“أنا جعان”.. بهذه الصرخة المؤلمة وصداها المزلزل للضمير الإنساني الذي ما زال صامتا أمام الألم والقهر وحرب الإبادة والتجويع التي قضى خلالها الطفل ذو الخمسة أعوام عبدالله أبو زرقة شهيدًا، تاركًا خلفه تلك الملامح القاسية الموجعة لتبقى شاهدًا على الإجرام الصهيوني بمن تواطأ معه في العالم الذي عجز عن توفير الدواء والماء والغذاء لإنقاذ آلاف الأطفال في غزة الذين ينتظرهم المصير ذاته.
وفجعت الإنسانية، إن بقي منها ضميرٌ حيٌ، بأنباء وفاة الطفل الفلسطيني عبد الله أبو زرقة (5 سنوات) في أحد مستشفيات مدينة أضنة التركية العالم، بعدما خاض رحلة علاجية شاقة لم تفلح في إنقاذ حياته من براثن المرض وسوء التغذية الناتج عن الحصار المفروض على قطاع غزة.
صرخة خالدة
تحولت عبارة الطفل الشهيد “أنا جعان”، التي خرجت منه ببراءة قبل أشهر على شاشة الجزيرة، إلى صرخة ضمير حي تجسد مأساة آلاف الأطفال الفلسطينيين المحاصرين. ورغم نقله للعلاج إلى تركيا، فارق عبد الله الحياة مساء الإثنين 18 آب/ أغسطس 2025، لتبقى كلماته شاهدًا إنسانيًا خالدًا على جريمة التجويع الممنهج.
شهادات الفقد والوجع
مدير وزارة الصحة في غزة، الدكتور منير البرش، نعى الطفل بكلمات مؤثرة قائلاً: “رحيل عبد الله… صرخة (أنا جعان) التي لن تُنسى، ستبقى شاهدًا أبديًا على جريمة الحصار وصمت العالم أمام وجع الطفولة”.
فيما كتب الصحفي تامر المسحال على منصة “إكس”: “ارتقى الطفل عبد الله أبو زرقة في تركيا، صاحب العبارة التي هزت العالم، فيما ما تزال شقيقته حبيبة تصارع الموت في غزة نتيجة تضخم الكبد وسوء التغذية الحاد”.
أيقونة إنسانية
صحيفة المصري اليوم علقت على الحادثة بالقول إن “آخر كلمات الطفل قبل وفاته تحولت إلى أيقونة إنسانية تجسد مأساة الطفولة في غزة”، مؤكدة أن مأساة عبد الله ليست فردية، بل هي مرآة لواقع آلاف الأطفال الذين يواجهون الجوع والمرض بلا دواء ولا غذاء.
تفاعل واسع وغضب دولي
اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي موجة تضامن وحزن على استشهاد الطفل. كتب الناشط محمد جواد: “لا تنسوا عبد الله أبو زرقة… قتله الجوع في غزة حتى وهو على سرير مستشفى بتركيا”. بينما تساءل أمين حسن بمرارة: “أي ضمير عالمي يمكن أن يسمع صراخ الأطفال الجوعى، وضمير المجتمع الدولي مات منذ زمن؟”
مأساة متصاعدة
وزارة الصحة الفلسطينية أعلنت أن حصيلة ضحايا المجاعة وسوء التغذية ارتفعت إلى 266 شهيدًا بينهم 112 طفلًا منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وأكدت أن ثلاثة أشخاص آخرين توفوا خلال الساعات الماضية فقط بسبب الجوع، رغم إدخال بعض الشاحنات الإغاثية التي تتعرض في معظمها للنهب تحت حماية قوات الاحتلال.
وجع غزة المستمر
رحل عبد الله، لكن صرخته لن تغيب. ستظل عبارته “أنا جعان” تتردد في ضمير الإنسانية، وتذكّر العالم بأن غزة ما زالت تنزف جوعًا ومرضًا، وبأن الطفولة فيها تُذبح كل يوم على مرأى من مجتمع دولي اختار الصمت.