بعد استمرار القصف الجوي الاسرائيلي على قطاع غزة وإلحاق الضرر بالمدنيين الفلسطينيين جُلهم نساء واطفال وتدمير البُنية التحتية بات الرأي الدولي ضد السردية الاسرائيلية بعد رؤية الصور والفيديوهات التي تشير الى ابادة جماعية هدفها التطهير العرقي والتهجير القسري الامر الذي جعل المواقف الجماهيرية تتحرك وتضغط على صناع القرار بالتحديد الولايات المتحدة الامريكية التي ساهمت الى حد كبير في الضغط على نتنياهو للقبول بالهدنة الانسانية اضافة الى الجهد المصري والقطري لترسيخ هدنة انسانية التي كانت حاجة لكلا الاطراف المتمثلة بالمقاومة الفلسطينية والمدنيين واسرائيل واميركا.
حيث ان حاجة اسرائيل كانت لامتصاص غضب اهالي الاسرى الاسرائيليين بعد خروج التظاهرات الشعبية ضد سياسيات حكومة الحرب وحكومة نتنياهو الامر الذي ادى الى رضوخ الحكومة لضغط الشارع الاسرائيلي وقبول طلب بايدن لترسيخ الهدنة التي كانت حاجة ايضا لبايدن اكثر من نتنياهو بسبب الضغط الشعبي الاميركي والمؤثرين الديمقراطيين عليه لترسيخ وقف اطلاق النار خوفاً من خسارته في المعركة الانتخابية القادمة.
فيما تتمثل حاجة المقاومة الفلسطينية وهي اطلاق سراح اسرى فلسطينيين من المعتقلات الاسرائيلية وادخال المساعدات الانسانية والوقود والمساعدة في الإغاثة المحدودة للمصابين بجروح خطيرة ومن يمكن نقلهم إلى مصر للعلاج، كما يمكن أن تسمح لبعض الشاحنات بإحضار المواد الغذائية إلى غزة وتخفيف وطأة الحرب على المدنيين بعد مواصلة قرابة خمسين يوماً من العدوان على المدنيين وتدمير الواقع الانساني والصحي والمعيشي في القطاع.
السؤال الذي يطرح نفسه لماذا بايدن واطراف دولية طالبت بهدنة انسانية وليس وقف النار رغم مناشدات اقليمية وعربية واممية بوقف فوري لاطلاق النار؟ للاجابة على السؤال لابد التفريق بين الهدنة الانسانية ووقف اطلاق النار رغم ان المُصطلحين يدعو لوقف الاعمال العدائية الا ان بينهما فوارق كبيرة بآلية العمل والمدة والاهداف لكل منهما، حيث ان وقف اطلاق النار ياتي كجزء من عملية سياسية وتعليق القتال باتفاق بين اطراف الصراع ومدته طويلة الامد بحيث يمكن الوصول بعد الجلوس على طاولة المفاوضات الى امكانية التوصل الى تسوية سياسية دائمة تؤدي الى سلام دائم ويوضع قرار وقف اطلاق النار ويتم فرضه ضمن الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، ووقف اطلاق النار اشمل من تقديم المساعدات حيث تصل الترتيبات الى عسكرية وسياسية دائمة كسحب السلاح ووقف التصعيد ثم الوصول الى حل شامل بين الطرفين المتنازعين.
فيما تتمثل الهدنة الانسانية بوقف مؤقت للاعمال العدائية لاغراض انسانية وفترتها مؤقتة من اجل تقديم المساعدات الانسانية واخراج الرهائن وتقديم الرعاية الطبية والصحية للمصابين، وفي بعض الحالات قد تؤدي الهدنة الانسانية كخطوة اولية نحو تحقيق وقف اطلاق النار او تسوية نهائية للنزاع اذا انوجدت حسن النوايا، لكن في المشروع الاسرائيلي غير معني بتسوية شاملة الا بتنفيذ اهدافه الامنية والعسكرية في قطاع غزة واعادة التموضع الامني حسب مقتضيات الامن القومي الاسرائيلي، لذلك كان التركيز على الهدنة الانسانية لتحقيق مطلبين اخراج الرهائن وادخال المساعدات الانسانية للقطاع مع استمرار التموضع الامني الاسرائيلي في المحافظات الشمالية لقطاع غزة نظرا ان اسرائيل تريد الحفاظ على خطوط النار التي وصلتها واحتلتها ومنع ارجاع المدنيين لاماكن سكناهم.
اميركا ترفض وقف اطلاق النار حتى لا تُعيد حماس تموضعها من جديد حيث ان هدفها وبشراكة اسرائيل انهاء البُعد العسكري لحركة حماس واعادة هيكلة القطاع ضمن ادارة مؤقتة تتبع الادارة المدنية لاسرائيل تُدير القطاع ادارياً ضمن وجود قوة شرطية مدنية لا تُهدد الكيان الاسرائيلي ضمن ترتيبات امنية مستقبلية اقليمية.
كما ان اميركا تُفضل الهدنة بعد خروج المظاهرات المطالبة بوقف اطلاق النار الفوري وارتفاع تهديدات الناخبين بالامتناع عن التصويت في الانتخابات الرئاسية اذا لم يدع بايدن الى وقف اطلاق النار فضغطت على اسرائيل للقبول بالهدنة لاستكمال الشرعية القتالية في قطاع غزة بحجة دفاع اسرائيل عن نفسها.
لكن الاهم ما بعد الهدنة هل ستنجح كونها مرحلة اختبار اما ان تكون الهدنة مرحلة برزخية انتقالية لهدن متوالية او ترسيخ مقدمة لوقف اطلاق النار؟ سيناريوهات عديدة ما بعد الهدنة اما انتهاء الهدنة والتي مدتها اربع ايام دون تمديد او تمديد الهدنة الانسانية حتى يتم اخراج كامل الرهائن الاسرائيليين على مراحل ونبضات واما الوصول الى تسوية سياسية بعد سحب سلاح حركة حماس وابقاء واقعها المدني وشراكة اخرون كإدارة مؤقتة ترتبط مدنياً مع اسرائيل بعد المرحلة الانتقالية وانهاء حماس العسكرية.
من المتوقع ان يتم ترسيخ هدنة مؤقتة بين الفينة والاخرى وان كانت غير متواصلة التوقيت لكن سيتزامن ذلك استمرار اطلاق النار حتى تُحقق اسرائيل مطلبها الاساسي نزع السلاح المؤرق الاساسي لخاصرتها الجنوبية.
لكن المستقبل له محددات وتدخلات ويعتمد ما بعد الهدنة على اكثر من نقطة اولها ضغط الشارع الاسرائيلي باخراج الرهائن العسكريين هذا يعني ترسيخ هُدن انسانية متوالية، والعامل الاخر ضغط الرئيس الامريكي لتنفيذ هدن اخرى حتى لا تتوسع الحرب من منطقة حدودية الى اشمل، ومن المحددات مدى توافق او تناقض المواقف الداخلية الاسرائيلية سواء في مجلس الحرب او الحكومة الائتلافية، وكما ان الضغوطات العربية لها تاثير في ترسيخ الهدن المتوالية او الوصول الى وقف اطلاق نار فعلي.
من المحتمل تحقيق جزء من اهداف اسرائيل حتى لا تخرج خاسرة من المعركة فهي تريد تحقيق صورة نصر حتى لو كان ذلك على حساب خسائرها البشرية العسكرية والاقتصادية لذا المرجح استمرار اطلاق النار مع هدن مؤقتة لاخراج الرهائن المتبقين وتنفيذ الاهداف التي ممكن تنفيذها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق