أسامة خليفة
باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»
بعد أسبوعين من عملية طوفان الأقصى وفي يوم السبت 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 تبنت المقاومة الاسلامية العراقية هجمات بصواريخ وطائرات مسيرة على مواقع عسكرية أميركية في سوريا والعراق، رداً على العدوان الإسرائيلي المدعوم من قبل الولايات المتحدة على قطاع غزة باعتبارها جزءاً من «محور المقاومة»، وباعتبار الثكنات والقواعد العسكرية الأميركية في العراق وسوريا، أهدافاً معادية، ودعت الحكومة العراقية إلى المطالبة رسمياً بمغادرة القوات الأميركية أراضي العراق، حيث ينتشر حوالي 2500 جندي أميركي في العراق، و900 آخرين في سوريا، في إطار ما تقول الولايات المتحدة إنها مهمة لتقديم المشورة والدعم للقوات المحلية في محاربة الإرهاب الداعشي، بينما يعتقد الوطنيون من الشعبين أنها قواعد استعمارية تأتي مهمتها في إطار نهب خيرات البلدين .
تباينت مواقف القوى العراقية المختلفة بشأن العدوان على غزة، واستمرار التصعيد العسكري الإسرائيلي، من الدعوة لتنظيم فعاليات شعبية تضامنية مع غزة، إلى الإسناد بالدعم والعمليات العسكرية، تبدى الدعم السياسي الجماهيري للقضية الفلسطينية في تحشيد الشارع العراقي، وتنظيم الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل والولايات المتحدة، وبعض الدول الغربية في بغداد، وفي المحافظات العراقية الأخرى، دعت لها منظمات ممثلة في البرلمان العراقي، مشاركة في السلطة، وأرادت إبداء مواقف علنية لدعم فصائل المقاومة الفلسطينية، لكنها توقفت عند حرص الحكومة العراقية على دعم خيارات التسوية السياسية للأزمة الفلسطينية، مدفوعة -حسب اعتقادها- بدافع المصالح الاقتصادية والسياسية التي تربط العراق بالولايات المتحدة، واهتمت بدفع دور المؤسسات الدولية لوقف الصراع، وبذل الجهود الدبلوماسية للتوصل لحل سياسي ووقف العدوان، وإيصال المساعدات الإنسانية الكافية إلى قطاع غزة، وصولاً إلى تسوية سياسية شاملة.
يرجع البعض الاختلاف في الموقف بين المكونات السياسية العراقية حول الحرب على قطاع غزة، للارتباطات الأيديولوجية بين بعض الفصائل العراقية وإيران ذات المواقف المتشددة ضد إسرائيل، ومناهضة سياسة الولايات المتحدة في المنطقة، وقد يرجع الاختلاف في المواقف للقوى العراقية إلى الإجابة على السؤال: هل الولايات المتحدة داعم لإسرائيل؟. أم شريك لها في العدوان على غزة وارتكاب المجازر؟. لقد تجاوزت واشنطن موقع الدعم والتأييد للعدوان الإسرائيلي وشرّعنة جرائم إسرائيل، إلى موقع المشاركة المباشرة في العدوان من خلال توريد العتاد والسلاح والذخائر، وتمويل الحرب، وتعويض الخسائر، وتقديم المال والمعلومات، والحملات الإعلامية الكاذبة بحق المقاومة الفلسطينية ووصفها بالإرهاب، واستخدام حق النقض الفيتو في مجلس الأمن لتعطيل إصدار قرار وقف إطلاق النار...
قال أمين عام كتائب حزب الله، أبو حسين الحميداوي، إن الواجب الشرعي يحتم وجودنا في الميدان، لدفع شرور الأعداء، وأشار زعيم تحالف الفتح هادي العامري في كلمة له نهاية تشرين أول أكتوبر 2023 إلى أن «انخراط الفصائل العراقية في أزمة غزة واستهداف المصالح الأمريكية يجب أن يكون مرهوناً بدخول واشنطن بشكل مباشر على خط الصراع الإسرائيلي الفلسطيني». ومن جهته، أشار رئيس اتحاد علماء المسلمين جبار المعموري، إلى أن «ثمة ثلاثة أسباب يمكن أن تكون عوامل ضاغطة على دخول ما أطلق عليه المقاومة العراقية في مواجهة مع تل أبيب، وهي: اتساع المواجهة ووصولها إلى حزب الله في لبنان، أو استهداف المقاومة في سوريا، أو إرسال واشنطن طائرات ومقاتلين لإسناد إسرائيل».
مرّت المساندة العسكرية لفصائل عراقية دعماً لغزة في ثلاث محطات بارزة، المحطة الأولى: استهداف القواعد والثكنات الأمريكية في سوريا والعراق باعتبار أن الولايات المتحدة شريكاً مع إسرائيل في العدوان على غزة، وأشارت مصادر إلى تعرض قوات أمريكية في العراق وسوريا للهجوم حوالي 150 مرة منذ 17 تشرين أول/أكتوبر2023، في هذا اليوم شنّت المقاومة الإسلامية في العراق هجومين بطائرات مسيرة على قاعدة عين الأسد الجوية غربي العراق، وقاعدة حرير الجوية التي تضم قوات أميركية قرب مطار أربيل في إقليم كردستان العراق، وفي 19 أكتوبر/تشرين الأول 2023 شنّت هجوماً بطائرات مسيّرة على قاعدة "التنف" في سوريا، بالإضافة لهجوم صاروخي على القاعدة الأميركية في حقل الغاز الطبيعي التابع لشركة "كونوكو". واستمرت بشنّ هجمات مشابهة على القواعد ذاتها، ثم في المرحلة التالية اتخذ مسار تطور المساندة العراقية لغزة اتجاهين:
في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أعلنت بداية مرحلة جديدة لنصرة فلسطين، بتوسيع دائرة الاستهداف بقصف أهداف إسرائيلية، في مدينة إيلات أقصى جنوب فلسطين المحتلة على البحر الأحمر، وفي 28 ديسمبر/كانون الأول، أعلنت عن تنفيذها عمليتين منفصلتين، أحدها قصف هدف إسرائيلي في الجولان السوري المحتل، وآخر داخل الأراضي العراقية، وكان أهمها من حيث النتائج والتداعيات، يوم 28 يناير/كانون الثاني 2024 حين تبنّت فصائل محور المقاومة هجوماً بطائرة مسيرة استهدف قاعدة البرج 22 ذات الموقع الاستراتيجي المهم، شمال شرقي الأردن قرب الحدود السورية العراقية، والقريبة من القاعدة العسكرية الأمريكية في التنف، وأدى الهجوم إلى مقتل 3 جنود أميركيين وإصابة 35 آخرين، وكانت هذه أول مرة يقتل فيها عسكريون أمريكيون بهجمات منذ بدء الحرب على غزة، ما يؤكد فشل استراتيجية واشنطن لاحتواء الصراع ضمن نطاق قطاع غزة. وتواصل فصائل «المقاومة» عملياتها على وقع مطالبات في العراق لانسحاب قوات التحالف «الدولي».
بدا أن الأمر يخرج عن نطاق السيطرة، ويهدد بالتصعيد واتساع الحرب على مستوى الإقليم حين دعا بعض السياسيين الأمريكيين بايدن إلى ضرب إيران هذه المرة، لكن إيران نفت ضلوعها في الهجوم، واتهم الرئيس جو بايدن جماعات مدعومة من إيران بتنفيذه.
وفي المحطة الثالثة يوم 30 كانون الثاني/ يناير، أعلنت كتائب حزب الله العراقي – المقاومة الإسلامية في العراق- في بيان رسمي، تعليق العمليات العسكرية والأمنية ضد القوات الأميركية بهدف منع أي إحراج للحكومة العراقية، لكن مساء الجمعة 9/2/2024 عاودت المقاومة الإسلامية في العراق، إعلان استهداف موقع إسرائيلي على سواحل البحر الميت، رداً على الحرب الإسرائيلية على غزة، وأكدت «استمرارها في دك معاقل الأعداء، استمراراً لنهج مقاومة الاحتلال، ونصرة لأهلنا في غزة، ورداً على المجازر التي يرتكبها الكيان الغاصب بحق المدنيين الفلسطينيين من أطفال ونساء وشيوخ».
ويوم الجمعة الموافق 1 /3 /2024، أعلنت «المقاومة الإسلامية في العراق» عن هجوم استهدف ميناء حيفا المحتل بالطيران المسيّر، وأن «مجاهدي المقاومة الإسلامية فـي العـراق هاجموا محطة المواد الكيميائية في ميناء حيفا في أراضينا المحتلة».
في إطار الرد الأمريكي لاستهداف قواعدها، قصفت طائرات مسيرة وحربية مقار تابعة للحشد الشعبي أدى إلى وقوع شهداء وجرحى، وكانت حركة عصائب أهل الحق قد أعلنت استشهاد آمر اللواء 12 في الحشد عن حركة النجباء الشيخ طالب السعيدي في استهداف أحد مقار الحشد في بغداد في غارة جوية يوم الخميس 4/1/2023، رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني اعتبر الهجوم تصعيداً خطيراً واعتداء على العراق، محملاً التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة مسؤولية استهداف جهة أمنية عراقية بشكل غير المبرر.
كما أكد المتحدث الرسمي باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية اللواء يحيى رسول أن القصف الذي طال أحد مقار الحشد الشعبي اعتداء سافر وتعدٍ صارخ على سيادة العراق وأمنه، وحمّل قوات التحالف الدولي المسؤولية عنه.
في سياق تفاعل القوى السياسية العراقية مع الحرب على غزة، دعت قوى عراقية إلى ضرورة التأني في اتخاذ المواقف، ومراقبة تطورات الأحداث وتداعياتها، ودعت حكومة السوداني إلى تكثيف الجهود الدبلوماسية للتعامل مع الأزمة، بينما «الإطار التنسيقي» المكون من «ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وتحالف الفتح بزعامة هادي العامري، وحركة عطاء، وحركة حقوق، وحزب الفضيلة، وتحالف قوى الدولة بزعامة عمار الحكيم وحيدر العبادي» دعا لتحشيد الشارع من خلال التظاهر، كما دعا رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وزعيم ائتلاف “دولة القانون” في خطاب له إلى نجدة المقاومة في غزة، مشيراً إلى أن الموعد في القدس رباني يخص جميع الشرفاء في العالم العربي.
من جهته التيار الصدري الذي انسحب من البرلمان العام الماضي يدعو إلى غلق السفارة، بيد أن هذا الطلب لم يلق تأييداً بين النواب المحسوبين على الإطار التنسيقي في البرلمان، زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، دعا في 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، الحكومة والبرلمان العراقيين إلى التحرك لإغلاق السفارة الأمريكية في بغداد، نصرة لغزة، ورداً على الدعم الأمريكي لإسرائيل، كما طالب في وقت سابق بدعم شعبي عربي واسع للقضية الفلسطينية عبر الاحتشاد بالقرب من الحدود العراقية-الأردنية، كما حذر من تمرير سيناريو التهجير وانعكاساته على الأمن القومي العراقي، إذ أشار إلى أن محاولة تهجير سكان الضفة الغربية إلى الأردن قد يمتد إلى محافظة الأنبار العراقية باعتبارها المحافظة الأقرب للأردن.
من جهة أخرى، فصائل المقاومة الإسلامية العراقية التي تنادي بالدعم والاسناد العسكري وباستهداف القواعد والثكنات العسكرية الأمريكية في سورية والعراق، بالطائرات المسيرة، والقذائف الصاروخية تدعو إلى رحيلها عن أرض العراق وسوريا. حيث أعلن كل من حركة “النجباء”، و”عصائب أهل الحق”، و”كتائب حزب الله العراق”، وحركة “المقاومة الإسلامية” (كتائب سيد الشهداء)، فضلاً عن قوى وأحزاب وتيارات أخرى، عن دعمها لحركة المقاومة الفلسطينية في الصراع مع إسرائيل، داعية المجتمع الدولي إلى التدخل الفوري لوقف التصعيد الإسرائيلي في غزة، وحماية المدنيين الفلسطينيين.
هل العمليات ضد القواعد الأمريكية في العراق رداً على المجازر بحق أطفال ونساء وشيوخ قطاع غزة؟. أم لإنهاء مهمة التحالف الدولي في العراق الذي تقوده الولايات المتحدة؟. أم للاثنين معاً؟. كلا الأمرين يرتبطان ببعضهما وأمريكا التي تعادي الشعب الفلسطيني وتدعم إسرائيل في حرب الإبادة لن تكون صديقة لأي شعب عربي، ومصالحها الاستعمارية في كل الإقليم المتناغمة مع مصالح إسرائيل تناقض المصحة العليا لشعوب المنطقة كلها، مما يتطلب الاستمرار فيما تم الاتفاق عليه من تشكيل لجنة لترتيب إنهاء وجود قوات التحالف الدولي في البلاد، وإقرار قانون استراتيجي يقضي بإخراج القوات الأجنبية من الأراضي العراقية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق