آخر الأخبار

اللاجئون الفلسطينيون في لبنان ووكالة الأونروا: مسؤولية أممية وضرورة وطنية

471221343_983427437144266_1929728255585096150_n

بقلم: عصام الحلبي

منذ اللحظة الأولى لنكبة عام 1948، وجد الفلسطيني نفسه أمام واقع قاسٍ لم يعرف له مثيل، واقع التشريد والاقتلاع من الأرض والهوية. وفي خضمّ هذا الزلزال الإنساني، نشأت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) عام 1949، كاستجابة عاجلة لمعاناة مئات الآلاف ممن أُجبروا على مغادرة ديارهم. إلا أنّ هذه الوكالة لم تكن مجرد هيئة إغاثة إنسانية عادية، بل أصبحت – بمرور الزمن – شاهدًا دوليًا على جريمة التهجير وعلى استمرار الاحتلال الذي ما زال يحرم الفلسطيني من حقه في العودة والعيش بكرامة على أرضه.
يخطئ من يظن أن الأونروا مجرد مؤسسة تقدم خدمات اغاثيةو تعليمية وصحية، فجوهر وجودها يرتبط بحقيقة النكبة ذاتها. إن استمرارها هو استمرار للاعتراف الدولي بأن هناك قضية لم تُحل بعد، وأن هناك شعبًا لا يزال ينتظر العدالة. ومن هنا، فإن أي مساس بالأونروا أو تقليص لموازناتها، ليس مجرد قرار إداري أو مالي، بل خطوة سياسية خطيرة تهدف إلى شطب أحد أهم رموز القضية الفلسطينية من الذاكرة الدولية.
يعيش اللاجئون الفلسطينيون في لبنان ظروفًا مركّبة تتجاوز البعد الإنساني إلى التعقيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي،فهم محرومون من معظم الحقوق الإنسانية الأساسية، ويعانون من ضعف البنية التحتية في المخيمات ومن ارتفاع معدلات الفقر والبطالة. في ظل هذه الأوضاع، تبقى خدمات الأونروا – مهما كانت محدودة – الركيزة الأساسية لبقائهم واستقرارهم،لذلك فإن أي تقليص في هذه الخدمات يهدد مباشرة أمن المخيمات واستقرارها الاجتماعي.
انطلاقًا من موقعها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، تتمسك منظمة التحرير بضرورة استمرار عمل الأونروا وعدم المساس بدورها، فهي مؤسسة نشأت نتيجة وجود الاحتلال، ولن ينتهي مبررها إلا بزوال هذا الاحتلال وعودة اللاجئين إلى أرضهم. إننا نرى أن الأونروا ليست منّة من أحد، بل التزام دولي وأخلاقي على المجتمع الدولي أن يفي به حتى تحقيق العدالة الكاملة لشعبنا.
وفي هذا الإطار، لا يمكن القبول بتصرفات أو قرارات تتجاوز المرجعية الفلسطينية الرسمية، أو تتعامل مع الملف الفلسطيني بروح فردية أو مزاجية،ونخص بالذكر الإدارة الحالية للأونروا، التي نطالبها بالالتزام بالتنسيق الكامل مع منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الجهة الشرعية المعنية بهذا الملف.
لقد برزت في السنوات الأخيرة مواقف وتحركات فلسطينية متعددة تجاه أزمة تقليص خدمات الأونروا، إلا أن بعضها جاء ارتجاليًا وغير منسق، مما أضعف التأثير وأربك الخطاب العام. المطلوب اليوم هو توحيد الجهود والرؤية، والانطلاق من موقف وطني جامع يقوده الإطار الشرعي المتمثل في منظمة التحرير الفلسطينية، لتشكيل ضغط سياسي ودبلوماسي منظم على الدول المانحة والأمم المتحدة لضمان استمرار الأونروا في أداء واجباتها كاملة دون انتقاص.
الأونروا ليست مجرد مؤسسة خدمات، بل رمز من رموز الذاكرة الوطنية الفلسطينية، ودليل حي على أن قضية اللاجئين لم تُطوَ ولم تُنسَ. المساس بها يعني عمليًا المساس بحق العودة، أحد أقدس حقوق شعبنا. لذلك فإن الدفاع عن الأونروا واجب وطني وأخلاقي، والدعوة لاستمرارها هي جزء من معركة الوعي والهوية التي يخوضها الفلسطيني في وجه محاولات طمس قضيته.

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة