باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»
إلى جانب عدوانها، أعلنت إسرائيل يوم الاثنين 9 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 عن فرض حصار شامل على قطاع غزة يتضمن إغلاق المعابر كافة وقطع الإمدادات الكهربائية والمياه والغذاء والطاقة والوقود عن القطاع، يهدف هذا إلى خنق المجتمع الفلسطيني في القطاع والتعجيل في كسر إرادته، ينذر قرار إسرائيل بقطع الإمدادات عن قطاع غزة بتفاقم الوضع الإنساني، ولاسيما في ظل ظروف القصف والتدمير والقتل وازدياد أعداد المصابين والجرحى، ونفاذ المستلزمات الطبية، وانقطاع التيار الكهربائي، والتهديدات بالقصف التي تتعرض لها العديد من المشافي لإخلائها، تتضاءل إمكانيات الحصول على العلاج، وإنقاذ حياة جرحى العدوان الذين أصبحت أعدادهم تفوق إمكانات المشافي على استيعابهم وقد خرج بعضها عن الخدمة، مما يثير قلق منظمات حقوق الإنسان إزاء العقوبات الجماعية لمليونين ونصف المليون فلسطيني محاصرين في قطاع غزة، وإزاء انتهاكات محتملة أخرى تعد خطيرة بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وكان للقيود التي تفرضها إسرائيل منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، وشدّدتها بعد استلام حماس السلطة في غزة في العام 2006، بحجة الدواعي الأمنية، أثر عميق على الأوضاع المعيشية فيها، ومنذ ذلك الوقت 2006 وحتى معركة طوفان الأقصى يكون قد مضى نحو 17 عاماً على حصار غزة، أصبح خلالها أغلبية سكان القطاع بحاجة إلى مساعدات غذائية.
في العام 2008 نجح العدو في الوصول مع الطرف الأمريكي إلى «تفاهم أمني» يقود إلى تشديد الحصار على القطاع بذريعة تهريب الأسلحة، بما يحمله الحصار إلى الفلسطينيين من آلام وتعقيدات تحول حياتهم إلى جحيم لا يطاق، وكان واضحاً أن العدو يستغل إلى أبعد الحدود حال الانقسام الفلسطيني وغياب التضامن العربي ليصب جام حقده على القطاع في اعتداءات متكررة أودت بحياة العشرات من أبنائه.
في التاسع عشر من حزيران/يوليو 2008 توصلت حركة حماس مع الجانب الإسرائيلي برعاية مصرية إلى اتفاق حول هدنة رعته القاهرة، ومدته 6 شهور، يتضمن وقف كامل لإطلاق النار من جانب القطاع تبدأ اسرائيل بعد 13 يوماً بفتح تدريجي للمعابر، والسماح لاحتياجات القطاع بالمرور. تم هذا بعد مفاوضات عسيرة غير مباشرة اشترطت حماس أن يشمل الاتفاق على النقاط التالية:
- وقف شامل لإطلاق النار ملزم للطرفين.
- فك الحصار عن قطاع غزة وفتح المعابر، بما في ذلك معبر رفح على أن يدار المعبر بالتعاون بين مصر وحماس.
- تبقى قضية الجندي الإسرائيلي شاليت معزولة عن الاتفاق ويتم التوصل إلى حلها في سياق آخر مقابل إطلاق سراح دفعة من الأسرى تسمي حماس 450 منهم.
رفض الجانب الإسرائيلي الربط بين التهدئة وبين فك الحصار الكامل، وربط بالمقابل بين فك الحصار وإطلاق شاليت، وبعد طول تباحث وتشاور نزلت حماس عند الموقف الإسرائيلي، ورضيت بشروطه.
تحفظت الفصائل الفلسطينية على الاتفاق ورأت فيه إخلالاً لصالح الجانب الإسرائيلي، ورأت ضرورة فك الحصار بشكل كامل، وفتح المعابر دون شروط، بما في ذلك معبر رفح –باعتبار معبر رفح هو قضية مصرية فلسطينية- بحيث يستورد القطاع احتياجاته دون تقنين، ويصدر منتجاته دون أية عرقلة.
لم يفتح معبر رفح، وبقيت الجهات المصرية تنظم تشغيله بصورة مؤقتة، خدمةً للضرورات الإنسانية الفلسطينية، أما المعابر المرتبطة بإسرائيل والتي تمر عبرها البضائع كـ(كرم أبو سالم) والوقود والمحروقات والمواد التموينية الأخرى، فقد فتحت جزئياً، وأصرت اسرائيل في هذا السياق على السماح بدخول الحاجات الضرورية للقطاع ضمن كميات الحد الأدنى، بحيث لا يتاح للقطاع أن يخزن أياً من هذه المواد لفترات طويلة، الأمر الذي أبقى القطاع تحت رحمة القرار الإسرائيلي، لا تتوفر له إلا حاجاته اليومية، وسرعان ما يدركه الجوع وتتعطل حياته الاقتصادية إذا ما لجأ العدو إلى إغلاق المعابر.
قامت سفن عديدة من مختلف الدول العربية والغربية بمحاولات كسر الحصار عن قطاع غزة، معبرة عن روح تضامنية مع سكان قطاع غزة، نجح بعضها في الوصول، وتحقيق غايته بتقديم مساعدات والبعض الآخر اعترضته قوات الاحتلال الإسرائيلي. السؤال الذي يلح اليوم وفي ظروف العدوان على غزة وحصارها الجائر: لماذا لا يبادر نشطاء ومتضامنون، ومنظمات حقوقية تدافع عن الإنسانية، من جديد إلى كسر الحصار؟. يستدعي هذا السؤال سؤالاً آخر: ما جدوى سفن كسر الحصار هل هي مسألة اقتصادية أم سياسية أم إغاثية؟. وهل وضعت إسرائيل أمام خيار إنهاء الحصار؟.
قوافل كسر الحصار التي نجحت بالوصول، وقدمت المساعدات، خففت من حدة الحاجة لمواد غذائية وطبية وإغاثية لكن لم تحلها وتسد كامل الحاجة، وبقي الحصار قائماً، وما كان من الممكن أن تحقق هذه القوافل هدفها المتمثل في التأثير على الحصار الإسرائيلي بالتخفيف من حدته أو إنهائه، ولفت نظر العالم إلى مأساة حصار غزة، إلا باستمرار الحملات وتكثيفها وزيادة الحملات الإعلامية والحملات التضامنية.
سمحت سلطات الاحتلال لعدد من السفن بكسر الحصار في أواخر العام 2008، وبداية العام 2009، ثم عرقلت كل محاولات كسر الحصار على غزة، في الأعوام التالية 2010 و2011، فتوقفت المحاولات في العام 2016 وكان أخرها يوم 14 سبتمبر/أيلول 2016 قافلة كسر الحصار النسائية البحرية، وشارك في قافلة النساء عدد من الإعلاميات ومجموعة من الناشطات العربيات والغربيات، مثل الناشطة ميريد ماغواير، والبرلمانية النيوزيلندية مراما ديفدسون، والكاتبة والمسرحية الأميركية المعروفة نعومي ولاس، والناشطة علا عابد من الأردن، والناشطة البرلمانية لطيفة الحباشي من تونس.
عملت اسرائيل على وقف محاولات كسر الحصار بكل الوسائل المتاحة لها بالاعتداء على ركابها واعتقالهم، وبالتخريب كما حدث مع أسطول الحرية 2، واستخدام العنف كما حدث مع أسطول الحرية 1، حين شنت قوة بحرية إسرائيلية يوم 30 أيار/ مايو 2010 هجوماً على السفينة "مرمرة" المستأجرة من قبل «مؤسسة الإغاثة الإنسانية التركية» لكسر الحصار الإسرائيلي على غزة، وقتل الجنود الإسرائيليون عشرة ناشطين وأصابوا آخرين بجروح.
كان أول كسر بحري للحصار الإسرائيلي على قطاع غزة يوم 23 آب /أغسطس 2008 حين تمكنت سفينتا "الحرية" و"غزة الحرة" من الوصول إلى شواطئ غزة، بينما كانت المروة الليبية أول سفينة مساعدات عربية تحاول كسر الحصار بالوصول إلى شواطئ غزة، محملة بثلاثة آلاف طن من المساعدات الغذائية والدوائية، ومنعتها سلطات الاحتلال من الوصول إلى قطاع غزة.
تبعها وصول قافلة بحرية من لجنة الإغاثة الإنسانية في مصر في 20 آب /أغسطس 2008، وبعد بضعة أيام كسرت سفينة "الأمل" الحصار، وكان على متنها نشطاء من جنسيات مختلفة، استطاع الكثير من المتضامنين الأجانب برلمانيين أوروبيين وأساتذة بريطانيون، وجراح بريطاني، وناشطون حقوقيون وصحفيون، الوصول إلى شواطئ القطاع ، في نهاية العام 2008 وقبل أسبوع من «الحرب على غزة 2008-2009» أو «معركة الفرقان» كما تطلق عليها المقاومة الفلسطينية، حملت سفينة "الكرامة" القطرية طناً من الأدوية والمستلزمات الطبية وعلى متنها شخصيات تمثل جمعيات خيرية قطرية وعدداً من المتضامنين والناشطين الأجانب والصحفيين، لكن جيش الاحتلال منع وصول سفينة "الكرامة" إلى شواطئ غزة يوم 14 يناير/كانون الثاني 2009 واحتجز ركابها وذلك خلال العدوان الإسرائيلي على غزة.
في مواجهة الحصار، وقبل العدوان الأخير على غزة بأسابيع أعلن عن إطلاق حملة دولية بعنوان «افتحوا موانئ غزة"»، بمبادرة من ناشطين من داخل فلسطين ومن دول عربية وأوروبية، للفت الأنظار إلى معاناة المواطنين في قطاع غزة، وجاء ذلك خلال وقفة نظمتها "الحملة الدولية لكسر الحصار عن قطاع غزة" داخل ساحة ميناء غزة، يوم السبت 23/9/2023، حيث رفع المشاركون بالوقفة أعلام فلسطين ولافتات تطالب بتدخل دولي لكسر الحصار الإسرائيلي.
وبعد تشديد الحصار وإغلاق كل المعابر وقطع الماء والكهرباء وكل سبل العيش، وترافق الحصار مع العدوان والقصف الذي يستهدف المدنيين ومنازلهم، وُضعت المصداقية الانسانية أمام ضرورة تجديد حملات المطالبة بإنهاء الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع والذي بلغ أقسى الأذى الممكن ليس فقط بحق سكان غزة بل بحق الإنسانية، إذا بقي المجتمع الدولي متفرجاً على الكارثة التي تحدثها اسرائيل في القطاع.
وعلى الجماهير الفلسطينية في الشتات والجماهير العربية وبالأخص المصرية أن تقوم بفعاليات ومهام نضالية بمسيرات واعتصامات واسعة للمطالبة بفتح معبر رفح، وسائر المعابر التي تربط غزة بالضفة الفلسطينية، ودعوت قوى العالم الحر المحبة للسلام والعدل ونشطائه، للتعبير عن رفضها لإجراءات العدوان الصهيوني التي ستؤدي إلى نكبة جديدة بحق فلسطيني غزة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق