أحمد الصباهي
بعد أن وضعت الحرب أوزارها في لبنان، عاد الحديث عن سحب سلاح حزب الله وسلاح المخيمات الفلسطينية. صحيح أن الأمر ليس جديداً، لكن توقيته الآن، في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، يبدو مريباً، تحديداً وأن هذه المتغيرات، تترافق مع حملات إعلامية عربية وغربية، تحمِّل المقاومة الفلسطينية واللبنانية مسؤولية الحرب والدمار اللذين أصابا لبنان وغزة؛ أي إن الاشتباك أو «التحرّش» بالاحتلال، مع فارق القوة، يؤدّي إلى ما آلت إليه الأمور.
تشدّد وإغلاقات
لاحظ اللاجئون في مخيم عين الحلوة، أن إجراءات جديدة بدأ الجيش اللبناني يتخذها في مداخل المخيم، منها التشديد والتدقيق أثناء عملية التفتيش التي تحدث عادة. الأمر الذي يؤدي حالياً إلى ازدحام على الحواجز في المداخل.
أيضاً في مخيم البداوي، قام الجيش اللبناني بإغلاق نحو 22 مدخلاً فرعياً للمخيم، ليبقي على مدخلين فقط، هما الشمالي والجنوبي، مع وجود حاجزين عسكريين للجيش، كما كانا من قبل.
يأتي الإجراء الأخير، بحسب معلومات، بالتنسيق بين السفارة الفلسطينية في لبنان والدولة اللبنانية. وبحسب متابعين، فإن إغلاق المداخل متفق عليه منذ عامين بين الجانبين، إلا إن الحرب في غزة أخّرت تنفيذه.
فلسطينيو لبنان
في الشهر القادم، يكون قد مرّ على لجوء نحو 110 آلاف فلسطيني إلى لبنان نحو 76 عاماً، ازداد عددهم إلى نحو 493 ألف لاجئ مسجّل لدى «الأونروا»، منهم 195 ألف لاجئ تقريباً مقيم في لبنان (بحسب مديرة «الأونروا» في لبنان)، والبقية في دول المهجر. هؤلاء يختصر وجودهم لدى البعض في لبنان، بعنوان أمني عسكري.
والبعض ينظر إلى الملف من جانب حقوقي إنساني. أمّا في الواقع، فقضيتهم سياسية قانونية لها علاقة بحق العودة إلى بلادهم، وريثما تتحقق العودة، فقضيتهم أيضاً حقوقية لها علاقة بالحرمان من الحقوق المدنية كالعمل والتملّك.
أمّا اختصار الوجود الفلسطيني في لبنان بالأمن والسلاح، فهو غير صائب. وموضوع سلاح المخيمات مرتبط بظروف سياسية مرّت على الفلسطينيين، وهي جزء من كل، ويمكن معالجتها ومعالجته.
«دور» السلطة الفلسطينية
وفي هذا الإطار، تبرز هواجس عديدة، لا تتعلق بسلاح المقاومة فحسب، وهو مطلب إسرائيلي أميركي في لبنان وغزة. بل ترتبط بأجندة السلطة في رام الله، بما يتعلق بالفلسطينيين في لبنان، تحديداً وأن «السلطة» ترى في المتغيرات التي حدثت في المنطقة، وفي لبنان خاصة، فرصة للإمساك بورقة المخيمات للاستئثار بالقرار الفلسطيني في الخارج، ولا سيما في حال حدوث تسوية ما.
ما يعزز هذه الهواجس معلومات عن زيارة قام بها رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج الشهر الماضي، وبحسب المعلومات، طُلب من السلطات اللبنانية تسلّم المهام الأمنية في المخيمات.
من جهة أخرى، تنظر بعض الفصائل إلى تعيين السفير رامز دمشقية تحت مسمى رئيس «فريق العمل اللبناني المكلّف بمعالجة قضايا اللاجئين الفلسطينيين في لبنان»، وإسقاط التسمية السابقة كرئيس «لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني»، أنه أعطى انطباعاً وكأن القرارات ستسقط على الفلسطينيين.
هذا ربما ما ستثبت الأيام صحته من عدمها، وإن كان قد جرى اجتماع في السراي الحكومي مع هيئة العمل الفلسطيني المشترك، مع دمشقية، وُصف بالإيجابي، إلا أنه كان «استكشافياً».
وترى مصادر في فصائل «تحالف القوى الفلسطينية» (فصائل خارج منظمة التحرير)، أن العلاقة بين الفلسطينيين والحكومة اللبنانية جيدة بناءً على الحوارات السابقة، تبدأ من «وثيقة الاستراتيجية الوطنية لمعالجة الملف الفلسطيني في لبنان 2022 – 2024»، وليس انتهاءً بمقترحات تمّ التوافق عليها سابقاً، في حوارات مع رئيس لجنة الحوار السابق باسل الحسن، والتي يمكن البناء عليها للمرحلة المقبلة.
ويجب أن لا تكون «الأونروا» بعيدة عن النقاشات المطلوبة لجهة حفظ حقوق اللاجئين، والحرص على عدم إنهاء دورها بضغوط أميركية. وهذا الأمر حتى يحقق هدفه المنشود، يجب أن يتم عبر «هيئة العمل الفلسطيني المشترك» التي تضم الفصائل كافة، وليس فقط عبر البوابة الأمنية مع مخابرات السلطة الفلسطينية، أو سفارتها في لبنان.
بناءً عليه، يمكن التوافق على مخرجات تراعي متطلبات الوضع اللبناني والفلسطيني كسلة واحدة، خصوصاً أن الفصائل لمست في خطاب القسم لرئيس الجمهورية جوزاف عون إشارات إيجابية تجاه الوضع الفلسطيني.
تنظيم السلاح ممكن
أمّا في ما يخص السلاح، فإنه وبالنظر إلى المخاطر المحدقة بلبنان، وبحسب مصادر «التحالف»، فإن تنظيم السلاح الفلسطيني ممكن، بالاتفاق مع الحكومة اللبنانية، وإن تسليم السلاح في ظل التهديدات الإسرائيلية للبنان، لا يستثني المخيمات الفلسطينية، وبالتالي فإن الأولوية هي الاتفاق على المصالح اللبنانية الفلسطينية بما يضمن أمن المخيمات من أي مخاطر، خصوصاً أن الفلسطينيين في لبنان عانوا من مجازر وحروب.
يواجه لبنان ظروفاً صعبة، منها وجود أجندة أميركية، تجري محاولات لفرضها على البلاد، والاعتداءات الإسرائيلية شبه اليومية في سياق الهيمنة الكاملة على لبنان، وصولاً إلى نزع سلاح حزب الله، وأي سلاح آخر في البلاد يهددها.
وفي سبيل كل ذلك، تضغط أميركا وإسرائيل، وتمنعان إعمار ما دمّرته الحرب، عبر «حصار» سياسي ومالي، لإرغام الحزب على القبول بشروط عدة، بسبب الضغط الاجتماعي والسياسي الداخلي. وعلى الصعيد الفلسطيني، فإن المحاولات الإسرائيلية لإنهاء «الأونروا» ستشجّع أصواتاً لبنانية، لفتح الحديث مجدّداً عن رفض توطين الفلسطينيين في لبنان، علماً أن لا أحد من القوى الفلسطينية يسعى وراء هذا الأمر.
في ظل هذه الأوضاع والظروف الصعبة، المخاوف تتزايد من احتمال حدوث مكروه ما في البلاد، وأمام ذلك، يسأل الفلسطينيون عن مصيرهم، وعن احتمالات وقوع انتهاكات بحقهم، في محاكاة لحوادث كبرى حدثت أكثر من مرة لهم في العقود الأخيرة في لبنان. لذا يضعون أمانهم وحمايتهم سؤالاً موجّهاً للجميع، للدولة اللبنانية والسلطة الفلسطينية، وباقي الفصائل والأحزاب في لبنان.
* إعلامي فلسطيني