آخر الأخبار

مقال: حين تُطارد المقاومة في العواصم العربية

6ba57734-e334-45a1-9e1f-11126c35ace7

مازن كريّم – خاص

في زمن تنقلب فيه الموازين، وتبهت فيه الثوابت، لم يعد غريبًا أن ترى المقاوم مطاردًا، لا من جنود الاحتلال، بل من أجهزة أمنية في عواصم قيل يومًا إنها الحاضنة للمقاومة.

ففصائل المقاومة الفلسطينية، التي ما توقفت يومًا عن رفع بندقيتها في وجه الاحتلال، تجد نفسها مضطرة اليوم لتوجيه نداءات استغاثة، لا إلى المجتمع الدولي، بل إلى “الأشقاء” في دمشق وعمّان.

حركة “الجهاد الإسلامي” تناشد سوريا الإفراج عن قادة من خيرة أبنائها، أحدهم مسؤول الساحة السورية، وحماس تطالب الأردن بإنهاء اعتقال شبّان أردنيين لم يكن ذنبهم إلا أنهم أرادوا نصرة غزة، فزُج بهم في السجون.

واقع يشي بانقلاب في الأولويات

المفارقة المؤلمة لا تكمن فقط في الاعتقال، بل في التوقيت ففي ظل عدوان غير مسبوق على غزة، تخوض فيه المقاومة معركة استنزاف ضد آلة الحرب الإسرائيلية، تُضطر فصائلها إلى التفرغ للدفاع عن كوادرها في دول يُفترض بها أن تكون سندًا، بدل أن تُفتح الحدود للمساعدة، تُغلق الأبواب أمام حتى الصوت، والهتاف، والحلم.

التوقيت والدلالة السياسية

وفي هذا السياق، يرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني محمد أبو ليلى، أن “توقيت الاعتقالات يحمل دلالة سياسية واضحة، خصوصًا أنه يتزامن مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، والذي يلقى رفضًا شعبيًا عربيًا واسعًا، وبالتالي، فإن ملاحقة مناصرين للمقاومة في هذا الظرف لا ينسجم مع المزاج الشعبي المتضامن، ويبدو كخطوة معاكسة للتيار الأخلاقي العام، بل وربما تُفهم كاستجابة غير مباشرة لضغوط خارجية”.

ويشير أبو ليلى في حديث خاص إلى أنّ “فصائل المقاومة تعاملت مع هذا الملف بحذر بالغ، من خلال استخدام لغة “العتب الأخوي” في بياناتها، كما فعلت كل من حركة حماس والجهاد الإسلامي، وهو ما يعكس حرص هذه الفصائل على الحفاظ على الحد الأدنى من العلاقة مع هذه الدول، دون أن تتنازل عن موقفها الأخلاقي تجاه مؤيديها”.

وأشار إلى أن”الرسائل الإعلامية التي تم اختيارها بعناية، تهدف إلى الضغط غير المباشر مستفيدة من الزخم الشعبي مع غزة”.

البعد الأمني والتداخلات السياسية

ورغم احتمال وجود خلفيات أمنية لبعض حالات الاعتقال، مثل تصنيع معدات عسكرية، إلا أن أبو ليلى يؤكد أن القضايا المتعلقة بالمقاومة غالبًا ما تُعالج من خلال المقاربة السياسية لا الأمنية، ويضيف أن بعض الأنظمة ترى في أي نشاط خارج الحدود تهديدًا لسيادتها، خاصة حين يتقاطع مع توازناتها الإقليمية أو التزاماتها الدولية، لا سيما تلك المرتبطة بالإدارة الأمريكية وحمايتها المطلقة للكيان الصهيوني”.

تداعيات على العلاقة مع الفصائل

ويرجّح المحلل أن “هذه السياسات ستؤدي إلى اتساع الفجوة بين الفصائل الفلسطينية وبعض الحكومات العربية، وتعمّق من انعدام الثقة، ويذكّر بأن الفصائل كانت تاريخيًا تحرص على إبقاء قنوات التواصل مفتوحة، لكن استمرار الاعتقالات قد يكون مؤشرًا على تغير البيئة السياسية والأمنية، وهو ما يستوجب إعادة تقييم للعلاقات والتحركات”.

الشارع العربي والموقف الرسمي

وفي ختام تحليله، يؤكد الكاتب أن “الفجوة بين الموقف الرسمي والشارع العربي باتت أكثر وضوحًا، خاصة مع ما وصفه بـ”الحياد البارد” أو حتى “التطبيع العلني” في بعض الدول”.

وأضاف أن “اعتقال مناصر للمقاومة يُنظر إليه كتناقض صريح مع الخطاب العربي الموروث حول دعم فلسطين، ما يغذي مشاعر الغضب والإحباط، والتي قد تتحول يومًا ما إلى موجات احتجاج واسعة ضد تلك الأنظمة التي تخاذلت في لحظة الحقيقة”.

من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني من شمال قطاع غزة، حسن القانوع، أن ما جرى “يبعث على الاستغراب والأسى، بل ويثير تساؤلات عميقة حول أولويات هذه الحكومات”.

وأضاف القانوع في تصريح خاص أنه “في وقتٍ يُنتظر فيه أن تتسابق العواصم العربية والإسلامية لدعم غزة، يفاجَأ الشارع العربي بإجراءات تُضيّق على من يحمل همّ فلسطين ويدافع عن شرفها”.

ويضيف: “هل يُعقل أن يُعتقل من يقف في خندق فلسطين، بينما العدو يمعن في القتل والتدمير؟ هل أصبح دعم المقاومة تهمة يُعاقب عليها، بدل أن يكون وسام شرف؟”.

رسالة إلى الحكومات: أطلقوا سراح الأحرار

ووجّه القانوع نداءً صريحًا إلى الحكومات المعنية بإعادة النظر في هذه السياسات، معتبراً أن “استمرار هذه الإجراءات، في ظل العدوان، “يمثل إساءة مباشرة لتضحيات الشهداء والمجاهدين”، وانحرافًا خطيرًا عن المسار الطبيعي الذي يُفترض أن تنحاز فيه الأمة إلى المقاومة لا ضدها”.

وتابع قائلاً إنّ “المطلوب من الحكومات فتح السجون لا لإدخال المقاومين، بل لتحريرهم وتمكينهم من أداء واجبهم، لا سيما في هذه اللحظة التي تستصرخ فيها غزة الضمير العربي: هل من مغيث؟”.

مخاطر الانفصال عن الشارع العربي

ويحذر المحلل من أن “هذه الإجراءات، في حال استمرارها، ستعمّق فجوة الثقة بين الشارع والحكومات، وستُغذي مشاعر السخط والإحباط، وقد تتحول في لحظة ما إلى انفجار سياسي وشعبي، خاصة وأن الشعوب لا تنسى من خذلوا فلسطين”.

ويختم قائلاً: “فلسطين لا تحتاج الآن إلى شعارات، بل إلى حماية فعلية لأبنائها ومناصريها، والتاريخ لا يرحم من خذلها، كما أن الشعوب لا تغفر لمن وقف ضد أحرارها”.

وفي وقت يستعر فيه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أطلقت حركتا “حماس” و”الجهاد الإسلامي” مناشدات إلى حكومتي الأردن وسوريا تطالبان فيها بالإفراج عن مناصرين وقياديين تم اعتقالهم مؤخرًا، في خطوة وصفت بأنها لا تنسجم مع نبض الشارع العربي المتضامن مع القضية الفلسطينية.

ففي الأردن، دعت حركة حماس السلطات إلى الإفراج عن 16 شابًا اعتُقلوا قبل أسبوع بتهمة تصنيع صواريخ ومسيّرات، مؤكدة أنهم تحركوا بدافع نصرة فلسطين وليس بهدف المسّ بأمن الأردن، وشددت في بيانها على أن هذه المبادرات تعكس ضمير الأمة وتلاحمها التاريخي في الدفاع عن القضية الفلسطينية.

أما في سوريا، فقد ناشدت سرايا القدس – الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي – الحكومة السورية الإفراج عن اثنين من قادتها، هما خالد خالد وياسر الزفري، اللذان تم اعتقالهما قبل أيام دون توضيح رسمي للأسباب.

وأعربت الحركة عن أسفها للطريقة التي تم بها الاعتقال، مؤكدة أن سلاحها لم يوجه يومًا إلا نحو العدو الإسرائيلي، وداعية دمشق إلى إثبات موقفها القومي بالإفراج عن القياديين.

وتأتي هذه النداءات في ظل تصاعد الغضب الشعبي العربي تجاه المواقف الرسمية التي تُنظر إليها على أنها لا تواكب حجم المجازر المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني في غزة، في حين تؤكد الفصائل أن المستهدفين هم من خيرة مناصريها، ولم يشكلوا تهديدًا لأي دولة عربية.

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة