حمزة البشتاوي
بشعور مختلف عما كان عليه الحال قبل توقف جريدة السفير عن الصدور في العام 2017، دخلت إلى الطابق الأرضي من مبنى الجريدة التي كانت تقاتل من أجل الحقيقة وتحولت اليوم مقهى نرى فيه أسماء الذين نحبهم كناجي العلي وغسان كنفاني وبهجاتوس (بهجت عثمان) وحلمي التوني وملصقات لأعداد من الجريدة، إضافة لصوت فيروز ورائحة القهوة التي تؤكد بأن المكان قد تحول إلى مقهى، برائحة ذكريات لا تمحى عن الأشخاص والمكان نفسه، خاصة مكتب الأستاذ طلال سلمان الذي تحضر فيه فلسطين بما يثلج الصدر ويدميه، وتختلط لديك حين تراه مشاعر السياسة والأفكار بالتقدير والإحترام، واتذكر كيف كان يسمح لي الاستاذ دخول مكتبه بأي وقت حيث عرفني في إحدى المرات على السفير نواف سلام قائلا بأنه احد مناصري القضية الفلسطينية ( سابقا)و مرة دخلت للسلام عليه و كان عنده الرئيس الجزائري أحمد بن بلا و دخل مبتسما الوزير ميشال اده فعرف الاستاذ الرئيس بن بلا عليه قائلا انه الماروني الأحمر و اتذكر الأصدقاء، خاصة نجوى مديرة مكتب الأستاذ وصقر أبو فخر وحلمي موسى واسكندر حبش وحسين أيوب وأحمد بزون و يوسف الحاج و زينة برجاوي، وقبلهم بول شاوول وعباس بيضون وغيرهم من أسرة الجريدة التي كلما ذكر أسمها يختلط السياسي بالفكري والعاطفي وما تركته فينا من أثر ووعي في مسيرة الكفاح الطويل دفاعاً عن فلسطين، فهي كانت رفيقة كل الأوقات وصباحات الناس وقهوتهم في البيوت وأماكن العمل والمقاهي في المدن والأرياف والمخيمات، وبدمعة ودهشة نتذكر داخل المقهى الماضي الذي كان أكثر اغواء و كارزماتية من هذا الزمان.
ويحاول ملتقى السفير أن يستحضر شيئاً يشبه أجواء المقاهي الثقافية والإجتماعية التي كانت سائدة في شارع الحمرا بأنماط جديدة من اللقاءات، مع حرمان الرواد من ميزات مقاهي أرصفة شارع الحمرا، حيث يمكن للرواد أن يمارسوا الفرجة على المارين، ولكنه يحاول بتواضع شديد أن يقيم أجواء ودية مريحة ذات محتويات فكرية وثقافية، وهذا مرتبط بفكرة إنشاء ملتقى السفير كما يقول أحمد طلال سلمان بأن فكرة الملتقى هي إيجاد قاعة مفتوحة بشكل دائم لإقامة الأنشطة والفعاليات الثقافية والسياسية، والبداية كانت مع مؤتمر بمناسبة الذكرى الخمسين لأغتيال الأديب غسان كنفاني، تلاه معرض لأعماله الفنية ثم نشاط بذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا، و مهرجان بيروت للصورة وغيرها من الأنشطة والفعاليات التي أقيمت في مواجهة حرب الإبادة على غزة من أمسيات و عروض افلام و معارض فنية و ورش عمل صحافية و إطلاق كتاب سردية الجرح لغسان ابو ستة و ميشال نوفل ، و هذا يؤكد بأن الفكرة لم تكن إقامة مقهى ينافس المقاهي التجارية في المدينة، ولكن مع الوقت تحول الملتقى إلى مكان يجمع من كان سابقاً حاضراً في الجريدة ككاتب أو مكتوب عنه واصحاب القصة والصورة الذين لهم الكثير من الذكريات والحكايات التي عاصرتها الجريدة بما واكبته من وقائع و أحداث وما طلقته من ضربات موجعة نرى بعض من آثارها في قاعة الملتقى ومعالمه شبه المهجورة التي أصبحت مكان متاح بفسح المجال لأنماط جديدة من الأحاديث والمناقشات السياسية والفكرية والثقافية والفنية، ليكون الملتقى أو المقهى ، أقرب إلى المنتدى أو المكتبة العامة، في ظل غياب المؤسسات والمقاهي ذات الطابع الثقافي التي كان لها دورها وتأثيرها في المجتمع والسياسة والفكر والرأى العام، و الناس الذين لن ينسوا الجريدة التي كانت صوتهم ورفيقة عمرهم وأوجاعهم وابتساماتهم التي ما زالت تشبه (أقوال نسمة) في الجريدة والبال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق