آخر الأخبار

الشتاء في غزة.. إعلان حرب جديدة وكابوس يداهم أهلها المنكوبين

fbe415ed073d

“أم جهاد”، أم لأربعة أطفال، تساعد زوجها في انتشال المياه التي أغرقت خيمتهم التي نزحوا إليها وسط قطاع غزة، بعد تدمير منزل العائلة في حي التفاح شرق مدينة غزة، بينما يرتجف أطفالها من البرد نتيجة تعرضهم للأمطار بشكل مباشر ما أدى لتبللها بالكامل وبدلا من أن تكون وسيلة للتدفئة أضحت كقطعة الثلج التي تغطي أجساد الأطفال المرتجفة.

هذا مشهد من آلاف المشاهد التي يمكن العثور عليها بشكل سريع مع تصفح أي من مواقع التواصل الاجتماعي، أو من خلال المرور في أي حارة أو شارع أو زقاق أو مخيم في قطاع غزة الذي يستقبل موسم الشتاء بخوف وقلق شديد على عكس ما كان عليه الحال قبل حرب الإبادة التي تركت غزة في حالة دمار وخراب غير مسبوقة.

فمع بداية المنخفضات الجوية الأولى هذا الشتاء، تتكشف من جديد ملامح المأساة الإنسانية التي يعيشها سكان قطاع غزة، ولا سيما آلاف العائلات التي وجدت نفسها محاصرة داخل خيام لا تقوى على صدّ الرياح ولا تمنع تسرب مياه الأمطار.

وفي ظل البرد القارس، تتحول الخيام الهشة إلى مستنقعات من الطين، والمساكن المتضررة إلى ما يشبه الصناديق المخترقة، ويجد الأطفال والنساء وكبار السن أنفسهم في مواجهة مباشرة مع الظروف المناخية القاسية، دون توفر الحد الأدنى من مقومات الحماية أو البنية التحتية الأساسية.

وبينما تتساقط الأمطار بغزارة ويشتد المنخفض الجوي، تتفاقم المعاناة اليومية للنازحين الذين فقدوا منازلهم ومصادر رزقهم، في ظل نقص حاد في المأوى الملائم، وغياب الخدمات الصحية، وشحّ في الغذاء والمياه النظيفة.

ويبرز هذا الواقع كإنذار إضافي بحجم الأزمة الإنسانية التي تحتاج إلى تدخل عاجل، يضمن توفير بدائل آمنة وكريمة للعيش، ويخفف من وطأة الظروف المناخية على الفئات الأكثر هشاشة.

إعلان حرب.. خيام مهترئة وطين

الخيام المنتشرة في مناطق النزوح أشبه بملاذات مؤقتة غير صالحة للسكن، مصنوعة من قماش مهترئ لا يحمي من تقلبات الطقس ولا أمطار الشتاء، وتغيب البنية التحتية بالكامل؛ فلا كهرباء، ولا مياه نظيفة، ولا مرافق صحية كافية، في حين تتكدس العائلات في مساحات ضيقة تفتقر للخصوصية والسلامة.

ومع أول هطول للأمطار، يتحول الطين إلى بيئة غير صالحة للعيش، وتتسرب المياه إلى داخل الخيام لتبتل الأفرشة والبطانيات القليلة، في حين تصبح الليالي الباردة معاناة مضاعفة، يقضي خلالها النازحون ساعات طويلة في محاولة تجفيف ما يمكن أو رفع متاعهم عن الأرض المبتلة دون جدوى. وكل مرة تشتد فيها الأمطار، يخشى السكان انهيار الخيمة أو غمرها بالمياه، مما يجعل النوم رفاهية نادرة.

ويزداد الضغط النفسي على الأسر بسبب غياب البدائل الآمنة، في ظل حالة ترقب دائم لأي تغيّر في الطقس، في حين يعمل أفرادها على تثبيت أعمدة الخيام المهترئة بقطع قماش وحبال بسيطة. ومع شروق الشمس، تبدأ معركة جديدة لتنظيف الخيام وتجفيفها، لا تقل قسوة عن المعاناة خلال الليل.

الصحفي الفلسطيني محمد قاعود، قال في منشور له على موقع “فيس بوك”، إن المنخفض في غزة ليس حالة طقس، المنخفض إعلان حرب جديدة، ويعني أن تُصفع الخيام بالمطر كأن الحرب تستكمل ما بدأته الطائرات، ويعني أن تُركل العائلات خارج زاوية الدفء الوحيدة التي صنعتها من بقايا النايلون والكرتون، ويعني أن يمشي الناس في الطين وكأنهم يعبرون سجلاً آخر للجراح المفتوحة.

ويرى “قاعود” المنخفض الجوي في غزة امتحان جديد لأناس لم يتبقَّ فيهم شيء قابل للامتحان.

كارثة متصاعدة

حركة حماس وبلسان الناطق باسمها حازم قاسم، قالت إن قطاع غزة يعيش كارثة متصاعدة مع دخول منخفض جوي جديد تسبب في غرق النازحين من الأطفال والنساء والمرضى في خيامهم، مع استمرار غياب مقومات الإيواء الأساسية.

وأوضح “قاسم”، أن استمرار الحصار الصهيوني ومنع الإعمار، مع الدمار في القطاع والأحوال الجوية القاسية، يشكل امتدادًا لحرب الإبادة الجماعية باستخدام أدوات أخرى.

ودعا “قاسم” الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة إلى اتخاذ خطوات جادة لإغاثة أهالي قطاع غزة في ظل دخول فصل الشتاء، الذي يضاعف معاناة النازحين بشكل غير محتمل.

ومع دخول الشتاء أطلقت مؤسسات إنسانية وأممية تحذيرات قوية بأن الشتاء قد يكون أقسى من الناحية الإنسانية، بسبب البرد، الأمطار، والافتقار إلى المأوى الملائم.

تحذيرات أممية وإنسانية

مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا”، حذّر من تدهور الأوضاع في غزة مع دخول الشتاء، خاصة أن مئات آلاف العائلات تعيش بدون مأوى مناسب، وتفتقر إلى الخيام الجيدة والبطّانيات ووسائل التدفئة، وفق قوله.

وأعلن أن كثيرًا من المواد الأساسية (مأوى، مياه، إمدادات صحية) لا تصل بشكل كافٍ بسبب رفض إدخال الاحتلال الصهيوني شحنات الإغاثة.

ونبه إلى أن وجود ملايين السكان، يعتمدون على المساعدات من الأمم المتحدة، خاصة بعد تدمير بنية تحتية كبيرة نتيجة الحرب.

أما الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، فحذرت من كارثة إنسانية وشيكة في غزة مع دخول الشتاء، خصوصًا في ظل استمرار منع الاحتلال دخول الخيام والكرفانات والبطانيات.

من جهته، قال منسق الطوارئ في منظمة “أطباء بلا حدود” في قطاع غزة، فرانتس لوف، إن المساعدات الإنسانية الواصلة إلى غزة ما زالت غير كافية على الرغم من وقف إطلاق النار، محذرا من أنه في حال عدم حدوث تحسّن ملموس، فإن فلسطينيي غزة سيواجهون مجددا ظروف الشتاء القاسية.

وسلّط “لوف” الضوء على قسوة ظروف الشتاء في غزة، مؤكدا أن انخفاض درجات الحرارة يفاقم معاناة الفلسطينيين في القطاع، قائلا: “رأينا الخيام تتضرر بسبب الرياح والأمطار وتغرق بالمياه نتيجة الهطول الغزير للأمطار”.

وبين أنه مع وقف إطلاق النار، يشعر الناس بالغضب من عدم دخول عدد كافٍ من الخيام التي يحتاجون إليها للحماية من المطر والبرد.

ودعا المجتمع الدولي والدول التي يمكنها التأثير على الاحتلال للضغط عليه للسماح بدخول المواد الضرورية إلى غزة.

وقال إنه لا يمكن للمجتمع الدولي أن يقول في يناير/كانون الثاني أو فبراير/شباط إنه لم يكن يعلم أن الشتاء قادم، نحن نعلم أنه قادم وقد عشناه، وأهل غزة عاشوا شتاء مروعا العام الماضي، ولا يمكن السماح بأن يستمر ذلك هذا العام أيضا.

وللمفارقة فإنه وبعد أن كان سكان قطاع غزة ينتظرون فصل الشتاء على أحر من الجمر، ويوثقون لحظات نزول المطر بسعادة غامرة، باتت هذه الأوقات كابوساً يدعون الله طويلا ألا تمر عليهم، نتيجة تضاعف المعاناة التي يحيونها فيها، فإلى متى يستمر هذا الواقع الذي يعيشه الناس في هذه البقعة المنكوبة.

 

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة