الى ما قبل ايام كانت حركة "حماس" تبدو بمنأى عن أيّ دور مشارك في جولات العنف المتتالية التي شهدها مخيم عين الحلوة اخيراً، والتي دارت رحاها على مرحلتين على مدى اكثر من 12 يوما، وهي الجولات التي كان طرفاها حصراً عناصر من حركة "فتح" وأجهزتها التابعة وآخرين ينتمون الى مجموعات متشددة يأتي في صدارتها تنظيم "جند الشام"، بل إن هذه الحركة التي بدأت تحجز لنفسها مساحة حضور آيلة الى اتساع على الساحة الفلسطينية في المخيمات في الآونة الاخيرة، حرصت على ان يُدرج اسمها في قائمة القوى والفصائل العاملة بدأب على طيّ صفحة التوتر والاحتقان، والساعية الى اعادة الامور سيرتها الأولى قبل 31 تموز الماضي وذلك بناء على عتبارين اثنين:
-الاول أنها انضوت طوعاً منذ زمن في اطار هيئة العمل الفلسطيني المشترك، وهو الاطار الذي انطلق عمليا عام 2017 عقب جولة اقتتال مشابهة شهدها المخيم، ويشمل كل الأطراف الفلسطينية ويأخذ على عاتقه مبدئيا مهمة الفصل والمعالجة عند أي إشكال يطرأ.
-الثاني ان "حماس" قدمت نفسها منذ ظهورها الاول في الساحة اللبنانية على انها ليست من السعاة الى الحلول محل أحد سبقها في الاستحواذ على أمن المخيم، أو في وارد السعي لتكون مرجعية سكانه اللاجئين.
واكثر من ذلك، كانت الحركة تزعم حرصها دوما على عدم نقل صراعاتها مع حركة "فتح" في غزة والضفة الغربية الى الساحة اللبنانية، ومن ضمن ذلك تجنب اي استفزاز للحركة التي لديها حق الولاية التاريخية على اللاجئين وعلى عموم الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات.
وبناء عليه سارعت "حماس" اخيرا الى الانضمام الى كل سعي ومجهود عنوانه وقف النار والجنوح الى حلول تسووية مدخلاً لإيقاف الاقتتال المدمر. ولم تنسَ الحركة في هذا السياق ان ترفع صوتها رفضاً لما يؤدي الى تدمير المخيم ورمزيته وتشتيت قاطنيه وهو الاكبر عددا من باقي المخيمات ويتمتع باستقلالية امنية.خطاب التحذير والاستياء أعلته الحركة اخيرا بعد سقوط اتفاقات وقف النار وامتداد المعارك المدمرة الى محاور جديدة. وحافظت الحركة على هذه الصورة الجانحة نحو الحياد الى يوم أذيع نبأ وصول نائب رئيس الحركة
في الخارج موسى ابو مرزوق فجأة الى بيروت، ولم يمضِ وقت طويل حتى كُشف عن لقاء ليلي طويل جمعه في مقر سفارة فلسطين في الرملة البيضاء بالمسؤول عن الملف اللبناني في قيادة "فتح" المركزية في رام الله عزام الاحمد الذي كان اعلن عن عودته الى العاصمة اللبنانية قبل ساعات. وظل الامر طبيعيا الى صبيحة اليوم التالي حيث ظهرت الحركة إعلاميا بمظهر"الشريك" غير المباشر في صراع عين الحلوة، اذ سرت انباء عن تكليف "حماس" مهمة التواصل مع المجموعات المتشددة في اعماق المخيم المشتعل بغية اقناعها بسلوك طريق التهدئة اولا ومن ثم تسليم المتهمين الثمانية بقتل القيادي الامني في "فتح" اللواء ابو أشرف العرموشي، علما ان اي جهة لم تكن تقدِم سابقا على التصدي لهذه المهمة. وعليه أُقحمت الحركة فجأة في مشهد المخيم الواقع بقبضة النار والدمار، اذ من خلال هذا التطور ثمة من سارع الى تسليط الاضواء على "علاقة ضمنية" تربطها ببعض المتشددين المحاصرين بتهمة اسقاط فرص التهدئة الواحدة تلو الاخرى ورفض التجاوب مع مساعي الحل المتنوعة والتي لم تبقَ جهة لبنانية أو فلسطينية إلا تطوعت للمشاركة فيها.
ومما ساهم بتعزيز الكلام الاتهامي حول هذه العلاقة التي هي بمثابة شبهة، ان رموزاً قيادية في حركة "فتح" سارعوا الى ترويج كلام فحواه ان ادامة الاستقرار في المخيم المنكوب واعادة الامور فيه سيرتها الاولى مرهون بـ"وفاء" "حماس" بتعهد اطلقته يقود الى تسليم المتهمين الثمانية الى السلطة القضائية والامنية اللبنانية.
كل ذلك أيقظ موجة مخاوف وهواجس كامنة لدى "حماس" تتأتى من ان ثمة مساعيَ تدبّر في ليل بغية اخراجها من دور "الطرف الوسيط " المشارك بفعالية في جهود التهدئة الى مربع اللاعب الشريك في مشهد النار.
وهذا ما تنفيه الحركة على لسان الناطق باسمها جهاد طه اذ يقول في تصريح لـ"النهار": "نؤكد مجددا اننا لسنا طرفا مشاركا في الاحداث المؤسفة التي شهدها مخيم عين الحلوة. وما يزعمه البعض عن مشاركتنا كلام عارٍ من الصحة وجزء لا يتجزأ من حملة التضليل الاعلامي وقلب الحقائق".
واضاف طه: "ان حركتنا ومنذ بداية الازمة سارعت الى بذل اقصى الجهود للحفاظ على المخيم بالدرجة الاولى عبر وقف النار ومعالجة تداعيات الاحداث وذيولها انطلاقا من واجبها الوطني ومن حرصها على المقاومة ومواجهة الاحتلال، وبمقدورنا القول اننا كحركة حماس كنا وما زلنا موضع ثقة الجهات الرسمية والامنية اللبنانية ومحل ثقة القوى الوطنية اللبنانية والفلسطينية على حد سواء، فنحن فصيل مؤثّر في الحالة الوطنية الفلسطينية. وهذا الدور يؤهلنا مع القوى والفصائل الاسلامية ومع اللجنة الامنية المشتركة التي تشكل حركتنا جزءا اساسيا فيها، ان نضع الآليات اللازمة بقصد معالجة مسألة تسليم المتهمين بالتنسيق مع الجهات الامنية اللبنانية".
ورداً على سؤال عن الخطوات الواجب اتباعها لتحقيق هذا الشرط الذي عُدَّ مفتاحا اساسيا للمعالجة؟ اجاب طه: "هناك لجنة أُلّفت وهي ستبدأ في غضون الساعات القليلة المقبلة لقاءاتها واتصالاتها، وهي تضم ممثلين عن القوى الوطنية والاسلامية الفلسطينية اضافة الى ممثلين عن الجهات الامنية اللبنانية وممثل عن دولة الرئيس بري، بقصد الترجمة العملية لما اتفق عليه برعاية الرئيس بري".
وختم طه: "أما ما يُنسب الى بعض الفصائل حيالنا فهو غير صحيح ونردّ عليه بالقول اننا كحركة مصممون على تحمّل مسؤولياتنا الوطنية تجاه مخيماتنا لكي نحافظ عليها ونواجه اي محاولات لتدميرها وتهجير سكانها لأن ذلك من شأنه خدمة الاجندة الصهيونية الساعية منذ زمن الى ضرب حاضنة المقاومة في المخيمات وشطب هذه المخيمات توطئة لشطب حق العودة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق