أول رفض عملي لأحد أبرز مشاريع خطة كوشنر الإقتصادية المزعومة جاء من الجانب الإسرائيلي. فتصريحات أكثر من مسؤول إسرائيلي ترفض مشروع ربط الضفة الغربية بقطاع غزة عبر ممر برّي. والواقع أن هذا المشروع هو الركيزة التي تقوم عليها الخطة بأكملها. إذ من دون ربط غزة بالضفة لا يمكن أن يكون هناك سوق محلية موحدة وبالتالي لا اقتصاد فلسطيني موحد. وهذا الرفض الإسرائيلي هو في الواقع تزكية لجوهر الموقف الفلسطيني الذي يقول إنه لا يمكن الحديث عن التنمية الإقتصادية والإزدهار إلا بعد معرفة المعالم السياسية للحل العتيد. ويزيد من مصداقية هذا التأكيد أنه يأتي من الجانب الإسرائيلي الذي يعلن وزراؤه أن هذا المشروع غير ذي صلة. والواقع أن الخطة كلّها غير ذات صلة وليس لها علاقة بعلم الإقتصاد. وهي شاهد على أن البراعة في تجارة العقارات لا تُنبئ بالضرورة بالحصافة في التخطيط الإقتصادي.
سنعود بعد قليل إلى الإطار السياسي للخطة. ولكن دعونا أولاً نتفحّص قيمتها الإقتصادية. الخطة هي سلسلة من الوعود الباهرة البرّاقة ولكن الوهمية التي تفتقر إلى أي سندٍ واقعي،فأهدافها المعلنة تتناقض مع وسائلها. تتحدث الخطة عن نمو الإقتصاد الفلسطيني بنسب تقترب من 10% خلال السنتين الأوليين وتتراوح بين 8 و8.5% خلال السنوات الثماني اللاحقة. ومن الواضح أن هذه النسب غير واقعية على الإطلاق، ولم ينجح في تحقيقها خلال نصف القرن الماضي أي إقتصاد رأسمالي مهما كان جامحاً في نهوضه.
والهدف الثاني للخطة لا يقل عن سابقه بعداً عن الواقعية وهو خلق مليون وثلاثمائة ألف فرصة عمل جديدة في الإقتصاد الفلسطيني. ليس في الخطة ما يشير إلى كيفية تحقيق هذا الهدف، خصوصاً وأن القطاعات الإنتاجية في الإقتصاد، وهي التي عادة توّلد أكثر من غيرها فرص عمل دائمة، لا تحظى من الخطة إلا بإهتمام هامشي. تُخصص الخطة للصناعة 875 مليون دولار على مدى عشر سنوات أي 3% من مجموع رأس المال المنوي تجنيده لدعم الإقتصاد الفلسطيني، أمّا الزراعة فهي لا تحظى إلا بـ 910 مليون دولار أي ما يزيد قليلاً على 3%، وقطاع الإسكان يُرصد له مليار دولار أي بنسبة 4%. وفي المقابل يُخصّص للسياحة 5% من المجموع، ويُخصص لتطوير خدمات الإنترنت 10% من مجموع رأس المال،والأهم من ذلك تُخصص لما يُسمى بالحوكمة والإصلاح الإداري والمؤسسي نسبة 12% من المجموع، أي ما يوازي ثلاثة مليارات وثلاثمئة وثلاثين مليون دولار. وللفلسطينيين خبرة فيما تعنيه البرامج التي تقع تحت عنوان "الحوكمة والإصلاح" التي هي في أغلبها تبذير للمال والجهد والوقت ومكافآت جزيلة للخبراء الأجانب.
القطاع الذي يحظى بالقسم الأكبر من نوايا التمويل هو قطاع المواصلات الذي يُخصص له
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق