلة في تكتيكاتها ومطالبها، لكن يمكن رؤية الأنماط السلوكية المشاركة من خلال خمس مجموعات:
الواقعية:
في هذا المجال لابد من ذكر المدارس السياسية الواقعية أو نظرية الواقعية السياسية التي تفصل بين السياسة والأخلاق كالميكافيلية والذرائعية الغربية، والتي تعرضت لانتقادات شديدة، لكنها تمارس فعلياً قناعاتها وأفكارها في العلاقات الدولية دون وازع أخلاقي، والتي تقوم على المصلحة والقوة السياسية والحصار الاقتصادي والأنانية وإثارة ما يسمى الفوضى الخلاقة.
ليس المقصود في هذه الدراسة ما تقدم من نظرية السياسات الدولية الواقعية القائمة على المنافسة والصراع، بل المقصود هو النظرة الواقعية في البحث في الظروف الموضوعية، وتفسير الواقع السياسي والاجتماعي تفسيراً علمياً، هنالك موقفان في التعامل مع هذا الواقع المفسر علمياً: موقف الواقعية القدرية، وموقف الواقعية الثورية.
الواقعية نهج تحليل ودراسة وبحث، يحتمل النقاش والحوار والنقد، بما يتعلق بوصف الواقع، وتنظيم الحقائق، ورسم السياسات المطلوبة، وطرح الحلول الممكنة، وتوظيف الوسائل والأدوات المناسبة لتحقيق الأهداف، ذلك أن من يدعي الواقعية قد يخطئ في تحليل الواقع، في الحالة الفلسطينية، قد يخطئ طرف في تقييم قوة طرفي الصراع، اسرائيل من جهة، والفلسطينيون من جهة أخرى، والسؤال: هل اقتنع البعض بما طُرح بأن الجيش الاسرائيلي جيش لا يقهر؟. وهل اقتنع البعض أن اسرائيل متفوقة حضارياً وعسكرياً على العرب مجتمعين؟. أو على العكس من ذلك أنها أوهن من بيت العنكبوت؟. هذا في معادلة الصراع العربي الاسرائيلي، فكيف يكون الحال في معادلة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي؟. ما حال ميزان القوى؟. قد تتفق الواقعية القدرية والواقعية الثورية في الإجابة على هذه الأسئلة، لكن الاختلاف يظهر في الإجابة على السؤال: هل يمكن للفلسطينيين أن يغيروا المعادلة؟. وكيف؟. الواقعية القدرية تنظر إلى الواقع نظرة جامدة سكونية، على عكس الواقعية الثورية التي ترى الواقع متحركاً متغيراً لا يبقى على حال واحدة، وبالتالي تسعى للتغيير، ورغم تمسكها بالظروف الموضوعية، إلا أنها تؤمن بدور العامل الذاتي في إحداث التغيير المطلوب، لذلك فإن العمل الثوري يرتبط بمرحلة إعداد وتصعيد ذاتي مناسب، استعداداً لمواجهات مستمرة متصاعدة.
يرفض اتجاه الواقعية الثورية تقديم التنازلات، لكنه لا يرفض التعامل مع الواقع المعطى في الوقت الذي يجري فيه تحميل المسؤولية للأفراد في مواقع عملهم من خلال القيام بسلوك محدد في جماعة ما، فليس هناك فعل اجتماعي خارج نطاق الجماعة، بما فيها الأعمال الثورية، لذلك يؤمنون بجدوى العمل في الأطر الجماعية المنظمة، كما يؤمنون بالجمع الديالكتيكي بين العامل الذاتي والعامل الموضوعي.
الراديكالية:
أصبحت الراديكالية في الفكر السياسي الليبرالي ووسائل الإعلام الغربية، بمعناها ومدلولها تشير إلى الأصولية الدينية ولا سيما الإسلامية، كما وتربط مفهوم الراديكالية بالتطرف واللجوء إلى العنف وتسميه إرهاباً، ولو كان نضاله مشروعاً، وقد كانت قبل انهيار منظومة الدول الاشتراكية، وانفراط عقد الاتحاد السوفيتي، تلصقه بالتيارات الماركسية التي أصرت على رفض الإصلاحات الجزئية، وانتهجت الفكر الثوري، واعتمدت الثورة كوسيلة وحيدة لإحداث التغيير الاجتماعي.
أصبح معروفاً إلى ما ترمي إليه الحملات الإعلامية الغربية والاسرائيلية في وصف النضال الوطني الفلسطيني بالإرهاب، وتصنيف منظمة التحرير الفلسطينية كمنظمة إرهابية، ومعها العديد من الفصائل الفلسطينية.
وبغض النظر عن هذه الحملات وغاياتها، فالراديكالي في هذه الدراسة هو من يرى في العنف وحده السلوك المجدي دون غيره من أشكال النضالي الشعبي، وشعاره ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، رافضاً المرحلية في تحقيق الأهداف متمسكاً ببرنامج تحرير شامل وفوري، نظرة لا ترى أي رابط بين السلوك اليومي الحياتي وبين القضايا الحيوية للشعوب، يفضل الراديكالي الفعل الذي يحدث ضجيجاً مدوياً، وهو ضد أي هدنة أو تأجيل مؤقت للمواجهة مع العدو حتى يحين الظرف الملائم، فالعمل الثوري يمكنه أن يغير الظروف غير الملائمة، والانتظارية تطيل أمد الصراع وتميعه، ولا تسمح بالخروج السريع من الظروف الضاغطة، وتتعالى هذه النظرة على الفئات المغلوب على أمرها وتستصغر نشاطها، ولا تهتم بالظروف الحياتية والفوارق الفردية، تدعو إلى ترك العمل والدراسة ومشاغل الحياة المعيشية، أو الحد منها لصالح نشاط أرقى، نموذجه المثالي الالتحاق بصفوف الثورة وحمل السلاح، ويطرح الراديكالي ضرورة أن يأخذ الشعب الفلسطيني زمام المبادرة بيده، دون حاجة إلى دعم عربي، أو ظرف دولي ملائم ومناسب، وربما يرى في التدخل العربي خنقاً للمبادرة يؤثر سلباً على مجرى العمل الثوري، والمساعدة يراها في فتح الحدود العربية للفدائيين للانطلاق بعملياتها في العمق الفلسطيني المحتل، فتترافق البيانات العسكرية مع النضال الفعلي، ويصبح عمل المنظمات الفلسطينية ذا فعالية مجدية.
الرومانسية الثورية:
ظهرت أفكار الرومانسية الثورية بداية في الأدب الإبداعي المتمرد على الأدب الكلاسيكي، قبل أن تدخل دهاليز السياسة، التي يرى البعض أنها ارتبطت بحركات التحرر ولا سيما في جناحها الماركسي، والتي جعلت من تشي غيفارا أيقونة النضال والتمرد على الواقع وقيم المجتمع الاستهلاكي، وتدعو لخوض المغامرة الثورية كتجربة إنسانية حالمة بمستقبل مشرق، تزول فيه القيود وشقاء الإنسانية، بينما الأحزاب الماركسية تنعت هذه التجربة بالطفولية اليسارية التي تتجاوب للأحلام وتبتعد عن معطيات الواقع.
يتميز صاحب هذه النظرة بالاندفاع الحماسي والعاطفي للفعل الثوري، والدافع الذاتي الأخلاقي القيمي هو الكامن وراء العمل الثوري الرومانسي، لذلك تقوم القيم الأخلاقية والأحلام المستقبلية مقام الحقيقة الموضوعية، قد يكون للرومانسية الثورية فكر سياسي اجتماعي استمده من الأعمال الأدبية المبدعة، التي لم تبقَ مجرد حركة أدبية فنية، بل تطورت وتبلورت رومانسية سياسية، ورومانسية ثقافية، تناهض الفكر النفعي الذرائعي، وتناهض الحضارة الرأسمالية، لكن عملهم الثوري ليس له برنامج تكتيكي أو استراتيجي ثابت، فتصبح الثورة لأجل الثورة، والثورة مجرد شعار جميل، وتظاهر وتغني بالبطولات والتضحيات، وعلى حد القول: (أجل، قد نموت ولكنها ستكون ميتة جميلة)، ولعل وجود رومانسية ثورية فلسطينية ولدت من رحم حركة التحرر، قد تكون امتداداً للفكر الفلاحي التقليدي، وموقفه من النشاط الثوري من خلال قيم لها أهمية في ذاتها كالحمية والنخوة، فهو يدعو للثأر الفوري لامرأة تصرخ واعرباه، مهما تكن النتائج، وعندما لا يستجاب لنداء المرأة فإن القيم العربية الأصيلة قد سقطت وغاب الحس الثوري وعلينا أن ندفن رؤوسنا في التراب من شدة العار.
الهروبية:
تزعة تميل إلى الانطواء والابتعاد عن مشاكل المجتمع، من تجلياتها السياسية الاستسلامية والانهزامية، أو في المفهوم الشعبي الانبطاحية، يتميز الهروبي بالنفاق، فنادراً ما يقول الهروبي عن نفسه أنه هروبي، ترتبط الهروبية بأسلوب لفظي هو التمويه، فالهروبي قد يدعي الثورية، يُحمّل المسؤولية للأنظمة العربية، ويتحدث كثيراً عن تقاعسها تجاه تحرير فلسطين، وينفض عن كاهله المسؤولية، أو أنه يتحدث عن الدور الهام للانتفاضة لكن حماسته لها لا يعدو كونها شكلاً من التغطية على العجز والخشية، يركب فيها موجة التعاطف العام مع أبطال المقاومة، أما أقصى ما يمكن أن يساهم به هو المناصرة اللفظية المفرغة من مضمونها، وتلخص الهروبية أزمة المقاومة الفلسطينية بأنها تتعلق بطبيعة القيادة الفلسطينية حصراً، وبالتالي الهروب من الدور المطلوب بصب اللعنات على هذه القيادة، يؤدي هذا التمويه إلى فصل القول عن الممارسة، أو يصبح القول هو الممارسة بحد ذاته.
العدمية:
على العكس من الرومانسية الحالمة، العدمية فلسفة العبث والتشاؤم وفقدان الأمل، وهي نزعة نفسية أكثر منها عقلية، تقوم على الشك والتعامي عن الحقائق والوقائع، تشيع اليأس والسلبية في النفوس في كل أمر، وتشيع القلق والخوف والكآبة والإحباط، تشمل مجموعة من الآراء حول الحياة، ملخصها أن لا معنى لها، يوضحها قول المعري: (غير مجد في ملتي واعتقادي.. نوح باك ولا ترنم شادي)، وأن المؤسسات الاجتماعية لا دور ولا هدف لها وتصبح أشكال السلوك والأدوار في المؤسسة مجرد سلوك يومي نمطي رتيب، وبالنسبة لأشكال السلوك السياسي ترى النظرة العدمية أنها غير مجدية ولا يمكن الرهان عليها في حل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي أو أن تقدم أو تؤخر فيه، أو أن تساهم في استعادة الحد الأدنى من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، لذلك أي جهد يُبذل هو مجهود ضائع، وإصدار البيانات السياسية مجرد حبر على ورق، وعمل القيادة الفلسطينية مجرد أعمال إدارية لا ثورية، وعمل المنظمات فاقد للفعالية، والجماهير قد فقدت الحماس الثوري، وأصبحت القيم الثورية عملة نادرة، وكل أنماط السلوك التي تقوم بها الجماهير، ينظر إليها العدمي من باب الازدراء، قاصرة عن أداء أي دور يعقد عليه الآمال.
يشار في هذا المجال إلى المفهوم الحديث نسبياً (الاغتراب السياسي) الذي يعرف بأنه حالة مشاعر عميقة من احتمالات الغربة والرفض والسلبية وعدم الارتياح للوضع السياسي، الفرد الذي يشعر بالاغتراب لا يبالي بالحالة السياسية، ولا بأشكال السلوك السياسي القائمة الآن، مجدية كانت أم غير مجدية. وتبين الدراسات العلاقة بين المشاركة والاغتراب السياسي، في الامتناع عن التصويت ولو كان تصويتاً احتجاجياً.
تنشأ هذه النظرات عن عوامل موضوعية وذاتية، يتعلق العامل الموضوعي بالتغيرات السياسية والاجتماعية المحيطة، ومقدار خدمة هذه الظروف والمتغيرات للمصلحة الوطنية، وبالتالي للمصلحة الشخصية، ويتعلق العامل الذاتي بعوامل داخلية فردية، وكمثال: الوضع المحيط والظروف الصعبة إذا أضيفت إلى حالة نفسية من الاستشعار بالعجز تولد النظرة العدمية المعبر عنها بعدم الرغبة بالقيام بأي فعل ذي أهمية.
الظروف الضاغطة والواقع الصعب يؤدي إلى رفض ملحوظ للأشكال الثورية الرومانسية غير المجدية والمفرطة في الخيال والأحلام، كما رفض العدمية وسلوك الابتعاد عن الواقع وعن أي سلوك يغير الحال إلى حال أفضل، وترى الواقعية في الفعل اليومي العادي تراكمات صغيرة تؤدي إلى نتائج مهمة كأثر الفراشة، يرى الشاب بإمكانه أن يخدم قضيته من موقعه، فدوره البسيط رفيف جناحي فراشة يسبب سلسلة متتابعة من النتائج والتطورات يفوق بكثير حدث البدء، يرى الطالب خدمته لقضيته الوطنية من خلال موقعه على مقاعد الدراسة بالاجتهاد والتفوق، ويربط مستقبله الشخصي بالمستقبل الوطني بدراية وعقلانية، ويراه آخر بالعمل بإخلاص واتقان الصنعة، والمعلم يرى دوره في مجال تربية الأجيال تربية وطنية، يؤمن أن التربية قادرة على إحداث تغييرات هامة، ولها دورها في البناء والصمود في حالات النكوص والزمن الصعب.
تشترك النظرة الرومانسية والراديكالية في صفات معينة، مثل الحماس والاندفاع، وقد يكون لها دور ايجابي في الظروف الاستثنائية، لكن الهروبية والعدمية غير مجدية على الاطلاق.
وفي دراسة المشاركة والتنشئة في المجتمع الفلسطيني، تبين احصائيات الدراسة الميدانية، أن الأنماط السلوكية لا تتوزع بالتساوي على المنتسبين لتنظيم وغير المنتسبين، وهناك فروق إحصائية لها مدلولها في العلاقة بين الانتماء التنظيمي والأنماط السلوكية: إن كل حالات الهروبية تقع في فئة غير المنتسبين، وتتوزع النظرة الرومانسية عند المنتسبين الحاليين والمنتسبين السابقين (تارك) بينما تنخفض بشكل ملحوظ عند غير المنتسبين، النظرة العدمية تتوزع بين المنتسب سابقاً وغير المنتسب، أكبر نسبة للواقعية القدرية عند غير المنتسبين.
سجلت الراديكالية نسبة تواجد لا بأس بها في المجتمع الفلسطيني، إنما ولأن الراديكالي يتميز بالحماس والاندفاع، فإما أن يقوم بعمل فوري سريع وغير مدروس، وإما أن يصاب حماسه بالفتور نتيجة الاصطدام بالواقع، وقد تصل الراديكالية إلى طريق مسدود في العمل النضالي إلا في ظروف محددة الشروط، عندما لا يحتاج الوصول إلى الأهداف مكاسب مرحلية وعملاً تراكمياً طويل النفس، فكثير من الشبان الذين اندفعوا أثناء المعارك يطلبون السلاح سرعان ما فتر حماسهم، ثم غابوا في رتابة الحياة اليومية.
تبقى مسألة تعميم نسب الانتشار، وعلاقة هذه النسب بالواقع الاجتماعي المتغير وخاصة في جانبه السياسي، إذ أن تصاعد عنف ممارسات الاحتلال وإجراءاتها القمعمية، تنمي النزعات العنيفة، مثل الراديكالية والرومانسية الثورية، تشير تقارير الانتفاضة إلى أن أعلى نسب للمشاركة في التصدي للاحتلال تأتي من المخيمات التي تعيش ظروفاً اجتماعية بائسة، وكذلك تأتي من أحياء المدن الفقيرة جداً وذات الكثافة السكانية العالية، مما يؤكد العلاقة بين الاجتماعي والسياسي في تكوين النظرة العنيفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق