قدّم رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، رونين بار، اليوم الإثنين، إفادتين خطيتين إلى المحكمة الإسرائيلية العليا، إحداهما سرية، في إطار الالتماسات ضد قرار الحكومة الإسرائيلية بإقالته، كاشفًا فيهما عن سلسلة من الضغوط التي مارسها عليه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ومشيرًا إلى نيته إعلان استقالته قريبا.
وجاءت الإفادة قبل لحظات من انتهاء المهلة القضائية التي حددتها المحكمة، وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، أن الإفادة السرية التي قدمها بار لقضاة المحكمة، تتضمن 31 صفحة و5 ملاحق، بما في ذلك التواريخ والمحاضر.
وقال “بار”، إن “نتنياهو” عبّر بشكل واضح عن رغبته في أن يعمل الشاباك على مراقبة المتظاهرين، بل وطلب منه تزويد الجهات المختصة بمعلومات مفصلة عنهم، وخصوصاً أولئك الذين تابعوا تحركات الشخصيات التي تتمتع بحماية أمنية.
وأضاف أن “نتنياهو” شدد على ضرورة تتبع من وصفهم بـ”مموّلي الاحتجاجات”، في محاولة لرصد الجهات التي تقف خلف موجة الغضب الشعبي المتصاعدة.
وخلال نقاش دار بينهما بشأن احتمال وقوع أزمة دستورية، أبلغ “نتنياهو”، رئيس “الشاباك” أن عليه الالتزام بتعليماته، حتى لو تعارضت مع قرارات المحكمة العليا. وفق إفادة الأخير.
وكشف عن شبهات خطيرة طاولت موظفين في مكتب “نتنياهو”، تتعلق بالإضرار بأمن “الدولة”، وتخريب مفاوضات تبادل الأسرى، وتقويض العلاقات الأمنية الحساسة مع مصر.
واعتبر “بار” أن توقيت إقالته، في خضمّ هذه التحقيقات، يحمل رسالة مقلقة إلى المؤسستين الأمنية والقضائية لدى الاحتلال.
وعبّر عن استغرابه من قرار استبعاده من فريق التفاوض بشأن الأسرى بغزة، في وقت وصفه بـ”الحساس”، حيث كانت المرحلة الأولى من الاتفاق قد انطلقت، وكان يُفترض الشروع بالمرحلة الثانية.
ووصف هذا القرار بأنه “لم يكن مهنيًا”، بل يكشف عن دوافع خفية غير مرتبطة بمصلحة عامة.
وعن ذريعة “فقدان الثقة” التي استند إليها “نتنياهو” لتبرير قرار إقالة “بار”، أكد الأخير أنه لم يتلقَ أي إشعار سابق بهذا الخصوص، ولم يُقدَّم له أي توضيح رسمي بهذا الشأن حتى لحظة إعلامه بالقرار، واصفًا ما جرى بأنه “تلاعب بالروايات الحكومية” بشأن توقيت تدهور الثقة المزعومة.
كما نفى “بار” بشدة الاتهامات التي وُجهت إلى “الشاباك” بالتقصير أو امتلاك معلومات مسبقة حول عملية 7 أكتوبر/ تشرين أول 2023 (طوفان الأقصى)، معتبرًا إياها “تحريض ممنهج وأكاذيب”.
وبحسب إفادة رئيس الشاباك، فإنه وجّه تحذيرًا صريحًا إلى “نتنياهو” في تموز/ يوليو 2023 بشأن خطورة الوضع الأمني، مشيرًا إلى أن الجهاز أطلق أول إنذار ليلة العملية، لكنه أُسيء تفسير طبيعة التهديد.
ولفت أنّه تم تعميم إنذار أمني عند الساعة الثالثة فجرًا يُحذر من استعدادات هجومية محتملة لحماس، لكن هذا التقدير لم يُؤخذ على محمل الجدية الكافية.
وأضاف أنه وصل شخصيًا إلى مقر “الشاباك” عند الرابعة والنصف فجرًا، وأمر بإبلاغ “نتنياهو” بتقييم الوضع على الفور، مؤكدًا أن الجهاز لم يُخفِ شيئًا عن بقية الأذرع الأمنية أو عن نتنياهو.
واستنادًا لما جاء في إفادة “بار” فإن ما يجري حاليًا ليس سوى محاولة لتضليل الرأي العام وصرف الانتباه عن جوهر الفشل.
وفي ختام إفادته، أبلغ “بار” القضاة أنه سيُعلن قريباً عن موعد إنهاء مهامه رسميًا، معتبرًا سبب إقالته من منصبه هو “توقعات بولاء شخصي من جانبي لرئيس الحكومة”، محذرًا من أن قيام “نتنياهو” بتعيين رئيس “الشاباك” القادم، “يشكل خطرا حقيقيا على إسرائيل وجميع مواطنيها”.
وفي 16 مارس/ آذار الماضي، قرر رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إقالة رونين بار من منصب رئيس جهاز الشاباك، بعد الخلافات بينهما بشأن نتائج التحقيق في أحداث 7 أكتوبر 2023، لكن المحكمة العليا في “إسرائيل” جمّدت القرار، ليتحول إلى موضوع جدل سياسي وقانوني.
وأحدثت إفادة بار للمحكمة العليا تفاعلات واسعة من جانب مختلف الأوساط السياسية في دولة الاحتلال.
وفي أول تعقيب له على الإفادة، قال مكتب نتنياهو في تعليق مقتضب، إن “بار قدم إفادة كاذبة للمحكمة العليا، سيتم دحضها بالتفصيل في المستقبل القريب”.
من جانبها، وصفت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية تصريحات بار بأنها “قنبلة قضائية”.
أما زعيم المعارضة يائير لابيد فقال إن إفادة رئيس الشاباك “تثبت أن نتنياهو يشكل خطرا على “أمن إسرائيل” ولا يمكنه الاستمرار في منصبه كرئيس حكومة”.
وأضاف أن نتنياهو حاول استخدام “الشاباك” للتجسس على الإسرائيليين، “لتقويض الديمقراطية ودفن تحقيق “قطر غيت”.
وحذر من أن قيام نتنياهو بتعيين رئيس الشاباك القادم، “يشكل خطرا حقيقيا على إسرائيل وجميع مواطنيها”.
بدوره، عقب زعيم حزب “الديمقراطيين الإسرائيليين” والنائب السابق لرئيس أركان جيش الاحتلال يائير جولان، على تصريحات بار قائلا: “إفادة رئيس الشاباك ليست مجرّد تحذير آخر، بل لائحة اتهام خطيرة وصفّارة إنذار”.
وأضاف: “نتنياهو طلب من رئيس الشاباك الولاء الشخصي له واستخدام جهاز الأمن السري ضد الإسرائيليين والكذب على المحكمة العليا”.
يُذكر أنّ المحكمة العليا الإسرائيلية دعت في 9 أبريل/ نيسان الجاري الحكومة والمدعية العامة إلى التوصل لحل وسط، بشأن إقالة رئيس الشاباك بعد عيد الفصح العبري.