فكرة حماية إسرائيل للدروز وهم سياسي

 

 مازن كريّم - قدس برس
قال المناضل الفلسطيني الدرزي، صالح أبو ركن، إن "فكرة حماية إسرائيل للدروز ليست أكثر من وهم سياسي يخدم أجندات لا علاقة لها بالمصلحة الدرزية، بل تحمل في طياتها تهديدًا حقيقيًا لوحدة المكون الدرزي ومستقبله، فالدروز في سوريا لم يطلبوا حماية أحد، ولم يكونوا يومًا بحاجة لوصاية خارجية، بل هم أهل أرضهم وأصحاب قرارهم. ومع ذلك، تحاول إسرائيل فرض نفسها كضامن لأمنهم، في خطوة تحمل في جوهرها خطرًا مزدوجًا".
وأوضح أبو ركن في تصريح خاص لـ"قدس برس"، أنّ "هذه التصريحات تضع الدروز في موقف سياسي حرج، وتعرضهم لاستهداف مباشر من محيطهم الذي يراهم كجزء أصيل من نسيجه، لكنها الآن تُستخدم كذريعة لتشكيكهم في ولائهم لوطنهم، و إن مجرد الحديث عن "حماية إسرائيل للدروز" يجعلهم عرضة لمعادلات الصراع، ويفرض عليهم واقعًا لم يختاروه، وهو ما قد يؤدي إلى عزلهم أو استهدافهم".
واعتبر أنّه "على مدى التاريخ، لم يكن هناك حدود تفصل بين دروز سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، فهم امتداد اجتماعي وثقافي واحد، لكن "إسرائيل" تحاول أن ترسم فواصل مصطنعة بينهم، فتخلق فئتين: دروز داخلها يعتبرونها "حامية"، ودروز خارجها تُصوّرهم كضحايا بحاجة لتدخلها، وهذا ليس إلا شكلًا من أشكال الهيمنة الفكرية التي تهدف إلى تفكيك آخر ما تبقى من الروابط التاريخية بين أبناء الطائفة".
ورأى أن "الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في التصريحات، بل في عملية التطبيع الفكري التي جعلت بعض دروز إسرائيل يتبنّون هذا الطرح، وكأنه حقيقة مطلقة، متناسين أن الدروز تاريخيًا لم يعتمدوا إلا على أنفسهم، ولم تكن حمايتهم يومًا سوى نتاج وحدتهم وصلابتهم، وإن قبول هذه الفكرة يعني التخلي عن حق تقرير المصير، وجعل المكون الدرزي رهينة لمشاريع سياسية لا تخدمه، بل تستغل اسمه لغايات أخرى".
وشدد على أن"الدروز في سوريا ليسوا بحاجة إلى حماية (إسرائيل)، بل بحاجة إلى أن يُتركوا خارج ألاعيب القوى، وأي محاولة لجرّهم إلى هذه الدوامة لن تؤدي إلا إلى تعريضهم للخطر وتقويض استقرارهم، أما دروز إسرائيل، فهم أمام اختبار وعي: إما أن يدركوا أن مصيرهم مرتبط بإخوانهم في المنطقة، وإما أن يبقوا أسرى لمعادلة سياسية زُرعت في عقولهم على مدى عقود، حتى باتوا يرون "التهديد" في إخوتهم، و"الحماية" فيمن جعلهم أصلاً في هذا الموقف".
وتابع قائلاً إنّ "مواجهة المخططات الإسرائيلية لا تكون بالبيانات الغاضبة وحدها، بل بفضح التناقضات التي تكشف غياب الوعي القيادي في دوائر صنع القرار، فمن داخل (إسرائيل)، نخاطب القيادات الإسرائيلية بلسان الواقع الذي يصرخ بحقائق لا يمكن إنكارها: كيف تتجرأون على الحديث عن "حماية دروز سوريا"، بينما دروز الداخل أنفسهم يعانون من تمييز منهجي، ومطالبهم الأساسية في الهوية والحقوق لم تُلبَّ بعد؟!".
وشدد على أن "هذا النفاق السياسي لا يمرّ علينا مرور الكرام، فالمؤسسة الإسرائيلية، التي تدّعي أنها تضمن أمن الدروز في الخارج، هي نفسها التي جعلت الدروز في الداخل بحاجة إلى حماية من سياساتها؛ كيف يمكن تصديق هذا المنطق، ونحن نشهد كيف تتآكل مكانتنا وهويتنا في ظل سياسات تهميشية، جعلتنا غرباء على أرضنا التي دفعنا ثمن بقائنا فيها غاليًا؟".
وأكد أنّ "انعدام الثقة بالقيادات الدرزية الرسمية في (إسرائيل) لم يعد مجرّد شعور، بل أصبح حقيقة سياسية تهدد بروز بدائل أكثر جدية في تمثيل مطالبنا، والتصريحات الإسرائيلية غير المسؤولة لم تترك لنا خيارًا سوى التفكير في خيارات أخرى أكثر جرأة، ومنها التلويح بأننا كأقلية ربما نفضّل أن يمثلنا الشيخ رائد صلاح، الذي – رغم كل ما يقال عنه – يبدو أنه أكثر قدرة على رفع قضايا الأقليات في (إسرائيل) وإيصالها إلى مسامع العالم، مقارنة بمن يفترض أنهم ممثلونا الطبيعيون".
وأكد أنه "ومع اقتراب نهاية شهر رمضان، ويوم الأرض، ويوم الغضب الدرزي، تتجه الأنظار إلى اللحظة التي سيُحاسب فيها المجتمع الدرزي قيادته، وسيرفع الصوت عاليًا بأن الدروز ليسوا ورقة مساومة، لا في سوريا ولا في (إسرائيل)، ولا في أي مكان، وإن إفشال هذه المخططات لا يكون فقط بالرفض، بل بفرض معادلة جديدة: إذا لم تتم تلبية حقوقنا، فنحن نعرف تمامًا كيف ننتزعها، وبأيدينا هذه المرة، لا بأيدي من يتحدثون باسمنا ولا يمثلوننا".
وأوضح أنّ "الدروز، سواء في سوريا أو "إسرائيل" أو لبنان، يرفضون فكرة الحماية الإسرائيلية، لأنهم يرونها محاولة لفرض واقع سياسي يخدم المصالح الإسرائيلية وليس أمنهم الحقيقي، وصريحات القيادات الإسرائيلية بشأن "حماية الدروز" تُعرّضهم للخطر بدلًا من أن تؤمّن لهم الأمان، حيث تجعلهم مستهدفين داخليًا في سوريا، وتخلق انقسامات داخل المجتمع الدرزي ككل".
ورأى أنّ "هذه التصريحات تعكس سوء فهم للواقع الاجتماعي والسياسي للدروز، الذين لطالما تمسكوا بانتمائهم لمجتمعاتهم الأصلية رغم التحديات".
وأضاف أنه "إذا كان هناك مخطط مستقبلي لمنح الجنسية الإسرائيلية لنصف مليون درزي سوري، فذلك يحمل أبعادًا خطيرة".
وأشار إلى أن "إحدى هذه الأبعاد؛ قبول محدود ومتدرج: قد يقبل بعض الدروز ذلك لأسباب اقتصادية، لكن هذا سيخلق شرخًا داخليًا في المجتمع الدرزي ويضعهم في مواجهة مع محيطهم".
ولفت أيضاً إلى"فشل المخطط بسبب الرفض الواسع: كما رفض دروز الجولان الجنسية لعقود، فإن دروز سوريا قد يرفضونها أيضًا، مما يُفشل أي محاولة إسرائيلية لفرض هذا الواقع".
ورأى أنّ هذه التصريحات"قد تكون هذه مجرد مناورة سياسية إسرائيلية لتقسيم الدروز وزرع الشكوك بينهم وبين مجتمعاتهم الأصلية، ففي النهاية، هذا المخطط إن وُجد، سيكون أحد أكبر التحولات في علاقة الدروز بإسرائيل، لكنه في الوقت ذاته يحمل مخاطر كبيرة تهدد وحدة وتماسك المجتمع الدرزي في المنطقة".
وقد أثارت تصريحات نتنياهو حول جنوب سوريا جدلاً واسعاً، حيث اعتبرها محللون خطوة إستراتيجية لإعادة رسم خريطة النفوذ في المنطقة، مستغلّة حالة الفوضى وعدم الاستقرار في سوريا، وبدعم مباشر من واشنطن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق