محمود درويش .. بحة الناي وذاكرة القصب


حمزة البشتاوي

 غزة التي لا تحيي ذكراه هذا العام بسبب أهوال الحرب فإنها تتذكر ما قاله درويش عنها وعن أسلوبها في الحياة والحرب الذي لا هو سحر ولا هو أعجوبة.
في الذكرى الــ 16 لرحيل الشاعر محمود درويش الذي لم يعرف يوماً الغياب، باعتباره أحد أهم عمالقة الشعر العربي في العصر الحديث، والعاشق المتيم بأم البدايات والنهايات، فلسطين.
ما زال درويش حاضراً بشعره بيننا رغم وفاته في 9 آب/أغسطس عام 2008، بعد عملية جراحية في القلب في إحدى المستشفيات أميركا، وما زالت قصائده ملهمه وحاضرة، في يوميات وذاكرة الناس والمثقفين الذين يحفظون ويرددون ويكتبون على الجدران عبارات ومقاطع من قصائده مثل: و"أنت تعد فطورك فكر بغيرك، لا تنس قوت الحمام، وأنت تعد حروبك فكر بغيرك لا تنس من يطلبون السلام"، ويدعو لأندلس إن حوصرت حلب، و"سلام لأرض خلقت للسلام وما رأت يوماً سلاماً"، و"تنسى كأنك لم تكن"، و"نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلا" وغيرها.
وعن غزة التي لا تحيي ذكراه هذا العام بسبب أهوال الحرب فإنها تتذكر ما قاله درويش عنها وعن أسلوبها في الحياة والحرب، الذي لا هو سحر ولا هو أعجوبة. إنه سلاح غزة في الدفاع عن بقائها وفي استنزاف العدو. وقال: "غزة يكرهها العدو حتى القتل ويخافها حتى الجريمة، ويسعى إلى إغراقها في البحر أو في الصحراء أو في الدم، من هنا يحبها أقاربها وأصدقاؤها على استحياء يصل إلى حد الغيرة والخوف أحياناً، لأن غزة هي الدرس الوحشي والنموذج المشرق للأعداء والأصدقاء على حد سواء".
واليوم في ظل الحرب الأطول والأعنف والاشرس على غزة، لم يستطع الغزاة رمي غزة في البحر أو طردها إلى الصحراء، و هي لم تفقد بوصلتها، وتقاوم من جهة الشمال والجنوب، وتعلن بأنها ليست وحيدة كلما ارتفع صوت وفعل جبهات الإسناد.
وفي حالة الحرب والحصار والإبادة في قطاع غزة، تعود قصائد محمود درويش كأنها على موعد دائم مع بحة الناي وذاكرة القصب، لتلقي الضوء على عدالة القضية الفلسطينية، في بعدها الإنساني والوطني بكلمات مليئة بالموسيقى الساحرة والدهشة، والحكايات المرتبطة بالماضي والحاضر والمستقبل.
وكان محمود درويش قد ولد في 13 آذار/مارس عام 1941، في قرية البروة قضاء عكا. وهجّر قسراً مع أسرته إلى لبنان بسبب النكبة عام 1948، ثم عاد بعد أشهر مع أسرته إلى عكا وسكنوا في قرية جديدة المكر، واعتقل من قبل سلطات الاحتلال عام 1961، بسبب تصريحاته ونشاطه السياسي، وحكم عليه أكثر من مرة بالإقامة الجبرية، إلى أن خرج من فلسطين في العام 1972 إلى موسكو،  لينتقل بعدها إلى القاهرة ثم إلى بيروت التي غادرها بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وكتب ملحمته الشعرية "مديح الظل العالي".
وفي العام 1988 عُين عضواً في اللجنة التنفيذية لــ "منظمة التحرير الفلسطينية"، بقرار من الرئيس الراحل ياسر عرفات، واستقال منها عام 1993 احتجاجاً على اتفاق أوسلو.
وصدر لمحمود درويش 40 كتاباً في الشعر والنثر، وأول ديوان له كان بعنوان: "عصافير بلا أجنحة" صدر في العام 1960، وآخر ديوان له في حياته كان "أثر الفراشة" صدر عام 2008 والذي قال فيه: "أثر الفراشة لا يرى/أثر الفراشة لا يزول/هو جاذبية المعنى غامض يستدرج المعنى ويرحل/حين يتضح السبيل".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق