بقلم: تمارا حداد
حتى يُحقق نتنياهو نظرية النصر الاستراتيجي الشاملة وقلب الأمور إلى صالحه وضمان بقاءه على السلطة إضافة إلى تنفيذ اليمين مخططاته قدم نتنياهو للمجلس الوزاري الأمني المُصغر وثيقة مبادئ تتعلق بسياسة اليوم التالي لانتهاء حرب غزة حيث حدد فيها خطة لثلاث آجال أمد قصير ومتوسط وبعيد المدى مُشترط الوصول لليوم التالي استمرار الحرب هذا يعني أي مفاوضات قائمة فيما تُشير الى هدنة مؤقتة لن يتحقق شرط وقف اطلاق النار اضافة الى تحقيق الاهداف التي تم وضعها في بادئ الحرب القضاء على القدرات البشرية والعسكرية للمقاومة الفلسطينية وازالة التهديد الامني المُتمثل بالسلاح بشكل جذري من قطاع غزة.
تخللت الوثيقة إطاراً زمنياً تبدأ بحفاظ اسرائيل بحرية العمليات الميدانية والعسكرية والامنية في القطاع بمعنى تعزيز البُعد الامني والسيطرة الشاملة على القطاع كما يحدث في الضفة الغربية باحتفاظها بحرية التنقل في القطاع وهذا يعني استمرار الدخول والخروج عند الحاجة الامنية عند توفر المعلومات الاستخباراتية عن وجود مقاوميين واحباط أي عملية مُستقبلية تُهدد الامن القومي الاسرائيلي.
فيما يتعلق المنطقة التي اقتطعوها من القطاع وبالتحديد بعد بناء الطريق الاسفلتي من شرق الى غرب القطاع حتى البحر سيفصل الشمال عن الجنوب وهذا اشارة ان قبل الطريق سيتحول الى منطقة امنية عازلة وهي منطقة تُقدر مساحتها ثلث القطاع بمعنى ما بعد الطريق سيبقى النازحيين في الاماكن التي نزحوا اليها سيتم التعامل معهم بطرق ادارية مدنية حسب مُقتضيات الامن القومي الاسرائيلي اضافة الى تعزيز التهجير الطوعي نظراً ان مساحة الثلثين من القطاع لن يتسع بصغر حجمه امام وجود العدد الهائل من المواطنيين والذي يُقدر عددهم مليونيين فرد.
تخللت الوثيقة فكرة التاكيد على مُحاصرة القطاع براً بحراً جواً من خلال اعادة الاحتلال المباشر حتى المنطقة الجنوبية المتمثلة بالحدود بين غزة ومصر ضمن عمل سياج تحت ذريعة منع تكاثر وجود حماس ومنع التهريب تحت وفوق الارض اضافة الى معبر رفح هذا يعني ارتكاز امني اسرائيلي ضمن سياسة القبضة الحديدية تتبع سياسة الردع والتخويف والضربات الاحترازية والاستباقية منعاً لنمو أي حالة نضالية مستقبلية تماماً يُشابه ما يحدث في الضفة الغربية لتعزيز بعدها خطة سموتريتش التي تشير الى إعادة الامن وتخيير الشعب بثلاث خيارات العيش مسالماً او الموت القسري او التهجير القسري اضافة الى جعل الفلسطيني العيش في كنتونات مُحاطة امنياً اما بالمستوطنات او اليات جيش الاحتلال بشكل بري او تقني عبر ادوات المراقبة التكنولوجية المغناطيسية اضافة الى اخذ بصمات الجسد للمواطنين تفادياً اي طارئ مستقبلي يحدث كما حدث في عملية طوفان الاقصى في قطاع غزة اضافة الى التاكيد على السيطرة الامنية في الضفة الغربية من النهر الى البحر.
وثيقة نتنياهو تُعزز القبضة الامنية في كل مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة اضافة الى ابقاء البُعد المدني في يد الفلسطينيين بمعنى ايجاد ادارة مدنية في القطاع تهتم بالنواحي المعيشية لا ترتبط باي دولة تدعم المقاومة المسلحة وهذا ياتي في الامد المتوسط وهذا يعني سياخذ وقتاً حتى ايجاد قوة مدنية ما لم تكن السلطة الفلسطينية المدير للبُعد المدني والمعاشي والخدماتي بغض النظر من القائم باعمال المدنيين الفلسطينيين الا ان وثيقة نتنياهو لا تُعطي مجالاً مستقبلياً لاي افق سياسي مستقبلي ولا فتح المجال لاي تشكيل دولة فلسطينية امام اصدار قرار من الكنيست باغلبيته 99 عضواً تم رفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية وان كان هناك اعترافاً احادي الجانب سواء من الولايات المتحدة الامريكية او مبادرات عربية او اوروبية تُشير الى تشكيل دولة هذا يعني ان نجاح القضاء على المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وانهاء كليا حركة حماس في الضفة الغربية وقطاع غزة وانهاء آخر معقل للاخوان في القطاع سيبدأ الانتقال بعدها الى اضعاف السلطة الفلسطينية وتحويلها الى لجان ادارية والعودة الى روابط المدن.
ان العقلية الصهيونية لا تؤمن بالوجود الفلسطيني فابرز مشكلة لديهم الآن فقط البُعد الديمغرافي الفلسطيني فهم يسعون الى استكمال بُعد التطهير في قطاع غزة اضافة الى استكمال بُعد التهجير في الضفة الغربية من خلال ادوات ضم الاراضي الفلسطينية وتسريع الاستيطان والتضييق الامني على المواطنيين من خلال اعادة الحواجز الامنية بين منطقة ومنطقة في الضفة الغربية وايضا قطاع غزة سيتم تقسيم القطاع المتبقي ما بعد الطريق الاسفلتي الى مناطق مُجزأة رغم صغر القطاع واحاطة العوائل المتبقية بحواجز واليات الجيش اضافة الى التضييق الاقتصادي من خلال رفض دخول العمال الفلسطيينين العمل في الداخل المحتل اضافة الى انهاء عمل الاونروا بشكل جذري لانهاء رمزية قضية اللاجئين وتصفيتها.
بالنسبة لاسرائيل مهما كانت تزايد العمليات المقاومة كلها سيتم استثمارها في ترسيخ البُعد الاحتلالي فعملية طوفان الاقصى رغم انها اعادت القضية الفلسطينية اعلامياً وقانونياً الى الواجهة لكن واقعياً وميدانياً وعملياتياً اعادها الى الوراء تحت حُجج اعادة الامن لاسرائيل والدفاع عن النفس وتم استغلال العملية باعادة احتلال القطاع وقتل المدنيين ومن يشير ان اسرائيل لم تحقق اهدافها فهي حققت ما تُريد واهم نقطة وهي تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الشعب وحل المشكلة المؤرق الاكبر لديهم وهي الديمغرافية الفلسطينية من خلال السيطرة على الجغرافيا واعادة تضاريس قطاع غزة والضفة الغربية ضمن نظرية الصبر الاستراتيجي.
فيما عملية رفح اجلاً ام عاجلاً سيتم دخولها وبلعكس نتنياهو ذكي فهو يؤجلها بشكل مُتعمد ليُطيل الحرب لمصالحه الشخصية وتوافقه المباشر مع بن غفير وسموتريتش يعلم تماماً ما بعد رفح لا شيء وهذا يعني انتهاء الحرب التي لا يريدها الان، لكن حتى الدخول البري سيتعامل نتنياهو بالضربات المركزة وليس اجتياح وانما يريد ان تكون عملية رفح بالنموذج الذي رسمه وبعد الوقت المناسب الذي سيراه مُناسباً سيجتاح رفح حتى لو حصلت اتفاقية تتعلق بالاسرى وفق هدنة يسعى للوصول اليها ويضغط بها على الوسطاء، فخطته حتى الاجتياح البري الضغط على المصري والقطري تسريع التفاوض مع حماس حول الاسرى بشروطه العريضة وليس شروط حماس وان ابدت مرونة، الضغط على الولايات المتحدة الامريكية على تسريع جلب الذخائر العسكرية وهنا يضرب عصفورين بحجر ارسال رسالة للداخل الاسرائيلي انه مع الضغط على الوسطاء لاعادة الرهائن وايضا تسارع الذخائر للقضاء على حماس.
نتنياهو ليس مُرتبكاً برؤيته في رفح بل يؤجل بشكل متعمد رغم ان الظاهر للعيان ان الداخل الاسرائيلي مُنقسم لكن انقساماً ليس لصالح الفلسطينيين حيث ان العشرة الايام القادمة قُبيل شهر رمضان ستكون مفصلية حول الهدنة المؤقتة اضافة الدخول الى رفح اضافة ما يحدث في المنطقة الشمالية جنوب لبنان.
لكن هل ادراك الامور من قبل السلطة الفلسطينية حول ذلك هل ستتحرك ام البقاء منتظرة تخوفاً من تحول الضفة الغربية مُدمرة وتحولها لارض محروقة كما غزة وهذا سبب مُقنع لعدم التحرك سريعاً امام الضوء الاخضر الامريكي الراعي الرسمي لاكبر قاعدة متقدمة في المنطقة وادراكها ان القضية الفلسطينية فعلياً وحيدة رغم المُقاربات القانونية التي تم تقديمها من خمسين دولة لجلسات استماع لمحكمة العدل الدولية التي ستقدم راياً استشارياً غير ملزماً حول شرعية الاحتلال على الارض لكن الى حين التنفيذ ان حدث يبقى صمود المواطن على ارضه اساسياً مهما كانت التحديات لعل المُعادلات الاقليمية والدولية تتغير تعمل على ترسيخ حق تقرير مصير الشعب الفلسطيني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق