وكالة القدس للأنباء
سليم عاصي، فنان تشكيلي فلسطيني من مواليد مخيم الجليل في بعلبك – لبنان، تعود جذوره إلى بلدة فرّاضية المهجرة قضاء صفد، يعد من أبرز الفنانين الذين اختاروا الريشة طريقاً للمقاومة، حتى بات يعرف بفنه الذي يحمل اسم “الفن المقاوم”، يقيم حالياً في كوبنهاغن – الدنمارك، وقد عرف بمبادراته الشخصية لدعم أبناء المخيمات الفلسطينية في لبنان، كان يرسم ويعرض أعماله للبيع في مزاد على وسائل التواصل الاجتماعي، ليعود ريعها لمساعدة أهالي المخيمات، وبعد أحداث 7 أكتوبر، واصل مبادرته ووسع جهود الدعم لتصل إلى أهل غزة.
عن هذه المبادرة القيمة تحدث عاصي لـ”وكالة القدس للأنباء”، قائلاً: “أطلقت المبادرة لمساعدة المخيمات الفلسطينية في لبنان، قدر المستطاع، من خلال بيع لوحاتي في المزاد بعد عرضها على وسائل التواصل الاجتماعي، وكان يعود ريعها بشكل كامل إلى المخيمات، وبدأت ذلك في مطلع عام 2019، حين مورست على أبناء المخيمات إجراءات تعسفية، تتعلق بالعمل والتملك والحقوق والطبابة، تلك الضغوط دفعتني للتفكير بهذه المبادرة. ورغم جائحة “كورونا”، آنذاك استمرت المبادرة ولم تتوقف”.
واعتبر عاصي أن “أبناء المخيمات ليسوا مجرد قضية يتم التعاطف معها عن بعد، بل هم جزء منا، حاضرون في القلب والفعل، ولهم مكانتهم التي لا يمكن تجاوزها، وكنت أحاول تغطية كافة المخيمات، وإن كانت المبالغ لا تف بالمتطلبات، وبحاجة أهلنا، ولكن هذا كان شعور حسي، وتضامني وتفاعلي، وله قيمة معنوية أكثر من كونها مادية، وكان هدفي إرضاء ضميري اتجاه أهلي وشعبي”، مشيراً إلى أنه “بعد أحداث 7 أكتوبر (2023) أصبحت أرسم في الفعاليات والمهرجانات التي تدعم غزة، ويتم بيعها في المزاد ويعود ريعها إلى أهل القطاع”.
وعن زيارته إلى بريطانيا حديثاً، قال الفنان عاصي، إنه “كان على رأس قائمتي زيارة قبر الفنان الكبير الراحل، ناجي العلي، كانت زيارة ضريحه شرفاً كبيراً بالنسبة لي، قطعت مسافة كبيرة للوصول، لكن كل خطوة حملت ثقلاً من الشعور والمعنى، عشت لحظات يصعب وصفها، امتزج فيها حزني لأن زمننا ما زال بحاجة إلى ناجي العلي، مع فرحتي بأنني وصلت إلى أقرب نقطة يمكن أن تلامس حضوره ورمزه”.
وأضاف: “وضعت على قبره، أشياء تذكارية، كغصن زيتون، أحتفظ به منذ اثني عشر عاماً، جاءني من باحات الأقصى، ورغم ذبوله، ظل شاهداً حياً في قلبي، وقد أخذت منه غصناً صغيراً ليبقى أثره ممتداً، بالإضافة إلى كوفية كتب عليها “كلنا غزة”، وكنزة مطبوع عليها “حنظلة”، القادم منه والراجع إليه، وأقلامي الأساسية التي كنت أرسم فيها “حنظلة”، وفاءً له، بالإضافة إلى رسالة وجدانية، وضعتها في إطار وقمت بتغليفها لحمايتها من المطر”.
وفي نهاية حديثه، قال الفنان عاصي “خلال سفري إلى بلدان عدة، أواصل البحث عن ملامح الثقافة الوطنية، وعن شخصيات وأماكن تهتم بالتراث الفلسطيني، لأجد في كل محطة ما يؤكد أن الذاكرة الفلسطينية لا تزال حيَّة، وأن جذورها تمتد مهما ابتعدت المسافات”.
هكذا يواصل الفنان الفلسطيني ابن مخيم الجليل/ بعلبك، سليم عاصي طريقه، مستندًا إلى إيمان بأن الفن ليس رفاهية، بل أداة تبقي الذاكرة حيَّة، وتفتح درباً نحو فعل يخفف وطأة الواقع.
بين ريشته والمخيمات الفلسطينية وغزة، ينسج عاصي حضوراً يؤكد أن المقاومة قد تبدأ بخط على ورق، لكنها قادرة على الوصول إلى أبعد من ذلك بكثير.


