بقلم: عصام الحلبي

“فتح” ليست تنظيمًا فحسب، بل أشبه ببذرة وُلدت من تربة الغضب، ونمت تحت سماء الاحتلال، وسقتها دماء اللاجئين والمقاتلين، حتى أصبحت شجرةً لا تموت، وإن جفّ ظلها أحيانًا.

منذ اللحظة الأولى، لم تكن “فتح” مشروعًا سياسيًا محدود الأفق، بل نداءً مفتوحًا لكل فلسطيني يشعر أن المنفى ضيق، وأن العدل يحتاج إلى بندقيةٍ مسيّسة. لا بيانها التأسيسي، ولا شعاراتها الأولى، كانت مجرد حبرٍ على ورق، بل صدى لإرادة شعب قرّر ألّا ينتظر أحدًا.

ورغم ما مرت به من ضربات، لم تُكسر. فالعدو لم يُوفّر وسيلة إلا واستعملها لتقويضها: من القتل الميداني إلى التصفية السياسية، ومن العزل إلى الإغراء. وخصوم الداخل، ممن لم يمتلكوا مشروعًا بديلًا، أغرقوها بالشائعات، وحاولوا رسم نهايتها على جدران كل انتكاسة.

لكن “فتح” لم تُهزم يومًا من خارجها بقدر ما ضعفت من داخلها.
حين استُبدل الانتماء بالولاء، وتحولت بعض المواقع إلى مكاسب، وسُحقت المبادرة تحت ثقل التراتبية، خفّت روحها وتراجعت قدرتها على تجديد نفسها.

ومع ذلك… لم تمت.
كلما خمدت، اشتعلت من جديد.
لأن فيها ما يكفي من الصادقين للنهوض، وما يكفي من الألم لإيقاظ الذاكرة، وما يكفي من الحلم للنهوض.

“فتح” لم تكن يومًا مِلكًا لأحد، بل للمناضلين الذين أطلقوا الرصاصة الأولى ومن خلفهم من أبنائها الصادقين. لم تكن بوقًا لزعماء، بل بيتًا مفتوحًا لمن لا بيت له.

اليوم، التحدي ليس في مواجهة الآخر، بل في استعادة الذات.
أن يعرف الفتحاوي الحقيقي أن القوة لا تُقاس بعدد الصور، ولا بحجم الشعارات، بل بالقدرة على الصمود وقت الاختبار، وعلى تصحيح الخطأ، وعلى الإخلاص للفكرة دون التورّط في التقديس.

“فتح” ليست مقدّسة… لكنها حقيقية.
وما هو حقيقي… لا يموت.

ولجيل “فتح” الجديد
أنتم اليوم لستم أبناء تاريخ فقط، بل صُنّاع مستقبل. لم تُخلقوا لتعيشوا على أمجاد الرصاصة الأولى، بل لتطلقوا رصاصات الوعي والإرادة والتجديد. لا يكفي أن ترفعوا الراية، بل أن تسألوا، ما الذي نحمله تحتها؟
اعيدوا “فتح” كما أرادها شهداؤها، فكرة حرة، لا تقيدها مصالح ضيقة.
فلا بقاء من دون صدق، ولا صدق من دون نقد، ولا نقد من دون مسؤولية.

“فتح” لا تحتاج إلى التصفيق، بل إلى من يحملها دون أن ينتظر شيئًا.
وأنتم الأمل.