بعد عملية طوفان الأقصى المُفاجئة لدول اسرائيل والتي أظهرت حالة الفشل الامني والاستراتيجي وعدم قُدرتها على اكتشاف العملية الا بعد حدوثها حيث الحقت خسائر بشرية في صفوف المُحتل وأسر عدد كبير من الاسرائيليين بحوزة المقاومة الفلسطينية، الامر الذي ادى الى تعزيز سياسية الانتقام لاستعادة صورة النصر للحالة الانهزامية التي شعرت بها اسرائيل من خلال استخدام سياسة الارض المحروقة والحزام الناري والقوة التدميرية واستخدام ادوات الحرب النفسية والاعلامية واستخدام القنابل العنقودية والفسفورية واطباق الحصار الشامل على القطاع مما ادى الى انقطاع الكهرباء والمياه والوقود ونقص الامدادات التموينية والطبية ما يؤدي الى ترسيخ كارثة انسانية وصحية وبيئية بحق المدنيين في القطاع.
ان اسرائيل حسمت موقفها في تحقيق اكثر من هدف في القطاع وهو القضاء على المقاومة الفلسطينية بكافة ايديولوجياتها والهدف الاخر تفريغ القطاع من السكان من خلال استخدام القوة العسكرية عبر القصف الجوي على الابنية والابراج والمؤسسات تجبر الشعب على النزوح من منطقة الى اخرى من الشمال الى الوسط الى الجنوب وهذا اشارة لتهجير الشعب من ارضه نتيجة حسم الاحتلال على الاستمرار في القوة الصلبة حيث ان الاحتلال يستغل هذا الحدث لتحقيق حلمه اعادة السيطرة عبر الاجتياح البري للقطاع ياتي ذلك من خلال المراحل التمهيدية عبر القصف الجوي واطباق الحصار الكلي على القطاع بحيث يتم تقسيم القطاع الى ثلاثة اجزاء "شمال ، وسط، جنوب" ثم الاجتياح بعد انهاك المقاومة زمنياً لكن مدى نجاعة الاجتياح البري يُرتهن حسب قدرة المقاومة على الصمود والتصدي ومواجهة الاحتلال في القطاع ومدى استجابة قوى المحور في انقاذ المقاومة الفلسطينية، ان حدث الاجتياح البري وتم بشكل سلس هذا يعني انهاء حالة المقاومة بشكلها الحالي واذا حدث الاجتياح والتهجير فالصورة المستقبلية قادمة الى الضفة الغربية والتهجير الى الاردن.
لا يخفى الامر ان الهدف الاساسي مما يحدث هو حل القضية الفلسطينية مع تبني اميركا تلك الرؤية المنحازة دوماً الى جانب الحكومات اليمينة المتطرفة والتي وفرت الغطاء والدعم اللوجستي والتسليحي للتمدد الاستيطاني في الضفة الغربية وتهجير السكان منها ومن القطاع والتعدي على الاماكن المقدسة والتجاوز عن الانتهاكات التي تحدث وفرض سياسة الامر الواقع من خلال فرض القوة العسكرية.
صحيح ان ما يحدث في قطاع غزة حرب مستمرة بين الاحتلال والمقاومة في القطاع لكن قد تتطور الحرب الى متعددة الجبهات وتتبلور الى حرب شاملة وقد تكون الولايات المتحدة معنية بالحرب لكن بعد الانهاء التدريجي للقوى المنطوية تحت اطار محور المقاومة من اجل اعادة نفوذها بالمنطقة كما كانت دون منافس وترسيخ الممر الاقتصادي الامريكي دون منافس كطريق الحزام الصيني، من هنا فان اغلاق الملف الفلسطيني والاعلان عن انتهاء القضية الفلسطينية هي محطة اساسية في المخطط الامريكي _الاسرائيلي لاعادة رسم المنطقة الشرق الاوسطية واعادة نفوذ قوي لاميركا واندماج كلي لاسرائيل في المنطقة لكن عملية طوفان الاقصى غيرت المعادلة لكن بقاء المعادلة لا تستمر الا بتدخل جميع قوى المقاومة في المنطقة.
ما يحدث في القطاع هو تنفيذ لصفقة القرن المرحلة السادسة وهي التهجير والتوطين في الدول العربية وهذا ما طلبه وزير الخارجية الامريكي بلينكن من بعض الدول العربية توطين اهالي القطاع لكن الدول رفضت المخطط نظرا كونه تفريغ مضمون القضية وانهاؤها كليا، ما يخطط له الاحتلال تهجير اهالي القطاع بعد النزوح القسري الى حدود غزة وصولا الى مدينة العريش وعلى امتداد رفح وتوسيع مساحة غزة الى مساحة اضافية لها هي 7 الاف كلم المقتطعة من سيناء حيث تتسع المنطقة الى خمسة ملايين لاجئ فلسطيني بالتنسيق بين واشنطن واسرائيل ثم ستطلب اميركا من اليابان دفع مئة مليار دولار وكوريا الجنوبية مئة مليار اخرى لتوطين الفلسطينيين اضافة الى دول اخرى منطوية تحت اطار الاتحاد الاوروبي تحقيقا لهدف التهجير وبناء مدن وبلدات وشبكات ري وكهرباء في المنطقة وجعل شركات دولية لاقامة مطار دولي قرب العريش، اضافة الى نزع اي نفوذ ووجود مقاوم على حدود فلسطين المحتلة.
وهكذا تكون صفقة القرن قد اتمت المرحلة التاسعة منها ويتم تقريبا بشكل نهائي تصفية القضية الفلسطينية وحصول إسرائيل على الراحة من الكثافة الفلسطينية إضافة الى الغاء حق العودة نهائيا للفلسطينيين الى فلسطين المحتلة، وبالنسبة للولايات المتحدة تكون قد أعطت حليفتها الاولى ما تريد.
ثم استكمال بناء الدولة العبرية اليهودية على ما تُسميه الصهيونية العالمية أرض "إسرائيل" التوراتية "إيرتز إسرائيل"، وهى تمتد من البحر المتوسط إلى نهر الأردن، وبالطبع تضم الضفة الغربية أو يهودا والسامرة، والقدس الموحدة عاصمة لها، فيما يتعلق بالقطاع لا يهمها الا غاز غزة.
ثم تصفية ما تبقى من الكيان الفلسطيني المتمثل بالسلطة في الضفة الغربية والقدس الشرقية، عبر التوسع في سياسة الاستيطان اليهودي في الضفة، وعمليات تهويد القدس، ودمج من يمكن دمجهم من الفلسطينيين في كيان دولة الأردن، ومن يتبقون يمكن دمجهم في المجتمع الإسرائيلي بأوضاع عرب 48 نفسها، مع إعطائهم بعض حقوق الإدارة المدنية المحلية.
خلاصة: عرفت القضية الفلسطينية منذ القرن الماضي مشاريع وخطط تسوية عديدة طرحتها الإدارات الأميركية المتعاقبة وغيرها، لكن خطة التهجير القسري تُعتبر الأسوأ بينها على الإطلاق.
الشعب الفلسطيني لا يقبل التجزئة وصاحب قضية عادلة لا تقبل القسمة وصاحب الحق الثابت في فلسطين التي لا يتنازل عنها ولا عن ترابها فلن يقبل بتمرير مشاريع تمس الحقوق الفلسطينية الثابتة وسوف يتصدى لاي صفقات مشبوهة تنتقص من حقوقه.
من هنا مسؤولية الدول الصديقة للقضية والدول المجاورة للقطاع ان يضغطوا على ترسيخ مؤتمرا دوليا او اقليميا لوقف اطلاق النار الذي اودى بحياة المدنيين وادخال المساعدات الانسانية لديهم ومن ثم ايجاد حلول سياسية لحل القضية من منطلق ترسيخ دولة فلسطينية مستقلة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق