كان وقتا طويلاً وكأنه الدهر، انتظر فيه الفلسطينيون المعذبون في قطاع غزة الرازحون تحت إبادة متواصلة قاربت العامين، انتهاء المشاورات الداخلية لدى حركة حماس للرد على المقترح الأخير المقدم لها من الوسطاء.
في وقت متأخر مساء الجمعة، أصدرت حركة حماس بيانا، كشفت خلاله عن تسليمها ردا اتسم بالإيجابية للوسطاء، معربة عن استعدادها للبدء الفوري في مفاوضات تؤدي إلى تطبيق اتفاق تهدئة يوقف العدوان المتواصل على قطاع غزة ويغيث السكان الذين يعانون تحت وطأة المجاعة والقتل.
موقف الحركة الذي وضع بعض الملاحظات على المقترح لاقى ترحيبا شعبياً كبيراً، إضافة إلى تأييد فصائلي واسع، عبرت عنه الفصائل الفلسطينية في بيانات منفصلة نشرت على مدار يوم السبت المنصرم.
الموقف الأمريكي جاء متحفظا كثيراً على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الذي عبر عن استحسانه لرد حماس، معبراً عن أمله بالوصول إلى اتفاق خلال الأيام المقبلة، فيما رفض نتنياهو ملاحظات حماس، لكن ذلك لم يمنعه من إرسال وفد التفاوض إلى الدوحة لإجراء مفاوضات غير مباشرة مع حركة حماس لمناقشة التفاصيل والتوصل إلى اتفاق.
الغزيون وإن كانوا لا يرغبون أو بالأصح لم يعد لديهم القدرة على الدخول في تفاصيل المباحثات والمقترحات، إلا أنهم يتابعون التطورات أولاً بأول، ولا يريدون سمع أي خبر سوى خبر التوصل إلى اتفاق يوقف المذبحة المرتكبة بحقهم وسط خذلان عالمي وعجز لم يسبق له مثيل.
لا صوت يعلو فوق صوت الهدنة
ولقد ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بكثير من المنشورات والتغريدات الذي دعت إلى ضرورة أن يمنح الشعب الفلسطيني في غزة استراحة من الموت والجوع حتى لو كانت مؤقتة، فيما عبر كثيرون عن آمالهم بنهاية قريبة وشاملة وممتدة للعدوان المتواصل منذ قرابة العامين.
هذا الحديث عبر الفضاء الالكتروني لم يكن منفصلاً عن واقع الشارع في غزة، والذي ليس له صوت يعلو على صوت الحديث عن آخر المستجدات المتعلقة المباحثات والصفقة، لكن ما يطغى هو أملهم بنهاية قريبة لما يعايشونه من أهوال.
“الحاج أبو رمزي” من سكان مدينة رفح جنوب قطاع غزة، يأمل أن تنتهي المفاوضات المقررة في الدوحة سريعا بالوصول لاتفاق، وأهم ما يريده من هذا الاتفاق هو السماح له بالعودة إلى رفح رغم دمارها الكلي وغياب أي معالم أو منازل في المدينة.
“الحاج أبو رمزي” نازح يعيش في خيمة بمنطقة المواصي غرب مدينة خانيونس، يقول: “أريد العودة إلى رفح ونصب خيمتي هناك، أشتاق إلى هواء رفح وسمائها، نحن نريد العودة إليها والعيش فيها، صحيح أنه لم تعد فيها حياة، لكننا سنحيا فيها لأنها تعيش في داخلنا”.
وأرسل “ألحاج أبو رمزي” رسالة للمفاوضين والوسطاء، طالبهم فيها بضرورة الوصول السريع إلى اتفاق يضمن للناس العيش في غزة دون خوف أو قتل أو جوع، مؤكداً أن أهل غزة يحبون الحياة ويريدون العيش بسلام وبدون حروب.
“الحاجة أم أحمد” من سكان خانيونس وتعيش نازحة في منزل ابنتها في مدينة دير البلح، حيث اضطرت لمغادرة منزلها في النزوح الأخير لمنطقة حي الأمل التي أصبحت منطقة عمليات عسكرية صهيونية.
تريد الحاجة العودة لمنزلها الذي تضرر كثيرا على مدار شهور الحرب نتيجة القصف الذي طال المنطقة ومنازل الجيران، لكنها تؤكد أنها تريد العودة إليه مهما كان وضعه، وتريد أن يتوقف ما وصفته بـ” الكابوس” الذي يحياه أهل غزة منذ شهور طويلة.
“الحاجة أم أحمد” فقدت اثنين من أبنائها على مرتين خلال الحرب، و3 من أحفادها في قصف استهدف محلا تجاريا بالقرب من بيتهم، لكنها تؤكد أن ذلك لم يكسر إرادتها، في الوقت الذي عبرت فيه عن التعب والنصب الذي أصابها كما أصاب كل سكان غزة، نتيجة طول أمد الحرب واستعار القتل وغياب الراحة علاوة على حرب التجويع التي فعلت الأفاعيل بالناس، وفق تعبيرها.
الوقت من دم ووجع
الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون يرى أن حركة حماس لم ترد على المقترح الجديد الذي قدمه الوسطاء بإيجابية فقط “بل ردت بالموافقة الكاملة والمؤكدة”، مبينا أن ذلك جاء انطلاقا من مسؤوليتها الوطنية والإنسانية.
وشدد “المدهون” فبي منشور عبر حسابه الرسمي على موقع “فيس بوك”، اليوم الأحد، أن أولوية الحركة هي وقف الإبادة والعدوان والمحرقة المستمرةـ، في ظل عجز إقليمي وتخاذل دولي وتواطؤ صارخ من الولايات المتحدة الأمريكية.
ويرى أن غزة تركت وحدها بطريقة مؤلمة وموجعة، عادا كل ما سبق مبررا لحتمية وقف الإبادة بكل وسيلة ممكنة وبأي طريق متاح.
وقال “المدهون”: “الزمن في غزة لن يقاس بالأيام بل يقاس بالدم، بعدد الشهداء، بصرخات الجوع، بوجع النزوح، وبعمق الألم حرام أن يستمر القتل ولو ليوم واحد.. ولو لساعة واحدة”، داعيا الجميع للتحرك والتكاتف والوقوف بصدق وأمانة لأجل إنهاء الإبادة في غزة.
وختاماً فإن أهالي غزة ليسوا أساطير، أو أشخاصا في حكاية فنتازية، بل بشر من لحم ودم يعانون ويقتلون ويجوّعون منذ أكثر من 21 شهرا، بينما يتفرج عليهم القريب والبعيد، وهم اليوم لا يريدون سوى وقف الحرب وانتهاء الإبادة بعيداً عن أي تفاصيل يرونها ترفا لا يناسبهم ولا يتواءم مع حالتهم القاسية غير الآدمية التي يعيشونها، ورسالتهم واضحة: “أوقفوا قتلنا وتجويعنا دون تأخير”.