آخر الأخبار

فتح.. حركة كل الفلسطينيين… عصيّة على القسمة ومحكومة بروح الأخوّة

5bc37dc5-e16c-45a4-836c-693b7e527b9c

بقلم: عصام الحلبي

ليست “فتح” تنظيماً إيديولوجياً مغلقاً، ولا حزباً طبقياً يعبّر عن فئة دون سواها. هي، منذ انطلاقتها في الأول من يناير 1965، حركة وطنية شاملة نبتت من وجدان الناس، من معاناة المخيمات والشتات، من حلم العودة الذي يسكن الفلاح في الأرض المحتلة، والعامل في المنافي، واللاجئ في المخيم، والمثقف في منفاه. ولهذا، لم تكن “فتح” يوماً تنظيماً يُختصر بقيادة أو نخبة، بل كانت وما زالت جبهة وطنية عريضة تحتضن كافة مكوّنات الشعب الفلسطيني: المعلم، العامل، الفلاح، الطبيب، الأديب، المهندس، الشاب، المرأة، وحتى الشبل الذي يحمل مفتاح العودة.

تعدد داخل الوحدة

هذا التنوع ليس شعاراً تجميلياً، بل هو أساس بنيان فتح، الذي قام على قاعدة الانفتاح والتكامل. في مؤتمرها الثاني عام 1968، الذي عُقد في ضواحي دمشق، جسّدت “فتح” هذه الرؤية عملياً، عندما انتخبت لجنة مركزية ضمّت قيادات من خلفيات اجتماعية ومهنية وفكرية متباينة: من الثائر الميداني، إلى الأكاديمي، إلى ابن المخيم. لقد كانت لحظة ولادة البنية التنظيمية التي راعت التعدد وأعلت من شأن الوحدة.

وفي كلمة ألقاها الرئيس محمود عباس خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر السادس للحركة في بيت لحم عام 2009، قال بوضوح:
“فتح ليست تنظيماً مغلقاً… بل نهج حياة، مؤسسة على التواصل مع الجماهير من كل طبقاتها ومواقعها.”

بهذا النهج، تحوّلت “فتح” إلى مرآة حقيقية للوجدان الفلسطيني العام، قادرة على التعبير عن نبض الناس، وعن قلقهم، وآمالهم، وتطلعاتهم.

ديمقراطية داخلية حيوية

من يراقب آليات العمل داخل “فتح” يلمس ديمقراطية داخلية حقيقية، وإن اتّسمت أحياناً بالصخب. تُطرح الآراء بصراحة، تُناقش السياسات بحرارة، تتعدد وجهات النظر من عقلانية واقعية إلى اندفاع ثوري، لكن الكل يخضع في النهاية لسلطة القرار الجماعي، وللمرجعية الوطنية الجامعة التي تشكل العمود الفقري للحركة. هذا ما جعلها قادرة على تجاوز أزمات خطيرة، كان يمكن أن تُطيح بأي تنظيم آخر أقلّ حيوية وأشدّ انغلاقاً.

وفي المؤتمر السادس نفسه، وبعد انتخابه رئيساً للحركة، عبّر عباس عن هذا الطابع الجماعي قائلاً:
“المسؤولية علينا جميعاً… هذه الأمانة صعبة، وعلينا أن نحملها معاً.”

ثوابت لا مساومة عليها

رغم مرونة “فتح” في التكتيك والوسائل، إلا أن موقفها من القضايا الجوهرية ظلّ ثابتاً وصلباً. لا وصاية على القرار الفلسطيني، لا احتواء خارجي، لا تبعية لأجندات لا تعبّر عن الشعب. ولا مساومة على القدس، أو على حق العودة، أو على استقلال الإرادة الوطنية.

وقد لخّص الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد) هذه الرؤية ذات يوم بقوله:
“الثورة مشوار طويل… وفي هذا الطريق نحتاج إلى كل يد، كل عقل، كل قلب. لا يمكن أن نستغني عن أحد ما دام قلبه مع فلسطين.”

بيت لكل الفلسطينيين

إن سرّ صمود “فتح” في وجه الأعاصير السياسية ليس تنظيماً صارماً أو مركزية مفرطة، بل هذه الروح الفتحاوية العميقة: الإيمان بأن فلسطين أكبر من الجميع، وأن لا أحد يحتكر الوطن. ولهذا كانت ولا تزال بيتاً مفتوحاً، يدخل إليه الفتى في المخيم، والطالبة في الجامعة، والموظف في المؤسسة، والمقاتل في الجبهة، دون أن يُسأل عن خلفيته، بل فقط عن التزامه بفلسطين.

هذا التنوّع الذي قد يبدو مربكاً للبعض، هو سرّ القوة. حركة تتّسع لجدل الداخل وتحتكم للنظام، تستوعب طاقات متناقضة أحياناً، لكنها تصبّ كلها في مجرى الهدف الوطني.

فتح باقية… لأنها فلسطين

ستبقى فتح عصيّة على القسمة، لا لأنّها خالية من الخلافات، بل لأنها تملك ما هو أثمن من ذلك: قدرة مستمرة على التجاوز والتجدد من داخلها، في إطار أخلاقي وتنظيمي ووحدوي صارم. وهذا ما يمنحها شرعيتها الدائمة، ليس فقط في التاريخ، بل في الحاضر والمستقبل.

فتح ليست صفحة من الماضي، بل هي معركة الحاضر، ورهان المستقبل. فيها اختبر الفلسطينيون وحدتهم، ومن خلالها عبروا نكباتهم، وبها يواصلون سعيهم نحو الحرية والاستقلال.

كما قال الشهيد أبو علي أياد ذات يوم:
“نموت واقفين ولا نركع… نموت واقفين لأننا أبناء فتح، ولأن فلسطين لا تستحق إلا من يموت لأجلها واقفاً.”

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة