توقيف معلمين فلسطينيين في الأونروا: استهداف للهوية الوطنية وتداعيات على التعليم واللاجئين


 في ندوة نظّمها العمل الجماهيري في حركة حماس حول أداء وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في لبنان بدورتها الحادية عشر،، قدم الكاتب والصحفي الفلسطيني أحمد الحاج ورقة بحثية بعنوان "توقيف المعلمين الفلسطينيين.. الأسباب والتداعيات"، سلط فيها الضوء على قضية توقيف خمسة معلمين ومديرين فلسطينيين في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في لبنان.
التعليم في فلسطين: تاريخ من النضال
استهل الحاج ورقته بالإشارة إلى أن التعليم في فلسطين لم ينفصل يوماً عن القضايا الوطنية والاجتماعية، وأن رواد التعليم الحديث في فلسطين هم آباء فكرة التصاق الوطنية بالتعليم، وهو ما نلمسه في كتابات الرواد الأوائل من أمثال خليل السكاكيني وخليل طوطح وأحمد سامح الخالدي وغيرهم.
قرار التوقيف: ملاحظات أساسية
في الخامس عشر من شهر تشرين الأول 2024، أصدرت الأونروا قرارها بتجميد عمل خمسة من المعلمين، من بينهم مديران، بذريعة "خرق مبدأ الحيادية". وقد تضمنت الورقة عدة ملاحظات أساسية على قرار التوقيف، من حيث الشكل والتوقيت:
التوقيت: اتُخذ القرار خلال العدوان على لبنان، مما عرّض أمن هؤلاء المعلمين وعائلاتهم ومحيطهم لخطر كبير، وكشف الغطاء عنهم، خصوصاً أن القرار جاء بعد خمسة أيام فقط من اغتيال رئيس اتحاد المعلمين فتح شريف في مخيم البص، والذي كانت الأونروا اتخذت قراراً بفصله من عمله بسبب "خرق الحيادية"، كما زعمت حينها.
مفهوم الحيادية: إن مفهوم الحيادية غير واضح، فلا أحد من الأونروا شرح للموظفين ما هو هذا المفهوم، الأمر الذي يجعله عرضة للتأويلات.
غياب الاتهامات: لا اتهامات واضحة وثابتة، ولم يتم إبلاغ الموقوفين بأسباب التوقيف مما يمكّن من استخدام مبدأ الحيادية لتصفية الحسابات.
غياب التحقيق: يُسجل أن توقيف الموظفين جرى قبل إجراء أي تحقيق، فعادة عندما يكون هناك اتهام أو استفسار ما تبعث الأونروا برسالة إلى المعنيين بالمزاعم أو الاتهامات، ثم تقوم بتحقيق، ثم يتبع ذلك قرار وإجراءات. أما في هذه الحالة فاتخذ القرار قبل أي تحقيق.
تعارض مع حقوق الإنسان: يتعارض ما قامت به الأونروا مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وخاصة المادة 23 التي تنص على أنه "لكلِّ شخص حقُّ العمل، وفي حرِّية اختيار عمله، وفي شروط عمل عادلة ومُرضية، وفي الحماية من البطالة".
ما هو مبدأ الحيادية؟
أشار الحاج إلى أن توقيف هؤلاء المعلمين ليس نهاية المطاف، وأن إجراءات الأونروا بحقهم ستفتح الباب لملاحقة الوطنيين داخل الوكالة، ومحاربة الهوية الفلسطينية. ودعا إلى النظر ملياً إلى قانون الحيادية، أو اتفاقية الإطار، التي وقعتها الولايات المتحدة مع الأونروا في شهر تموز من عام 2021، لتعيد تمويلها بعد أن جمدت جزءا كبيرا منه في كانون الثاني 2018.
أبرز ما نص عليه قانون الحيادية أو اتفاقية الإطار:
عزم الولايات المتحدة والأونروا الاستمرار في دمج مواد الإغناء الخاصة بحقوق الإنسان وحل النزاعات والتسامح في الفصول الدراسية التابعة للأونروا.
تتشارك الولايات المتحدة والأونروا في مخاوفهما بشأن التهديد بالإرهاب، بما في ذلك في سياق التزام الأمم المتحدة الراسخ بمكافحة الإرهاب، "لن تقدم الولايات المتحدة أي مساهمات إلى "الأونروا" إلا بشرط أن تتخذ "الأونروا" جميع التدابير الممكنة لضمان عدم استخدام أي جزء من مساهمة الولايات المتحدة؛ لتقديم المساعدة إلى أي لاجئ يتلقى تدريباً عسكرياً كعضو فيما يسمى بجيش التحرير الفلسطيني أو أي منظمة أخرى من نوع الفدائيين أو قد شارك في أي عمل إرهابي".
وانسجاماً مع جميع وكالات الأمم المتحدة، لا يمكن للأونروا وموظفيها الانحياز إلى أي طرف في الأعمال العدائية، أو الانخراط في خلافات ذات طبيعة سياسية أو عرقية أو دينية أو أيديولوجية.
وتستخدم الوكالة إطاراً للحياد للإبلاغ بوضوح عن المعايير والممارسات والإجراءات ذات الصلة المطلوبة لضمان اتباع نهج متسق ومتماسك على نطاق الوكالة تجاه الحياد.
وتم الاتفاق على التزام الأونروا بالإبلاغ عن أي انتهاكات جسيمة للحياد مع الولايات المتحدة في الوقت المناسب ومعالجة أي انتهاكات من هذا القبيل بما يتماشى مع متطلبات إطار الحياد الخاص بها.
وتحسين قدرة الوكالة على مراجعة الكتب المدرسية المحلية والمواد التعليمية لضمان الجودة التي تستخدمها لتحديد واتخاذ التدابير لمعالجة أي محتوى يتعارض مع مبادئ الأمم المتحدة في المواد التعليمية.
يقدم مكتب الأخلاقيات التوجيه والمشورة السرية بشأن الأخلاقيات لموظفي الأونروا ضمن اختصاص وظيفة الأخلاقيات.
تنفيذ التسجيل البيومتري للاجئين الفلسطينيين في الأردن ولبنان وسوريا بحلول نهاية عام 2022.
تقديم لوائح بموظفي الأونروا إلى الحكومات المضيفة، بما في ذلك السلطات الفلسطينية والإسرائيلية، على أساس سنوي وإلى الدول الأعضاء الأخرى في الأمم المتحدة بناءً على طلب خطي.
الأمر بات واضحاً
أكد الحاج أن الأمر بات واضحاً، ويبدأ بالمعلمين، لأنهم الفئة الأكثر أهمية، والتي تعمل تاريخياً على صناعة الوعي، ثم يصل الأمر بعد ذلك إلى استهداف حتى عائلات المنتمين إلى فصائل فلسطينية، حيث إن الإعاشة ستُقطع حتى عن عائلات المنتمين لفصائل فلسطينية.
إعادة صياغة دور الأونروا
أشار الحاج إلى أنه يُعاد صياغة دور الأونروا وسياستها، وبدل أن تكون الشاهد السياسي على نكبة الفلسطينيين، يُراد لها أن تبدو أقرب إلى جهاز يلاحق الفلسطينيين على تفاعل ما على صفحات التواصل الاجتماعي لو بإعجاب أو مشاركة أو تعليق أو رأي أو تبني قضية وطنية.
خطورة دور الأونروا
أكد الحاج على أن الأونروا تلعب دوراً مركزيا في حياة الفلسطينيين فهي تقدم خدمات إلى 5.9 مليون لاجئ، ويعمل فيها حوالي 30 ألف موظف. ولديها أيضا 140 مركزاً صحياً، بأكثر من 7 مليون زيارة سنوية لعياداتها، وهي تشرف على 545 ألف طالب فلسطيني، بأكثر من 700 مدرسة. بميزانية 1.6 مليار دولار. وتزداد الخطورة أنه يعيش 1,2 مليون شخص في حالة فقر مطلق، مما يجعل الحاجة أكبر، وبالتالي الاستغلال أكثر وقعاً.
لماذا استهداف المعلمين وما هي التداعيات؟
عدد الحاج عدة أسباب لتسليط الضوء على استهداف المعلمين، وما يترتب عليه من تداعيات:
الدور التاريخي: لدور هذه الفئة التاريخي في صناعة الوعي فلسطينياً، والحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية.
عدد المعلمين: المعلمون في الأونروا يبلغ عددهم حوالي 20 ألفا، وفي لبنان حوالي 2000، وتعطيل عمل ودور هذه النخبة، يعني تحييد الفئة النخبوية الأهم، وهو ما يعرّض المجتمع إلى مخاطر عديدة.
فئة المعلمين: تشرف على أكثر نصف مليون طالب في الأونروا، وحوالي 38 ألف طالب في لبنان، و95 بالمائة من الطلاب اللاجئين ينتسبون لمدارس الأونروا، والكل يعرف ان أهم مشرب لتلقي الثقافة الوطنية هو داخل هذه المدارس.
يُعتبر المعلمون المفصولون من الكفاءات القيادية المتميزة في مجال التعليم. فقد أثبتوا قدرتهم على إحداث تغييرات إيجابية ملموسة في المراكز التي عملوا بها، ونحن شهود على ذلك. ولا ننكر وجود معلمين آخرين يتمتعون بنفس الحماس والوطنية، إلا أنهم أيضاً عرضة للاستهداف. ويتمتع هؤلاء المعلمون المتحمسون لقضيتهم بقدرة عالية على الاعتراض على القضايا والمشاريع التربوية الخاطئة، ولديهم الجرأة على تصحيح أوجه الخلل. وغيابهم عن العمل التربوي سيؤدي بلا شك إلى حدوث فوضى وتراجع في العملية التعليمية".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق