آخر الأخبار

الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال: غزة بين مخاطر التهجير وانكشاف القانون الدولي…!

605531945_10173384749330360_6141466925335861077_n
بقلم : د. عبد الرحيم جاموس
يأتي الاعتراف الإسرائيلي بما يُعرف بـ«أرض الصومال» ككيان مستقل في لحظة شديدة الخطورة، ليس فقط سياسيًا، بل قانونيًا أيضًا، لما يحمله من مؤشرات تتجاوز البعد الدبلوماسي إلى محاولة إعادة هندسة الواقع الفلسطيني، وخاصة في قطاع غزة، خارج أي إطار للشرعية الدولية.
فهذا الاعتراف لا يمكن فصله عن تداعيات الحرب على غزة، ولا عن فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه المعلنة، ما دفعه إلى البحث عن مخارج بديلة، من بينها إحياء سيناريوهات التهجير، ولكن بصيغ ملتوية تُقدَّم تحت عناوين «الهجرة الطوعية» أو «الخيارات الإنسانية».
غير أن القانون الدولي الإنساني واضح في هذا الشأن: التهجير القسري محظور حظرًا مطلقًا، سواء تم بالقوة المباشرة أو عبر خلق ظروف معيشية قاهرة تدفع السكان إلى الرحيل.
العامل الأول في هذا السياق يتمثل في غزة، حيث يشكّل الحصار، والتجويع، والتدمير الواسع للبنية التحتية، عناصر ضغط ترقى قانونيًا إلى مستوى الإكراه الجماعي.
ووفق اتفاقية جنيف الرابعة، فإن نقل السكان المدنيين من الأراضي المحتلة، بأي صورة كانت، يُعد جريمة جسيمة، لا يغيّر من توصيفها الادعاء بالرضا أو الطوعية في ظل انعدام البدائل الآمنة.
من هنا، فإن أي ترتيبات تتعلق بنقل فلسطينيين من غزة إلى خارجها، بما في ذلك إلى «أرض الصومال»، تندرج قانونيًا ضمن إطار التهجير المحظور، وتحمّل الاحتلال المسؤولية الكاملة عنها.
أما الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال»، فيوفّر ( من وجهة النظر الإسرائيلية ) غطاءً سياسيًا لمحاولات الالتفاف على هذا الحظر القانوني، عبر التعامل مع كيان غير معترف به دوليًا، وفي منطقة تعاني هشاشة قانونية ومؤسسية.
غير أن غياب الاعتراف الدولي لا يمنح أي طرف شرعية لتقويض حقوق شعب واقع تحت الاحتلال، ولا يُنشئ مسارًا قانونيًا بديلًا لشرعنة أفعال محظورة أصلًا.
العامل الثاني يرتبط بتوسّع التنافس الإقليمي، وخاصة بين إسرائيل وتركيا.
فالتوتر المتصاعد على خلفية العدوان على غزة دفع الطرفين إلى نقل صراعهما إلى ساحات جديدة، من بينها القرن الإفريقي.
وفي هذا الإطار، تُستخدم «أرض الصومال» كورقة في صراع النفوذ، دون أي اعتبار لمبدأ احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، وهو مبدأ راسخ في ميثاق الأمم المتحدة.
العامل الثالث يتصل بالتطورات الأمنية في البحر الأحمر واليمن.
فالهجمات على الملاحة الدولية أعادت تسليط الضوء على أهمية السيطرة على الممرات البحرية الاستراتيجية.
إلا أن توظيف كيان غير معترف به كمنصة أمنية أو استخباراتية يطرح إشكاليات قانونية إضافية، تتعلق بتقويض النظام الدولي القائم على الدول المعترف بها، وتعزيز منطق «المناطق الرمادية» الخارجة عن المساءلة.
السؤال المركزي يبقى: لماذا الآن؟ الجواب يكمن في حالة التآكل الخطير لمنظومة القانون الدولي، وتراجع فاعلية آليات المحاسبة، ما شجّع دولًا، بينها إسرائيل، على اختبار حدود الممنوع، وفرض وقائع جديدة على الأرض، مستفيدة من الانشغال الدولي وتسييس العدالة.
في الخلاصة، لا يعكس الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال احترامًا لمبدأ تقرير المصير، بل يشكّل جزءًا من سياسة التفاف على القانون الدولي، تستهدف في أحد أبعادها الأساسية تفريغ غزة من سكانها، وتقويض الحقوق الوطنية الفلسطينية غير القابلة للتصرف، وفي مقدمتها حق العودة وحق البقاء على الأرض. إن خطورة هذه الخطوة لا تكمن في بعدها الجغرافي، بل في سابقتها القانونية، ما يستدعي موقفًا فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا واضحًا، يعيد التأكيد على أن الحقوق لا تسقط بالتقادم، ولا تُلغى بالمناورات السياسية.

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة