في مفاجأة غير متوقعة، امتنعت الولايات المتحدة الأميركية عن استخدام «الفيتو» على قرار مجلس الأمن لوقف إطلاق النار في غزة، وهو ما كانت تعتمده بانتظام. حيث استخدمت الولايات المتحدة الفيتو في الجلسات السابقة لمجلس الأمن خلال العدوان على غزة لمنع صدور قرار يدين العدوان أو الإبادة الجماعية، مستخدمة حق النقض لثلاث مرات سابقة دون صدور أيّ قرار في هذا الصدد، وذلك بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على حملة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، والتي راح ضحيتها الآلاف من المدنيين.
فمنذ بداية العدوان لم تتخذ أميركا أيّ خطوة سياسية أو قرار إلا بعد أن تتشاور مع فتاتها المدللة الكيان الصهيوني، وذلك كي تتمكن من اختيار الأصلح لها، وما يخدم مصالحها، لذلك من المؤكد أنه قد اتفق على هذا القرار مسبقاً، وتمّ ترتيب الأوراق ليستفيد منه الطرفان، فهما وجهان لعملة واحدة.
عدم استخدام أميركا للفيتو له أسبابه… حيث قرّرت ان تدسّ السمّ في العسل في هذا القرار، فهو يطالب فقط بوقف إطلاق النار دون فرضه بشكل مباشر، وحتى وقفه في شهر رمضان لم يحدّد آليات تنفيذه، فصيغة القرار لا تلزم هذا الكيان بوقف إطلاق النار وفي الوقت ذاته تطالب المقاومة بإطلاق سراح الأسرى دون شروط، وهو ما يجعل الكرة في أرض المقاومة لتتخذ القرار، وهذه الإماطة الدبلوماسية تتيح لكيان الاحتلال الصهيوني الوقت كي يمارس المزيد من جرائم الإبادة الجماعية.
ومن الأسباب أيضاً أن الادارة الأميركية تواجه ضغوطاً شديدة من الرأي العام الأميركي والدولي، حيث بدأ بايدن يواجه انتقادات كثيرة وكبيرة. ولا ننسى أن أمامه انتخابات في الأيام المقبلة خصوصاً بعد تغيير موقف ترامب المتعمّد المزيف بأن على الكيان الصهيوني وقف الجرب على غزة، واستناداً إلى هذه التطورات، أدركت الإدارة الأميركية أنّ الحرب في غزة ستكون لها تأثير كبير في تحديد مستقبلها السياسي، مما سيكون له تأثير عن استمراريتها في استخدام الفيتو.
تاريخ الكيان الصهيوني يشهد انه يتجاهل تجاهلاً واضحاً كلّ القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والأمم المتحدة وهو ما يعني أنه لا يلتزم بأيّ مبادئ أو معايير إنسانية وعالمية معترف بها، بل دوماً يقوم بخرقها.
تقديم القرار بدون فرض أيّ عقوبات في حالة عدم الامتثال من جانب الكيان الصهيوني، رغم وحشيته وعدم آدميته، يظهر عدم كفاية الإجراءات المتخذة. بالنظر إلى هذا السياق. القرار لا يلبّي المطالب المشروعة للمقاومة الفلسطينية بوقف إطلاق نار دائم وعودة كاملة للنازحين وتأمين دخول كلّ المساعدات الإنسانية، وهذا رغم البند الذي يطالب بإطلاق سراح جميع الرهائن في القطاع دون قيد أو شرط.
لا ضمانة لهذا العدو الغادر فهو يتملص من كلّ التزاماته الدولية تجاه الفلسطينيين وحلمه أن يخلي غزة منهم، وإنْ كان هذا القرار لا يتضمّن أياً من الشروط التي وضعتها المقاومة، والتي يعلمها العديد من الأطراف التي تدخلت كمفاوض.
كلّ هذه المعطيات تشير إلى أنّ هذا القرار مجرد تجميل للصورة العامة لأميركا والكيان المزعوم، وإنْ كان الغرض منه سياسي تكتيكي بحت، أي أن نهج وسياسة أميركا المعتادة في مشاهدها أن تضع مصالحها ومصالح مدللتها فوق الجميع، وخير دليل أنها بدأت بناء الميناء من ردم المنازل المهدمة المخضبة بدماء الشعب الفلسطيني والمعجونة بجماجمه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق