آخر الأخبار

سياسيون وصحافيون عرب في جعبة الوكالة اليهودية [6/6]

1-2-rer3juo14cjky1gkv4in9jm56afz03fwvndg8qbmgg

بدر الحاج

بذل إلياهو ساسون، رئيس القسم العربي في الوكالة اليهودية، جهوداً مكثّفة مع سياسيين وصحافيين مرتزقة كانوا يتقاضون منه المال لإفشال المؤتمر البرلماني العربي الذي عُقد في القاهرة في تشرين الأول 1938. وإذا أجرينا اليوم مقارنة بين ما كان يقوم به ساسون وبين ما يقوم به معظم الإعلام العربي من تسويق مباشر للجرائم الصهيونية بحق شعوبنا، سيتأكد عندنا بما لا مجال للشك فيه مدى الاختراق الصهيوني لمجتمعاتنا، بحيث جرت عملية غسل دماغ منظمة أدّت إلى ظهور مجموعات وأفراد يرون في محمود عباس أو أنطون لحد قدوتهم.

في التقرير الذي أرسله ساسون إلى موشيه شاريت في 2 تشرين الأول 1938، والذي يتحدّث فيه بالتفصيل عن الجهود التي بذلها في بيروت ودمشق للتأثير في مقررات المؤتمر البرلماني العربي يقول:

«في بيروت التقيتُ خير الدين الأحدب عدّةَ مرات، وإلياس حرفوش (مدير تحرير «الحديث») ثلاثَ مرات، وسمعان فرح سيف (مدير تحرير «الأحوال») عدّةَ مرات، وأسعد عقل (مدير تحرير «البيرق») مرّةً واحدة.
وفي دمشق التقيتُ نَسيب البَكري ثلاثَ مرات، ورفيقي توفيق جانا (مدير تحرير «الاستقلال») مرّةً واحدة. وكنتُ على وشكِ لقاءِ لطفي الحَفّار (وزير الماليّة السوريّ) بناءً على دعوتِه، لكنَّ قِصرَ الوقتِ أجّل اللقاءَ معه إلى ما بعد عودتي من مصر. تناولتُ قضايا المؤتمر البرلمانيّ العربيّ مع الجميع.

بمساعدة خير الدين الأحدب نجحتُ في التأثير على موسى نَمّور، الذي كان مُرشّحاً لرئاسةِ الوفدِ اللبنانيّ، ليتنحّى عن المشاركةِ في المؤتمر. وبمساعدة إلياس حرفوش، نجحتُ أيضاً في التأثير على النائبينِ المارونيَّينِ الآخرين، الشيخ فريد الخازن وأيّوب كنعان، ليُقدِما هما أيضاً على الانسحاب. وبمساعدة سمعان سيف، تمكّنتُ من الاتصالِ بالنائبِ المسيحيّ خليل أبو جودة، الذي كان من المقرّر أن يُشاركَ في المؤتمر، وقد حدّدتُ معه موعدَ لقاءٍ في القاهرة.

خلال الأيّامِ الأربعةِ الماضية، نُشِرت في صحفِ بيروت («الحديث» و«الأحوال» و«الاتحاد» و«لسان الحال» و«صوت الأحرار») ثماني مقالاتٍ ضدَّ مشاركةِ النوّابِ اللبنانيّينَ في المؤتمرِ البرلماني العربي. وقد جاء في المقالات أنَّ النوّابَ يُشاركون في المؤتمرِ بصفتهم الشخصيّة، ولا يملكون أيَّ تفويضٍ للتحدّثِ باسم لبنان. وفي افتتاحيّةٍ مطوّلة، طالبت صحيفةُ «صوت الأحرار» المؤتمرَ باتّخاذِ قرارٍ يدعو إلى وقفِ الاضطراباتِ في أرضِ فلسطين، وإجراءِ مفاوضاتٍ بين الطرفين من أجل التوصّلِ إلى حلٍّ مُرضٍ للمسألةِ «الفلسطينيّة».

وبالفعل كنت قد طلبت من الراحل جان داية التفتيش عن مقالات ساسون الافتتاحية في الصحف التي أشار إليها، فأرسل لي صورة مقال بعنوان «قضية فلسطين بين التقرير والبلاغ – طلائع فكرة الاتحاد»، دعا فيه ساسون المجتمعين العرب في القاهرة إلى قبول فكرة تقسيم فلسطين التي وضعتها «لجنة ودهيد» الملكية البريطانية. ويختم مقاله بالقول «ونحن نأمل إذا عقد المؤتمر أن يتفق المؤتمرون على حل منبثق عن إرادة العرب أصحاب البيت، فتكون فلسطين دولة عربية لليهود فيها ما للعرب من الحقوق والواجبات ضمن الأنظمة والقوانين. وهذا الحل يضع حداً للاضطرابات والقلق ويعيد الطمأنينة إلى النفوس في القطر المجاور». («صوت الأحرار»، العدد 1527، تشرين الثاني 1938).

ومن ناحية أخرى، كان هاجس ساسون تثبيت فكرة حياد لبنان عن أحداث فلسطين، وهذا التوجّه لا يزال سائداً ويتكرر اليوم على ألسنة المتماهين مع الحركة الصهيونية ودورها التوسّعي في المنطقة. يتابع ساسون سرد نشاطاته في تقريره ويكتب الآتي:
«إلياس حرفوش وعدَ بزيارةِ إميل إدّه (رئيس الجمهوريّة اللبنانية) وأتيان كيفر (مدير الدائرة السياسيّة في المفوّضيّة الفرنسيّة العليا)، للتأثيرِ عليهما كي يُلمِّحا للنوّاب الذين يعتزمون المشاركةَ في المؤتمرِ بضرورةِ العدولِ عن ذلك، حفاظاً على حيادِ لبنان. كما وعد إلياس بنشر مقالينِ حادَّين خلال اليومين القادمين ضدَّ المؤتمرِ ونواياه، وضدَّ النوّابِ اللبنانيّين على وجه الخصوص».

ويتابع: «وبناءً على اقتراحي، زار عفيف الصلح المُفتي (الحاج أمين الحسيني) في قرنايل وسأله عن تعليماته بخصوص المؤتمر. قال المُفتي إنّه كان يرغبُ كثيراً في المشاركة، إلّا أنّ أصدقاءَه في المفوّضيّة الفرنسيّة العليا نصحوه بعدم مغادرة لبنان، خشيةَ أن يستغلَّ الإنكليز والصهاينةُ الفرصةَ ويضغطوا على فرنسا كي لا تسمحَ له بالعودة إلى أراضي الانتداب الفرنسيّ. وقد قدّم الفرنسيّون النصيحةَ نفسها لبقيّة المنفيّين من عربِ أرضِ فلسطين: عزّت دروزة، أكرم زعيتر، واصف كمال، إسحاق درويش، وآخرين».

ويضيف: «وبعد أن وجد نفسَه مضطرّاً إلى ذلك، قرّر المُفتي إرسال جمال الحُسيني فقط، ليكون مع عوني عبد الهادي مُمثّلَيْن عنه في المؤتمر. وكانت وصيّةُ المُفتي للنوّاب السوريّين (بحسب ما نقل عفيف) هي: تجنُّبُ أيّ نقاشٍ يتعلّق بالاضطراباتِ في أرضِ فلسطين، ومعارضةُ خطةِ التقسيمِ وإقامةِ دولةٍ يهوديّة، واعتمادُ قراراتٍ مشابهةٍ لتلك التي صدرت في مؤتمر بلودان.

وبناءً على اقتراحي، دعا نَسيب البَكري النوّابَ السوريّين المسافرين إلى القاهرة ثلاثَ مرّاتٍ للتشاورِ حول موقفِهم في المؤتمر. شارك عزّت دروزة في الاجتماعات الثلاثة، وتحدّث عن خطرِ الصهيونيّة وعن مطالب العرب. وفي الاجتماع الثالث، سلّم عزّت للحاضرين نسخاً من جميعِ المذكراتِ والاحتجاجاتِ والمطالب التي أرسلها عربُ أرضِ فلسطين في فتراتٍ مختلفةٍ إلى لندن وعصبة الأمم، وطلبَ منهم كذلك اتخاذَ قرارٍ يُضايقُ اليهودَ المقيمين في البلادِ العربيّة، ملاحظاً أنّ عدداً من زعماءِ الطوائفِ اليهوديّة في إنكلترا والولايات المتّحدة ومصر والعراق يؤيّدون الحلَّ الذي يقبله العرب.

وبمساعدة لُطفي الحفّار، تمكّنتُ من إلغاءِ سفرِ نبيه العَظمة، ورياض الصلح، ونجيب الريّس، وآخرين. يبلغ عددُ النوّابِ السوريّين المتوجّهين إلى القاهرة ثلاثةَ عشرَ نائباً، يرأسُهم رئيسُ مجلسِ النوّاب فارس الخوري. وبعدَ التحقيق، تبيّن لي أنَّ جميل مَردُم لم يُصدِر أيَّ تعليماتٍ تتعلّق بمشاركةِ سوريا في المؤتمر».

ويختم ساسون قائلاً: «وَعَدَني نَسيب البَكري بإثارةِ القضايا التي تهمّنا في المؤتمر، وهي: الوضعُ في سوريا، ووقفُ الاضطراباتِ في أرضِ فلسطين، وعقدُ مؤتمرِ مائدةٍ مستديرةٍ يُشاركُ فيه اليهود والعرب. كما وعدَ أن يُعارِضَ علناً أيَّ قرارٍ يُوجَّه ضدَّ يهودِ البلدانِ العربيّة. وأوضح أنّه سيسعى إلى الانضمامِ للّجنةِ السياسيّةِ للمؤتمر، وأنّه سيبقى على اتصالٍ دائمٍ بي طوالَ أيّامِ انعقاده، وسيُحاول ترتيبَ لقاءاتٍ خاصّةٍ لنا مع رئيس الوزراء المصريّ، وأفراد من البلاط الملكيّ، ورئيس حزب الوفد مصطفى النَّحاس باشا، وآخرين. وعند الحاجة، سيلتقيني ببعضِ أعضاءِ الوفود لتوضيحِ وجهةِ نظرِ الصهيونيّين في المواضيعِ التي ستُناقَش في المؤتمر».

التقرير واضح ولا ضرورة للإسهاب في التعليق عليه. أمثال لطفي الحفار من الصهاينة العرب والصحافيين الذين ذُكرت أسماؤهم يتصدّرون المشهد حالياً. في السابق كانت الخيانة في السرّ، لكنها أصبحت في العلن هذه الأيام!
* كاتب لبناني

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة