آخر الأخبار

غزة بعد 734 يومًا من الإبادة.. اتفاق يُنهي الحرب ويُعيد الأمل للحياة

20251009104339

بعد 734 يومًا من حرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة، وما خلّفته من مجازر ودمار ونزوح ومعاناة إنسانية غير مسبوقة، في مقابل صمودٍ أسطوري للشعب الفلسطيني وبسالةٍ ملحمية لمقاومته في مواجهة ترسانة الاحتلال، أعلنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) فجر اليوم الخميس التوصل إلى اتفاق بإنهاء الحرب وانسحاب قوات الاحتلال من القطاع، والسماح بدخول الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية، إضافة إلى تبادل الأسرى، في خطوة وُصفت بأنها بداية لمرحلة جديدة من إدارة الصراع مع الاحتلال.

وقالت الحركة في بيانها الرسمي إن الاتفاق جاء بعد مفاوضات جرت في شرم الشيخ برعاية دولية، وشمل وقف الحرب، وانسحاب قوات الاحتلال، وتبادل الأسرى، وفتح المجال أمام دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية.

ورحّبت حماس بمشاركة الأطراف الضامنة في تنفيذ الاتفاق، ودعت المجتمع الدولي إلى إلزام إسرائيل بتنفيذ التزاماتها ومنعها من المماطلة أو الالتفاف على بنود الاتفاق، مؤكدة أن “شعبنا العظيم، بصموده وتضحياته، هو من انتزع هذا الإنجاز، لا منّةً من أحد”.

فرح من تحت الركام

في أرجاء قطاع غزة، من خيام النزوح إلى الأحياء المدمّرة، دوّت هتافات التكبير والتهليل مع الإعلان عن وقف الحرب.

في مواصي خانيونس خرجت أم أحمد، وهي نازحة من مدينة غزة، من خيمتها باكيةً قائلة: “الحمد لله… يمكن نرجع على بيتنا”، بينما كان أطفالها يركضون بين الخيام مرددين: “هدنة… هدنة”.

وفي مخيم خانيونس، حيث الدمار يملأ المكان، تحوّلت لحظة الإعلان إلى ما يشبه عيدًا شعبيًا امتزجت فيه دموع الفرح بصور الشهداء التي حملها الناس، وهم يهتفون للحياة بعد عامين من الموت.

أما في مدينة غزة التي واجهت عدوانًا عنيفًا ومركّزًا منذ أغسطس الماضي، فقد خرج المئات من بين الركام يهتفون للمقاومة، يرون في الاتفاق ثمرة صمودهم وإصرارهم على البقاء.

هذا المشهد، كما يصفه الكاتب والمحلل ساري عرابي، هو العنوان الأصدق لما جرى: “العنوان الوحيد لأي حدث يتعلق بحرب الإبادة هذه هو العنوان الغزي، من الإنسان العادي الذي تشرّب ويلات الحرب، إلى المقاتل الأعجوبة الذي لم يتزحزح رغم كلّ شيء. دعايات الذين ينسبون لأنفسهم أي إنجاز من هذه الدول وحكوماتها إنما هو عار يُضاف إلى عارٍ لا يُغسَل إلى قيام الساعة.”

بهذا المعنى، لا يقف الفرح الغزّي عند حدود النجاة، بل يتجاوزها إلى فعل مقاومة رمزي يُعلن أن الوجود ذاته تحدٍّ مستمر، وأن الانتصار الحقيقي ليس فقط في وقف النار، بل في إبقاء الروح حيّة وسط الركام.

المعاني السياسية للاتفاق

يأتي اتفاق شرم الشيخ بعد عامين من حرب كشفت عمق المأزق الإسرائيلي في بنيته الأمنية والسياسية والدولية؛ فالحرب التي خاضها الاحتلال لإعادة ترميم ردعه انتهت إلى تقويض ما تبقّى من صورته أمام العالم، وتحوله إلى كيان منبوذ أخلاقيًا، ومطارد قضائيًا، ومهزوم استراتيجيًا رغم تفوقه العسكري.

وفي هذا السياق، يلفت الكاتب ياسر الزعاترة إلى أن دافع الاتفاق لا يمكن فهمه إلا في ضوء “بؤس وضع الكيان في العالم”.

ويقول الزعاترة إن “صهاينة أمريكا هم من طلبوا من ترامب الضغط على نتنياهو لإنجاز الاتفاق، بعد أن أدركوا ما يُرتّبه استمرار الحرب من كوارث على كيانهم”.

ويستشهد الزعاترة بتصريحات ترامب بعد الاتفاق لقناة “فوكس نيوز”: “قلت لنتنياهو إن إسرائيل لا يمكنها أن تحارب العالم، وستساعد الولايات المتحدة في إعادة إعمار القطاع… سترون الناس يتعايشون وغزة يُعاد بناؤها.”

ويرى الزعاترة أن هذه التصريحات تمثل اعترافًا ضمنيًا بالهزيمة، وأن “شعبنا هو من انتصر وكتب بداية النهاية للمشروع الصهيوني، وإن كان المهزومون والمتصهينون لا يريدون الاعتراف بذلك، لأن هذا الانتصار يصيبهم بالقهر والغثيان”.

إن هذه القراءة تنظر إلى الاتفاق لا كهدنةٍ تقنية، بل كـ تحوّل سياسي كبير يُجسّد انكسار الرواية الصهيونية التي استندت لعقود إلى تفوقها العسكري ودعمها الغربي غير المحدود. فخلال الحرب، بدأ هذا الدعم نفسه يتآكل تحت ضغط الرأي العام العالمي، وأصبحت كلفة الإبادة عبئًا استراتيجيًا على حلفاء إسرائيل قبل أن تكون مأزقًا داخليًا لها.

غزة تنهض من الرماد

فجر اليوم، بدت غزة كمدينةٍ تنهض من تحت الركام، تودّع ليل الحرب الطويل وتستقبل فجرًا جديدًا. فالمشاهد التي عمّت المخيمات والأحياء المهدّمة تختصر حكاية شعبٍ لم ينكسر رغم عامين من الإبادة والجوع، إذ خرج الناس إلى الشوارع المدمّرة يرفعون صور شهدائهم ويهتفون للحياة، في مشهدٍ يعكس إرادة لا تُقهر ورغبة جماعية في استعادة نبض المدينة التي قاومت الموت بأملٍ لا ينطفئ.

ورغم الجراح التي لا تزال تنزف في كل بيت، بدأ الحديث بين الغزيين يدور حول إعادة الإعمار وعودة العائلات إلى أحيائها، واستعادة تفاصيل الحياة شيئًا فشيئًا. تتداول النساء أحلام العودة إلى منازلهن، ويتحدث الأطفال عن مدارسهم التي اشتاقوا إليها، فيما يخطط الشبان لبناء ما هدمته الحرب بأيديهم.

يدرك الغزيون أن الطريق بعد الحرب ليس سهلًا، وأن ما ينتظرهم هو معركة أخرى: معركة البقاء وتضميد الجراح وإعادة البناء. لكنهم يؤمنون أن هذا الاتفاق لم يكن منحة من أحد، بل ثمرة تضحيات جسام وصمود أسطوريّ صنعته غزة بدمها وألمها.

فجر الحرية الذي يلوح في الأفق ليس نهاية الطريق، بل بداية مسار جديد نحو الكرامة والسيادة والاستقلال الوطني، مسارٌ تصنعه غزة من رمادها، لتقول للعالم مرة أخرى: “البطولة ليست في القتال وحده، بل في القدرة على النهوض بعد كل حرب، والإصرار على أن الفلسطيني لا يُهزم”.

 

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة