يصادف اليوم الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2025 الذكرى 76 لتأسيس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، التي أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم (302) لعام 1949، لتكون خط الأمان الإنساني والاجتماعي لملايين اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وسوريا ولبنان والأردن.
طوال سبعة عقود، شكّلت “أونروا” شريان حياة للاجئين الفلسطينيين، عبر خدماتها الأساسية في الصحة والتعليم والإغاثة والتوظيف، وكانت مرآة لقضيتهم من خلال جمع بياناتهم وتوثيق مخيماتهم، حتى غدت ركناً ملازماً لوجودهم القانوني بوصفهم شعباً مُهجَّراً ينتظر العودة.
ورغم أنها وكالة أممية، فقد طالتها محاولات الاستهداف ذاتها التي طاولت اللاجئين الفلسطينيين أنفسهم.
وشهد العقد الأخير ضغوطاً غير مسبوقة على الوكالة، تمثلت في محاولات تجفيف مواردها المالية، والابتزاز السياسي، وحملات التشويه وشيطنة دورها من قبل الاحتلال “الإسرائيلي” وحلفائه، في مسعى لإلغاء وجودها المترابط عضوياً مع قضية اللاجئين وحقهم في العودة.
ودفع موظفو “أونروا” ثمناً باهظاً لهذه الحملة، إذ ارتقى عدد منهم شهداء في غزة ولبنان، فيما تعرض موظفو الضفة الغربية للإقصاء والمنع من العمل بسبب تشريعات الاحتلال التي تحظر على الوكالة أداء مهامها في الأراضي الفلسطينية، بينما طال الهدم والتدمير عدداً من منشآتها، فقُتل نازحون احتموا بها خلال العدوان على غزة.
وقبل أيام قليلة، صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على تمديد تفويض الوكالة لثلاث سنوات إضافية، وسط تأييد معنوي واسع من دول عدة، لكن هذا الدعم بقي، كما في السنوات الماضية، بلا ترجمة عملية تضمن الوفاء بالالتزامات المالية المطلوبة لاستمرار تشغيل الوكالة بكامل قدراتها، ولا سيما من الدول العربية.
معركة وجود مصيرية للوكالة
وبهذه المناسبة، شددت منظمة “ثابت لحق العودة” على أن “أونروا” واللاجئين الفلسطينيين يجتمعون اليوم في معركة وجود مصيرية، تتطلب حماية تفويض الوكالة وضمان تمويلها الكامل، خصوصاً في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة في مناطق عملياتها.
وأكدت “ثابت” أن مسؤولية استمرار عمل “أونروا” هي مسؤولية دولية مباشرة، رافضةً سياسات التقليص التي تعتمدها إدارة الوكالة في لبنان، ومن بينها: إغلاق ودمج المدارس واكتظاظ الصفوف، تغيير المناهج، فصل الموظفين على خلفيات الانتماء الوطني، تقليص خدمات الصحة والاستشفاء، وقف التوظيف الدائم وعدم تعيين بدلاء للوظائف الشاغرة، الاكتفاء بالتوظيف اليومي، وقف المساعدات الإغاثية والمالية لحالات العسر الشديد، تقليص مساعدات فلسطينيي سوريا، واستمرار المماطلة في استكمال إعادة إعمار مخيم نهر البارد.
وأشارت المنظمة إلى أن هذه الخطوات تزيد من هشاشة الواقع الإنساني للاجئين الفلسطينيين، وتتناقض مع التفويض الأممي المُعطى للوكالة.
منحت الجمعية العامة لـ”الأمم المتحدة”، مساء الجمعة 5 كانون الأول/ديسمبر، وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” تفويضاً جديداً يمتد لثلاث سنوات، في تجديد صوّتت عليه الأغلبية الساحقة من دول العالم، بالتوازي مع تبنّي خمسة قرارات متعلقة بالقضية الفلسطينية، في جلسة عكست تأييداً دولياً واسعاً لحقوق الشعب الفلسطيني رغم الضغوط السياسية المتصاعدة.
ورحّب المفوض العام للوكالة فيليب لازاريني بقرار التجديد، مؤكداً أن التصويت “يعكس تضامناً واسعاً من مختلف أنحاء العالم مع لاجئي فلسطين”، وأن المجتمع الدولي ما يزال يقرّ بمسؤوليته تجاه احتياجاتهم الإنسانية والتنموية إلى حين التوصل إلى حل عادل ودائم لمعاناتهم الممتدة منذ عقود.
وقد حصل قرار التجديد على 151 صوتاً مؤيداً مقابل 10 أصوات رافضة، وهو ما اعتبره لازاريني “رسالة سياسية مهمة”، داعياً الدول إلى تحويل هذا الدعم السياسي إلى التزامات مالية فعلية تضمن استمرار برامج الوكالة دون توقف.
وأضاف: إن “أونروا” أنشئت لتقديم المساعدة والحماية إلى حين إيجاد حل سياسي، وأن استمرار غياب هذا الحل هو ما يبقي اللاجئين في حالة لجوء منذ أكثر من سبعين عاماً.
ويأتي قرار التجديد في وقت تواجه فيه “أونروا” أصعب ظروف منذ تأسيسها عام 1949، وسط اتساع الاحتياجات الإنسانية وارتفاع مستويات الفقر بين اللاجئين في الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة.
وعلى الرغم من تأسيسها لتقديم الإغاثة والحماية منذ نكبة 1948، تحولت الوكالة عبر العقود إلى بنية خدماتية مركزية تشمل التعليم والرعاية الصحية والإغاثة الاجتماعية والبنى التحتية للمخيمات، مع اعتماد شبه كامل على تمويل طوعي من الدول المانحة.
ومنذ اندلاع حرب الإبادة على قطاع غزة في تشرين الأول/أكتوبر 2023، أصبحت “أونروا” هدفاً لحملة سياسية وإعلامية يقودها كيان الاحتلال لنزع الشرعية عنها، ترافقت مع قانون أقرّه الكنيست عام 2024 يحظر نشاط الوكالة داخل “إسرائيل”.
كما شهدت الفترة ذاتها تجميداً للتمويل من الولايات المتحدة ودول رئيسية بذريعة “تحقيقات أمنية” مرتبطة ببعض موظفي الوكالة في أحداث 7 تشرين الأول، ما أدخلها في ضائقة مالية غير مسبوقة.
ورغم ذلك، واصلت الوكالة تشغيل مدارسها وعياداتها ومراكز الإغاثة في مناطق عملياتها الخمس، مقدّمة خدماتها لما يزيد عن 5.9 ملايين لاجئ فلسطيني، مع استمرار إطلاقها نداءات طارئة لسدّ العجز المالي المتفاقم.
وفي الجلسة ذاتها، تبنت الجمعية العامة خمسة قرارات داعمة للقضية الفلسطينية، حيث حظي القرار المتعلق بتقديم المساعدة إلى لاجئي فلسطين بتأييد 151 دولة مقابل 10 دول صوتت ضده وامتناع 14 دولة أخرى. كما صوّتت 145 دولة لصالح قرار تجديد ولاية “أونروا” لثلاث سنوات، في حين اعترضت عليه 10 دول، وامتنعت 18 أخرى، وهو ما أكد استمرار التفويض الممنوح للوكالة بموجب القرار 302.
وفي قرار آخر، صوّتت 157 دولة لصالح القرار المتعلق بممتلكات اللاجئين الفلسطينيين والإيرادات الناتجة عنها، مقابل اعتراض 10 دول وامتناع 9.
وشمل التصويت أيضاً قراراً يتعلق بأعمال اللجنة الخاصة للتحقيق في الممارسات “الإسرائيلية” التي تمس حقوق الإنسان، حيث حصل على تأييد 88 دولة مقابل 19 دولة صوتت ضده وامتناع 64 دولة.
أما القرار المتعلق بالمستوطنات “الإسرائيلية” في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس والجولان السوري المحتل، فقد حظي بأغلبية 146 دولة مقابل اعتراض 13 دولة وامتناع 17.
ولاقى التصويت ترحيباً فلسطينياً واسعاً، حيث أكد مندوب دولة فلسطين لدى “الأمم المتحدة”، الوزير رياض منصور، أن نتائج الجلسة تعكس “تصاعد التعاطف الدولي مع الشعب الفلسطيني، خصوصاً في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة والضفة الغربية”.
كما رحّبت دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية بالتجديد الساحق لتفويض “أونروا”.
وأشار عضو اللجنة التنفيذية ورئيس الدائرة أحمد أبو هولي إلى أن التصويت يؤكد قوة الدعم السياسي للوكالة وتجديد الالتزام الأممي بحماية حقوق اللاجئين وفق القرارين 302 و194.
وحذّر من الأزمة المالية الخانقة التي تواجهها “أونروا”، بعجز يقدَّر بنحو 200 مليون دولار حتى نهاية الربع الأول من عام 2026، داعياً الدول التي دعمت التجديد إلى تحويل موقفها السياسي إلى تمويل مستدام يمكّن الوكالة من استمرار خدماتها الأساسية لنحو 6.2 ملايين لاجئ فلسطيني في غزة والضفة الغربية والأردن وسوريا ولبنان.
كما شدد أبو هولي على أن تجديد الولاية يشكّل “رداً حازماً” على محاولات كيان الاحتلال إنهاء عمل الوكالة عبر حملات التحريض وتجفيف الموارد والقوانين التي تحظر أنشطتها في القدس الشرقية، مطالباً “الأمم المتحدة” باتخاذ إجراءات رادعة لإلزام الاحتلال باحترام اتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة لعام 1946 ووقف كل ما يعرقل عمل الوكالة.
وثمّن المواقف الدولية الداعمة، مشيداً بالدور المحوري للدول المضيفة — الأردن وسوريا ولبنان — إلى جانب مصر وجامعة الدول العربية في حماية تفويض “أونروا” والدفاع عن استمرار خدماتها.