بعد قرابة عامين من حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة بدعم أمريكي كامل، أصبح من غير المطلوب من سكان هذه البقعة أن يبقى كل شيء على حاله، وأن يؤدي كل شخص وظيفته بالطريقة المعتادة؛ حيث إن المآسي التي تتجاوز حدود الطاقة البشرية قد ألقت بظلالها على كل مظاهر الحياة هناك، لدرجة ان صوت الصحافة الذي ليس عليه سوى نقل الحقيقة، صار يعاني مثل كل أبناء القطاع إلى أن اختنق بين العبرات من شدة هول ما يرى.
الصحفي المثابر أنس الشريف، يُعدّ من بين الأصوات التي تلازم نقل الصورة من بداية الحرب، رغم الاستهدافات المتكررة للصحفيين والتي راح ضحيتها المئات منهم. ينقل الشريف على مدار اليوم معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة من قتل يومي بالطائرات والمدافع الإسرائيلية، وكذلك معاناة الحصار والجوع الذي حوّل الحياة هنالك إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة.
يقف الشريف أمام الكاميرا، فينقل معاناة سكان غزة وما أصابهم من عنت شديد بسبب الجوع، وبينما هو كذلك إذ تمر بجواره عربة بخارية تحمل مصابين بإغماءات ومضاعفات من شدة الجوع، فينهار أنس، ولا يستطيع أن يتمالك نفسه من البكاء.
“استمر.. أنت صوتنا”
“استمر يا أنس.. أنت صوتنا”.. كانت هذه العبارة من أحد المواطنين الغزيين لمواساة وتثبيت الصحفي الشريف، بعد أن توقف عن الحديث بسبب تأثره وبكائه بمشاهد المواطنين يتساقطون ويُغشى عليهم واحدًا تلو الاخر، من شدة الجوع وسوء التغذية الذي تسبب به الحصار المفروض على قطاع غزة منذ 5 شهور بشكل كامل.
وفي أول تعليق له على ذلك الموقف، قال أنس: “صحيح، لم أتمالك نفسي من هول المجازر، لكنني وجدت صوت أبناء شعبي المجوّعين يصرخ بجانبي: “استمر يا أنس، لا تقف، أنت صوتنا”.
وأضاف الشريف في تغريدة له على منصة “إكس”: “والله، هذا هو كل همي.. أن أنقل صوت الناس المخذولين، المحاصرين، المجوّعين في غزة”.
تفاعل جماهيري
وقد لقي هذا المقطع المباشر تفاعلاً واسعًا من قبل النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي، بين حالة التضامن مع الصحفي الشريف الذي يقوم بمهمة عظيمة ينقل من خلالها معاناة شعبه المُجوَّع، وبين حالة الأسى بسبب العجز الذي يشعر به الجميع تجاه سكان غزة المحاصرين، دون أن يستطيعوا فعل شيء لهم.
أحد النشطاء كتب على حسابه في منصة “إكس” يقول: “بكاء أنس الشريف على الهواء مباشرة والناس يتساقطون حوله من شدة الجوع، وآخر ينادي: “استمر يا أنس استمر.. استمر انت صوتنا”.
وتابع في تغريدته: “لا أظن في تاريخ الإسلام حدث مثل هذا منذ حوصر رسول الله ﷺ في شعب أبي طالب”، مضيفًا: “اللهم إنا استيأسنا!.. يا رب رحمتك، يا رب نصرك، يا رب رُدّ بأس القوم المجرمين”.
وغرد آخر بقوله: “غلبته دموعه، فخنق البكاء صوته، وساد الصمت.. لكنّ الحشود خلفه هتفت بشغف: تابع يا أنس.. لا تتوقف.. أنت من يعبّر عنا، أنت صوتنا”.
“ما زالوا يثقون بنا؟!”
فيما كتب أحدهم يقول: “انهار أنس بالبكاء خلال حديثه عن التجويع، فسكت.. ثم صرخ الناس من خلفه: (استمر يا أنس، استمر.. أنت صوتنا)”.
وأضاف: “واحنا بنقولك يا أنس كمان.. انت صوتنا وصوت كل غزاوي.. استمر ولا تلتفت لأفيخاي اللي هاجمك اليوم ولشوية قمامة محسوبين علينا اصطفوا مع أفيخاي في الهجوم عليك!”.
وكتب ناشط آخر: “حين انهار مراسل الجزيرة أنس الشريف على الهواء، تسلل من الخلف صوت جائع يقول له: (استمر يا أنس…أنت صوتنا)”، معلقًا على ذلك بالقول: “حتى وهم يموتون جوعًا.. ما زالوا يثقون بنا”.
وأضاف في تغريدته: “لكننا -والله- لم نعد نستحق هذه الثقة!.. صوتهم يصل منذ 21 شهرًا، ولم يرف لنا جفن.. نحن أمة لا تستفيق إلا على نار!”.
ناشط آخر علّق على الموقف قائلا: “بكاء أنس الشريف وسقوط الناس جنبه من الجوع قتلنى والناس من خلفه: “انت صوتنا يا أنس”.. سامحنا يا أنس ما بقاش فيه رجالة إلا عندكم، ما فيش لا تاريخ غربى ولا عربي ولا إسلامي ناس تتحاصر بالشكل ده”.
ثم ختم بقوله: “يا منجى نجهم.. نحن الذين لا حيله لنا والحول والقوة كلها لك يا رب”.
غزة تنهار جوعًا
ويستمر إغلاق المعابر والتضييق على عبور الإمدادات إلى قطاع غزة، ومع الإغلاق بات الجوع سلاحًا لا يقل فتكًا عن القصف الإسرائيلي.
فقد سجلت وزارة الصحة في القطاع وفاة 19 شخصًا بسبب الجوع خلال الـ 24 ساعة الأخيرة، بينهم الطفلة رزان أبو زاهر بأعوامها الأربعة، وقد عاشت نصفها في ظل الحرب وكلَّها في ظل حصار.
مصدر طبي في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح، أكد أن استشهادها جاء نتيجة سوء التغذية والجوع داخل قسم الأطفال لتنضم بذلك الى سجل يضم 70 طفلًا من شهداء المجاعة منذ بدء الحرب.