آخر الأخبار

غزة في قلب العاصفة… منخفض جوي يكشف هشاشة الحياة بعد الحرب

88

بين خيامٍ لا تقوى على الصمود، وطرقات غمرتها المياه، وأجساد يرتجف أصحابها من البرد والجوع، يقف سكان قطاع غزة هذا الشتاء أمام اختبار وجودي جديد، بعد شهر واحد فقط من انتهاء الحرب التي تركت وراءها دمارًا واسعًا و وأكثر من نصف شعب مشرّد بلا مأوى.

مع بداية تأثير المنخفض الجوي العميق على القطاع، تكدّست مئات المناشدات في هواتف الدفاع المدني، لكن الواقع على الأرض أشد قسوة من قدرة الجهات المختصة على الاستجابة.

يقول المتحدث باسم الدفاع المدني بغزة محمود بصل لمراسلنا: “تلقينا مئات المناشدات، لكن الإمكانيات معدومة، لا مكان للانتظار والتأخير في توزيع الخيام، وكل ثانية في غزة تعرض حياة المواطنين للخطر”.

ويحذّر بصل من أن المنازل المتصدعة والآيلة للسقوط باتت مهددة بالانهيار مع ازدياد قوة الرياح وغزارة الأمطار، مؤكدًا أن الطواقم تعمل فوق طاقتها، لكنها بحاجة إلى دعم ومعدات غير متوفرة.

في مخيم النصيرات، حيث تصطف مئات الخيام على مساحات رملية منخفضة، تتكرر المشاهد ذاتها مع كل موجة مطر.

داخل إحدى الخيام، تجلس أم خالد الشافعي (42 عامًا) تحتضن طفلها الأصغر، وتروي بصوت متعب: “منذ الصباح والمطر يدخل إلى الخيمة، فرشنا النايلون تحت الفرش لكن ما فاد. الأولاد ما عندهم ملابس شتوية، والبرد يقطع العظم”.

وتضيف لمراسل المركز الفلسطيني للإعلام أن زوجها أمضى ساعات يحاول إحاطة الخيمة بسواتر من الرمال لمنع تسرب المياه، لكن الرياح القوية كانت تهدم كل ما يصنعه.

وفي خيمة في ساحة الجندي المجهول في مدينة غزة، كان أبو زكي رضوان (58 عامًا) يحاول تثبيت عمود خيمته باستخدام حبل جلبه من ساحة مدمرة قريبة.

يقول وهو يشير إلى السقف المهترئ: “هذه ليست خيامًا… هذا مجرد قماش لا يحمي من شيء. نحن نعيش هنا لأن لا بيت ولا جدار بقي لنا. المنخفض مش بس مطر، هو تهديد لحياتنا”.

ومع تفاقم الوضع، أصدرت المديرية العامة للدفاع المدني نداءً عاجلًا دعت فيه المواطنين، خصوصًا النازحين في الخيام ومراكز الإيواء، إلى اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة لتجنب أضرار المنخفض.

وجاء في بيانها: “نحثّ المواطنين على التعاون والتآزر، وتثبيت الخيام جيدًا، ووضع سواتر رملية ما أمكن في محيطها خشية من تدفق مياه الأمطار”.

بدورها، حذّرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) من تداعيات “كارثية” للمنخفض الجوي.

وقالت في تصريح لـ”التلفزيون العربي”: “سيكون للمنخفض الجوي تداعيات كارثية على النازحين في غزة”.

الوكالة، التي تواجه بدورها أزمة تمويل خانقة، أكدت أن توزيع الخيام والبطانيات يجري بوتيرة بطيئة مقارنة بحجم الاحتياج المتزايد.

على الأرض، يواجه ما يقارب مليوني فلسطيني كارثة إنسانية تتفاقم يومًا بعد يوم مع دخول فصل الشتاء، وسط غياب المأوى الآمن ونقص حاد في الأغطية والملابس وانعدام مواد التدفئة.

ولا تزال عشرات آلاف الأسر تقيم في خيام مهترئة لا تصمد أمام الرياح ولا تمنع تسرب المطر، بينما يُحرم الكثيرون من أبسط احتياجات الحياة بسبب القيود المفروضة على دخول مواد الإغاثة والإيواء.

على بُعد أمتار من أحد مراكز الإيواء، كان مجموعة من الشبان يحاولون نقل بعض الأطفال إلى خيمة كبيرة أكثر تحصينًا.

أحدهم، أحمد (27 عامًا)، يقول: “أغلب الخيام غرقت. الأطفال ما لهم ذنب يعيشوا هيك. نساعد بعض قد ما نقدر، لكن الوضع أكبر منّا ومن كل المؤسسات الموجودة”.

ومع استمرار العاصفة، تتزايد المخاوف من انتشار الأمراض في ظل انعدام التهوية، وتسرّب المياه إلى أماكن النوم، وتكدس الأسر في مساحات ضيقة.

وفي الوقت الذي يحاول فيه المواطنون تعزيز خيامهم بوسائل بدائية، فإن سؤالهم الأكبر يتردد في كل مخيم: متى تأتي المساعدة؟

 

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة