أجرى الحوار: عصام الحلبي
من مخيم عين الحلوة جنوب لبنان، تروي صبحية كريم، اللاجئة الفلسطينية من بلدة صفورية قضاء الناصرة في فلسطين المحتلة، حكاية امرأة جعلت من التطريز الفلسطيني وسيلة مقاومة للاحتلال، ومن الخيط والإبرة سلاحًا في وجه النسيان والتهويد. لم ترَ فلسطين يومًا، لكنها عانقتها في كل لوحة مطرزة، وورّثت عشقها للأرض من اجدادها وعائلتها وجسدته من خلال الفن واحيتء التراث واتقان فن التطريز.
س: بدايةً، من هي صبحية كريم؟
ج: أنا لاجئة فلسطينية من بلدة صفورية الواقعة في قضاء الناصرة داخل فلسطين المحتلة. وُلدت في لبنان، وتحديدًا في مخيم عين الحلوة، وأنا أم لعشرة أبناء. ورغم اللجوء، بقيت فلسطين حاضرة في وجداني، فتمسّكت بهويتي وتراثي منذ الصغر، واخترت أن أعبّر عنه بفن التطريز.
س: متى بدأتِ رحلتك مع التطريز؟ وكيف تعلّمتِ هذا الفن؟
ج: بدأت رحلتي مع التطريز عندما كنت في سن 16 عامًا. تعلمت من خلال الممارسة اليومية، وطوّرت مهاراتي حتى أتقنت هذا الفن. منذ عام 1970، أصبح التطريز ليس فقط مصدر دخل، بل طريقًا للحفاظ على هويتي الفلسطينية.
س: هل تطور الأمر لاحقًا إلى مشروع خاص بك؟
ج: نعم. أنشأت مشروعي الخاص تحت اسم “الأدهم للتراث الفلسطيني”. يعمل فيه حاليًا 6 فتيات. المشروع يهدف إلى تبسيط التراث وجعله أقرب للشباب، من خلال إنتاج قطع بسيطة مثل الأساور والعقود والمفاتيح واللوحات المطرزة. أردت أن يكون التراث الفلسطيني جزءًا من الحياة اليومية لكل فلسطيني، خاصة الشباب، ليبقوا يتحدثون عنه دائمًا.
ويبقى حاضرا في وجدانهم.
س: هل شاركتِ في معارض محلية أو دولية؟
ج: بالتأكيد. شاركت في العديد من المعارض داخل لبنان، في معظم المدن والمخيمات الفلسطينية، كما شاركت في معارض خارج لبنان، في مصر وسوريا والعراق وتركيا. هذه المشاركات كانت فرصة لعرض تراثنا أمام شعوب مختلفة، والتأكيد أن لنا ثقافة وهوية لا يمكن محوها.
س: هل استخدمتِ التطريز كوسيلة للتعبير عن عاداتنا وتقاليدنا الفلسطينية؟
ج: نعم، جسّدت عاداتنا وتقاليدنا من خلال لوحات مطرزة تعبّر عن تفاصيل حياتنا الفلسطينية، مثل العرس الفلسطيني وغيره من الطقوس الشعبية. أردت أن أقدّم صورة بصرية تُعبّر عن تراثنا وتاريخنا، وتُعيد إحياؤه في أذهان الناس.
س: كيف ترين دور التراث في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي؟
ج: الحفاظ على تراثنا، وتعليم النساء فن التطريز، هو شكل من أشكال المقاومة الثقافية. نحن لا نحمل
السلاح، لكننا نحمل ذاكرة شعب. الاحتلال الإسرائيلي يحاول سرقة تراثنا، ويقدّمه زورًا وبهتانًا على أنه تراثه. حين نحفظ تراثنا وننقله للأجيال، نفضح هذه السرقات ونؤكد على أن هذا التراث له صاحب أصيل، هو الشعب الفلسطيني.
س: كيف ساعدك هذا العمل على الصعيد الشخصي؟
ج: إضافة إلى حفظ الهوية، شكّل التطريز مصدر رزق لي ولعائلتي. في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي نعيشها في لبنان، وارتفاع الأسعار، أصبح هذا العمل وسيلة للعيش الكريم، خاصة للنساء اللواتي يرغبن بدعم أسرهن.
س: ما هي رسالتك للمرأة الفلسطينية؟
ج: أدعو كل امرأة فلسطينية إلى تعلم فن التطريز. هو ليس فقط للحفاظ على التراث، بل أيضًا ليكون لها دور اقتصادي فعّال. المرأة قادرة على أن تكون منتجة ومقاوِمة في آنٍ واحد، حتى وهي داخل بيتها.
س: أخيرًا، ماذا تقولين للأجيال الجديدة؟
ج: التراث هو الجسر الذي يربط بين الماضي والحاضر، ويعزز الانتماء. الحفاظ عليه مسؤولية جماعية. فلسطين ستبقى في وجداننا، ليس فقط بخريطتها، بل بكل قطعة تراث نحملها ونُورّثها. لن ننسى، ولن نسمح لأحد أن يسرق ذاكرتنا.