تصريحات نتنياهو بشأن دروز سوريا تهدف إلى فرض واقع أمني جديد في المنطقة

 

مازن كريّم -قدس برس
تشهد المنطقة الجنوبية من سوريا تصعيدًا متزايدًا يوماً بعد يوم، وسط محاولات قوات الاحتلال التدخّل تحت حجة حماية الأقليات، وخاصة الطائفة "الدرزية"، إذ تأتي هذه التطورات في وقت تحاول فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي تكريس نفوذها في الجبهة الشمالية، مستفيدة من التوترات الداخلية في سوريا.
واتفق محلّلون في تصريحات منفصلة لـ"قدس برس"، اليوم الأربعاء، على أنّ "تصريحات رئيس الوزراء في حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو بشأن جنوب سوريا تعكس نوايا إستراتيجية تهدف إلى فرض واقع أمني جديد، في إطار محاولات الكيان الصهيوني لإعادة رسم الجغرافيا السياسية في المنطقة".
وفي هذا الإطار، أكّد الباحث في الشأن السياسي، ورئيس تحرير الجريدة الأوروبية العربية الدولية، خالد زين الدين، على أن "قوات الاحتلال تستغل هذه المرحلة ما بين سقوط نظام وقيام نظام جديد للتفرقة والعمل على مصطلح الأقليات الذي تم ابتداعه من قبل القوى الإقليمية ليكون ذريعة وحجة للتدخل عسكريا، واستخدامه كورقة ضغط على الحكومات".
وأضاف أنّ "سعي الاحتلال لتفرقة الدروز عن سوريا يراد به أن يكون لهم دولة مستقلة لتخدم مصلحته، وهذا ما عُرض على الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط منذ فترة، غير أنّه رفض وتمسك بوحدة سوريا وبعروبة الدروز".
ويتابع "بالتوازي إذا نجحت قوات الاحتلال بدعم الدروز ونيل موافقتهم على نيلهم إقليما مستقلا ستعمل على دعم الأكراد والعلويين كون مصلحة تل أبيب تقتضي بأن تكون سوريا مقسّمة وغير متماسكة، لأنها تملك ثروات كثيرة ومنافذ بحرية مهمة إضافة إلى النفط واليورانيوم وثروات أخرى تحتاجها الدول الكبرى".
ولفت إلى أنّ "تقسيم سوريا يساعد الاحتلال على تمدّده وتوسّعه وسيطرته الأمنية والسياسية، خصوصًا بعد الحرب على لبنان وإضعاف قدرات( حزب الله)".
وأشار إلى أن "هناك خلافا داخل الطائفة الدرزية؛ فهناك من يحاول شقّ الصف الداخلي، وإيجاد خلاف سياسي داخلي، وأيضًا خلاف بين مشايخ الطائفة نفسها لتحقيق أهداف شخصية، من شأنها تقسيم الدروز".
وأوضح أنّ "الطائفة الدرزية في سوريا تتعرض لمؤامرة كبيرة، وضغوطات دولية من أجل تقسيمها وتفتيتها وتحويلها إلى مجموعات تتصارع وتتناحر من أجل الزعامة أو القيادة".
ولفت إلى أنّ "هناك تخوّفا داخل الطائفة الدرزية من طرف القيادات السياسية والروحية من ما يُخطّط له من مشاريع ومخططات، مع التأكيد على مواجهة هذه المشاريع، وأنهم سيبقون موحّدون، وهم جُزء لا يتجزّأ من القوميّة العربيّة السورية والجغرافيا السورية".
وشدّد على أنّ "التفاهم بين القيادات السياسية والروحية داخل الطائفة الدرزية، ووحدة الصف ووحدة الخيار ووحدة العمل، ووحدة الهدف، وإفشال محاولات التفتيت، من شأنها حماية الطائفة، ومن شأنها التصدي لافشال مخططات ومشاريع الإحتلال الإسرائيلي الرامية إلى تحقيق أهدافه ومصالحه".
كما أشار إلى أنّ "إعطاء الطائفة الدرزية دولة مستقلة في سوريا من شأنه أن يصبح على مقربة من العاصمة دمشق، وبالتالي سيضطر السوري إلى تغيير عاصمته، ويكون بالمحصلة إيجاد مشاكل جغرافية، كما أنها تصبح على حدود لبنان، وبالتالي إغلاق المعابر ومحاصرة لبنان من جميع النواحي، وفق مخطط كبير تديره حكومة الاحتلال الإسرائيلي وداعميها".
بدوره، تسائل الكاتب والمحلل السياسي السوري، حافظ قرقوط، عن "مَن فوّض نتنياهو ليعلن نفسه بأنه حامي للدروز؟!"، مضيفاً أنّ "نتنياهو جاهل بأنّ وجود الطائفة الدرزية أقدم منه ومن دولته بمئات السنين، وهم يعيشون مثلهم مثل بقية الطوائف معهم وبينهم دون أي تدخّل".
وقال قرقوط إنّ "ما صرّح به نتنياهو يعكس رغبةً في قلبه وعقله بأن يُوجد مزيداً من الصراعات البينيّة في المنطقة، قد تغطّي على ما ارتكبه من جرائم بحق شعوب المنطقة، وعلى مدار سنوات وعقود، كلّ ما يهدّد الدروز هو نفسه ما يهدّد المنطقة، وأنّ الاعتداء على سوريا هو اعتداء على الدروز في نفس الوقت، لأنّهم جزء لا يتجزّأ من الدّولة السّورية".
واعتبر أن "لا خطر على الوجود الدرزي من تصريحات نتنياهو، فهم في وطنهم وبين أهلهم، ويؤكّدون على رفضهم المطلق لهذه التصريحات، ولا يطلبون حماية من أحد".
وشدّد على أنّ"مستقبل الدروز هو من مستقبل سوريا، وشباب الطائفة الدرزية يعملون كخلية النحل من أجل التصدي لإفشال المخططات والمشاريع التي تحاك ضدهم، وعلى رأسها ما يُخطّط له نتنياهو".
ورأى أنّ "مواجهة هذه المخططات تُلقى على عاتق الدولة والحكومة السورية، باعتبار أن الدروز هم سوريون قبل أن يكونوا أي شيء آخر، وهم حُماة سوريا قبل أن يكونوا حُماة طائفة، وبالتالي على الدولة أن تظهر خطاباً وطنيّاً مدافعاً عن جميع أبنائها وانتمائاتهم، وهذا يساعد في التصدي لإفشال كافة المشاريع التي تُحاك ضدهم".
وقد أثارت تصريحات نتنياهو حول جنوب سوريا جدلاً واسعاً، حيث اعتبرها محللون خطوة إستراتيجية لإعادة رسم خريطة النفوذ في المنطقة، مستغلّة حالة الفوضى وعدم الاستقرار في سوريا، وبدعم مباشر من واشنطن.
وتأتي هذه التطورات في ظل تصاعد الانتهاكات من قبل جيش الاحتلال في الجنوب السوري، حيث كثفت قوات الاحتلال غاراتها الجوية على مواقع في ريف دمشق والقنيطرة خلال الأسابيع الأخيرة، مستهدفة البنية التحتية العسكرية والمدنية، كما رُصدت تحركات عسكرية لقوات الاحتلال غير مسبوقة على طول الجولان السوري المحتل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق