آخر الأخبار

أشلاء على أبواب التكايا.. العدوان يتتبع منافذ الحياة في غزة

PHOTO-2024-01-16-09-23-46-730x438-1

في كل ليلة تنتظر الأمهات انقضاء ساعات الليل التي لا يخترق صمتها إلا أصوات الصواريخ التي تقصف النازحين دون رحمة، أو بكاء الأطفال الذين يتضوّرون جوعًا ولا يجدون إلا بث الشكوى لأمهاتهم العاجزات عن إطعامهم، وتبيت الأم على أمل أن تطرق باب أحد مراكز الإطعام أو التكايا الخيرية بعد أن تشرق الشمس، فتمضي بجسد هزيل تصارع الجوع بآنية فارغة لعلها تعود بها ملأى، ولا تدري المصير الذي ينتظر سعيها.. هل تجد شيئًا من الطعام أم يباغتها صاروخ يُنهي حياتها ويُبقي أطفالها بلا طعام ولا حتى أم تواسيهم؟!.

ففي قطاع غزة لم يعد حتى الفتات متاحًا للمحاصَرين الجوعى، ولم يعد هناك من سبيل يُبقون به على حياتهم ولو بالقليل من بقايا الطعام؛ فعلى أبواب المعابر تتكدس الشاحنات بأطنان الطعام الذي كاد أن يتعفن بعد شهور من منع الاحتلال السماح بدخوله إلى القطاع، وأما في الداخل فتتبقى بعض المحاولات العسيرة من خلال مراكز توزيع الأطعمة المخزنة، وتكايا الخير التي تقدم ما تستطيع للجوعى، إلا أن ذلك لم يشبع سادية الاحتلال فعمد إلى استهداف تلك المراكز والتكايا.

ومنذ استئناف الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة في الثامن عشر من مارس/آذار الماضي، كثّفت الطائرات الحربية قصفها على مراكز الإطعام والتكايا الخيرية، مستهدفة حتى من تراهم عائدين بأكياس الطحين، لتجعل من رحلة البحث عن الطعام مغامرة بالروح، واختيارًا بين الموت قتلا أو جوعًا.

قصف 68 مركزًا وتكية

وفي بيان له أمس السبت، قال المكتب الإعلامي الحكومي إن عدد مراكز وتكايا توزيع الطعام التي استهدفها الاحتلال الإسرائيلي ارتفع إلى 68 مركزًا ضمن سياسته الممنهجة لتجويع المدنيين في قطاع غزة.

وأوضح المكتب في بيان صحفي، أن جيش الاحتلال قصف أمس السبت مستودعًا لتوزيع المساعدات الغذائية في منطقة دير البلح وسط قطاع غزة، ما أدى إلى استشهاد خمسة مواطنين ووقوع عدد كبير من الإصابات في صفوف المدنيين الأبرياء الذين تجمعوا لتلقي ما يسد رمقهم من مساعدات إنسانية في ظل المجاعة التي تضرب محافظات قطاع غزة.

وأفاد المكتب بأن عدد المطابخ الميداني التي استهدفت منذ بداية حرب الإبادة الجماعية بلغ 68 مركزًا وتكية، منها: 39 مركزًا لتوزيع الغذاء والمساعدات، و29 تكية طعام تقدم وجبات يومية للمحتاجين والجوعى.

وشدد البيان على أن سلوك الاحتلال الإجرامي بتعمده استهداف منشآت الإغاثة والتكافل الاجتماعي، “يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الاحتلال يستخدم الغذاء كسلاح حرب، في انتهاك صارخ لكافة القوانين الدولية، وعلى رأسها اتفاقيات جنيف التي تحظر استهداف المرافق الإنسانية والمدنيين تحت أي ظرف”.

وأضاف الإعلامي الحكومي: “في الوقت الذي ندين فيه بأشد العبارات هذه الجرائم، وفي الوقت الذي نحمل فيه الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن هذه الجرائم البشعة، نطالب المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وكافة الهيئات الإنسانية والحقوقية، بضرورة التحرك العاجل والفوري والفاعل لوقف هذه المجازر الوحشية، وتوفير الحماية لمراكز توزيع الغذاء، وفتح المعابر وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون استهداف أو عرقلة”.

طوابير الموت

وينقل المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عن نازحين قولهم إن طائرة مسيرة إسرائيلية هاجمت خيمة للنازحين داخل مخيم الأمل بالعودة في مواصي غربي خان يونس، بالتزامن مع تجمع العديد من المواطنين في طابور للحصول على الطعام من تكية القلوب الرحيمة المجاورة، ما أسفر عن استشهاد 7 مواطنين، منهم 4 من سكان الخيمة هم شقيقان، وزوجة أحدهما وطفلته، و3 من المصطفين للحصول على الطعام، بينهم طفلان، وإصابة 25 آخرين بينهم صاحب التكية وعدد من العاملين فيها، والمصطفين للحصول على الطعام. وفي صباح اليوم التالي أعلنت المصادر الطبية في مجمع ناصر الطبي بخانيونس عن وفاة ثلاثة من المصابين متأثرين بجراحهم التي أصيبوا بها في القصف.

ويروي المركز عن صاحب التكية محمد جمعة محمد يحيي (40 عامًا) إفادته بأنه: “بينما كنا نستعد وأثناء لتوزيع الطعام للنازحين الذين كانوا يصطفون في انتظار الحصول على طعام، فجأة سمعت صوت انفجارين قويان جدًّا، وانتشر دخان وغبار في المنطقة وشاهدت في أعقاب ذلك عمال التكية ملقيين على الأرض، وشعرت بألم بقدمي اليمنى فنظرت إلى مكان الألم فشاهدت قدمي تنزف دمًا، فأدركت أنني اصبت، وكان عدد كبير من الناس ملقى على الأرض منهم النساء والأطفال”.

وتابع جمعة: “استشهد عدد من المواطنين وأصيب آخرون من سكان الخيمة والعمال في التكية والمصطفون للحصول على الطعام، وعندما عدت للتكية، وجدت بعض الأضرار فيها، منها أضرار في خزانات المياه وتلف وعطب في القدور المستخدمة بالطهي وعددها 6، وأضرار في الأدوات المستخدمة بالطهي”.

يأتي استهداف التكايا ومراكز الإطعام ضمن مخطط شامل لتهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة، وذلك باستهداف كل مناحي الحياة فيه وتحويله إلى مكان غير قابل لصمود أهله، وفي القلب من هذه أدوات هذه المخطط حرب التجويع بإغلاق المعابر ومنع إدخال المساعدات واستهداف كل ما يمكن أن يسهم في تخفيف آثار الجوع على سكان القطاع.

“أوضاع شاذّة”

بدوره طالب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بسرعة إدخال المساعدات إلى قطاع غزة لأن الوضع “بات الآن شاذًّا بشكل مروع”، كما طالبت 7 دول أوروبية إسرائيل برفع الحصار عن القطاع وإنهاء الإبادة بغزة.

حيث قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، في بيان له يوم الجمعة الماضي، إن هناك زيادة كبيرة في الهجمات الإسرائيلية وفي عدد القتلى في غزة هذا الأسبوع، مضيفًا أن الهجمات الإسرائيلية المكثفة أدت إلى تفاقم الوضع الإنساني السيئ أصلًا، ودعا إلى اتخاذ إجراءات عالمية لمنع وقوع مزيد من الضحايا.

وقال تورك إن الجوع الناجم عن الحصار الإسرائيلي يتفاقم، مشددًا على أنه “يجب إيقاف هذا الجنون”.

وأكد أنه لا ينبغي إضاعة الوقت في مناقشة مقترح بديل تدعمه الولايات المتحدة لدخول المساعدات إلى غزة، مشيرا إلى أن الأمم المتحدة لديها خطة جديرة بالثقة و160 ألف منصة متحركة جاهزة لدخول القطاع الفلسطيني الآن.

وعن موقف الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة، قال تورك: “إلى من يقترحون وسيلة بديلة لتوزيع المساعدات، دعونا لا نضيع الوقت فلدينا بالفعل خطة في هذا الصدد”.

كما ذكر تورك أن التهديدات بشن هجمات مكثفة والتدمير المنهجي للمباني بأكملها وتهجير السكان وحرمانهم من المساعدات الإنسانية؛ كل ذلك يشير إلى الدفع نحو التغيير الديمغرافي الدائم في غزة، وهو ما يتعارض مع القانون الدولي ويعادل التطهير العرقي.

مطالب أوروبية برفع الحصار

على الصعيد ذاته، طالب قادة 7 دول أوروبية، أمس الجمعة، إسرائيل بالتفاوض بحسن نية لإنهاء حرب الإبادة التي تُشنّ على قطاع غزة منذ نحو 20 شهرا، ورفع الحصار عن القطاع.

جاء ذلك في بيان مشترك لقادة إسبانيا والنرويج وآيسلندا وأيرلندا ولوكسمبورغ ومالطا وسلوفينيا، أعلنوا خلاله رفضهم لأي خطط للتهجير القسري من القطاع أو إحداث تغيير ديمغرافي.

وقال القادة الأوروبيون السبعة في بيانهم المشترك “لن نصمت أمام الكارثة الإنسانية المصنوعة بأيدي البشر، والتي تجري أمام أعيننا في غزة”.

وحذروا من أن “كثيرين آخرين قد يتعرضون للموت جوعا في الأيام والأسابيع القادمة ما لم تُتخذ إجراءات فورية”، ودعوا “حكومة إسرائيل إلى التراجع الفوري عن سياساتها الحالية، والامتناع عن تنفيذ عمليات عسكرية إضافية في غزة”.

كما طلبوا من تل أبيب “رفع الحصار بالكامل عن غزة، بما يضمن إيصال المساعدات الإنسانية بشكل آمن وسريع ومن دون عوائق إلى جميع أنحاء القطاع، من قبل الجهات الإنسانية الدولية ووفقا للمبادئ الإنسانية”.

وشددوا على “ضرورة دعم الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، بما في ذلك وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وضمان وصولها الآمن وغير المقيد” إلى المحتاجين في غزة.

 

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة