آخر الأخبار

إسرائيل تبيد التعليم .. عام دراسي ثالث يضيع على طلبة غزة

200824_Gaza_HD_0050

بينما تستعد مدارس العالم لاستقبال عام دراسي جديد، تحولت مدارس قطاع غزة إلى أكوام من الركام، تغرق في صمتٍ ثقيل، تُبدّده أصوات القذائف بدلًا من أجراس الطابور الصباحي.

في مدارس غزة، لا تُعلّق الجداول الدراسية على الجدران، إن بقيت جدران، بل أسماء الشهداء، ولا يُسمع صخب التلاميذ في الساحات، بل صرخات الأمهات تحت الأنقاض.

عامٌ ثالثٌ بلا مدارس

في عامهم الثالث بلا تعليم، يعيش أطفال غزة ما يشبه الغياب القسري عن طفولتهم، أكثر من 650 ألف طالب باتوا محرومين من مقاعد الدراسة، بعدما تحوّلت 90% من مدارس القطاع إلى ركام أو ملاجئ للنازحين، وفق وكالة “الأونروا”.

وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، صادق الخضور: إن الحرب في قطاع غزة حرمت “أكثر من 630 ألف طالب وطالبة من حقهم في التعليم منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يضاف إليهم أكثر من 58 ألفًا يفترض أن يلتحقوا بالصف الأول في العام الدراسي الجديد”.

وأضاف في بيان صحفي: “أكثر من 25 ألف طفل ما بين شهيد وجريح، منهم ما يزيد على 10,000 من طلبة المدارس”.

وأشار إلى أن غالبية مدارس “الأونروا” -نحو 200 مدرسة- “تحولت إلى مراكز إيواء مكتظة بالنازحين، كما تعرضت 70% منها للقصف، وتم تدمير بعضها بالكامل وتضررت أخرى بشكل كبير”.

فيما أعلنت وزارة التربية والتعليم نيتها إجراء امتحانات الثانوية العامة إلكترونيًا في سبتمبر المقبل، يعيش آلاف الطلبة بلا كهرباء، بلا إنترنت، بلا منازل… وبلا مستقبل واضح.

الطالبة نداء أبو العطا، ذات الثمانية عشر ربيعًا، تحلم فقط بأن تنهي سنة دراسية واحدة “طبيعية”.

تقول: “ضاع من عمري سنتان. لم أعد أحلم كثيرًا، فقط أريد أن أدرس من دون قصف، من دون خوف”.

شهادات مغيبة في الأنقاض

ليس الجميع ينتظر امتحانات سبتمبر، فمحمد تيسير، الذي كان من المفترض أن يدخل الصف العاشر، استُشهد في قصف استهدف منزله في النصيرات.

تقول خالته أنهار: “كان يحلم أن يصبح معلّمًا، لكنه ذهب إلى الأبد مع حلمه”.

ميس رمضان، تلميذة الصف الخامس، التحقت بقائمة الشهداء كذلك. “كانت تنتظر العام الدراسي بشوق، كما اعتادت، لكن الاحتلال قتلها في بيتها قبل أن تسمع الجرس مجددًا”، يقول والدها تامر بصوتٍ تختنق فيه الكلمات.

أما جمال وتقى أبو العطا فقد ارتقيا شهيدين قبل عام ونيف رفقة العائلة كلها، كان من المقرر أن يلتحقا بالصف الثامن والخامس.

تقول جدتهما لمراسلنا إنهما كانا يحبان المدرسة كثيراً، وكان جمال يطمح لأن يصبح مهندساً، أما تقى فكانت تحلم أن تصبح معلمة.

الاحتلال قتلهما وقتل أحلامها، تبكي الجدة وتقول: “في مارس ٢٠٢٤ قصفت إسرائيل منزلهم واستشهدوا جميعاً، ولم يبق منهم أحد”.

مدارس بلا سقف… وأحلام مبتورة

المأساة لا تتوقف عند فقدان الأرواح، بل تمتد إلى من عاش، لكن بنصف جسد أو بقلب مثقل. شذا حمدان، ذات الاثني عشر عامًا، فقدت ساقها في قصفٍ عنيف.

تعيش اليوم على كرسي متحرك، تحلم بالعودة إلى المدرسة، لكن لا مدارس، ولا كراسٍ لها، ولا مناهج مكتملة.

أما بتول العراج، طالبة أخرى، تحاول أن تدرس من الخيام، لكن الخيام لا تدرّس المنهاج كاملًا، ولا تحمي من المطر أو الحرب أو القلق.

تقول: “درست قليلاً من الصف الخامس، ثم السادس، لكني لا أعرف إلى أي صف أنتمي”.

المدرسة… أكثر من جدران

الأخصائي النفسي الدكتور عبد الله الخطيب يرى أن الكارثة لا تقف عند التعليم فقط، بل تطاول النسيج النفسي والاجتماعي لجيل بأكمله.

يتابع في تصريح لمراسلنا “التعليم ليس دروسًا فقط، هو مساحة لبناء الشخصية، غياب المدرسة يجعل الأطفال عرضة للضياع، للتسرب، للتسول، للعمالة، وحتى للجريمة”.

وحذر أن جيل بلا تعليم هو جيل بلا مستقبل، مؤكداً أنه لا يمكن أن ننتظر من أطفال نشأوا تحت النار أن يحملوا مشاعل الغد، ما لم نمنحهم بيئة آمنة وفرصة للعودة إلى الحياة.

وأكد ضرورة دعم مبادرات التعليم، والخيام التعليمية، منبها إلى أن التعليم هو كل شيء لدى أطفال غزة.

وقال: صحيح أن الإبادة تقتل الأشخاص، لكن هناك إبادة مستمرة وصامتة، هي ابادة الوعي والعقول، مناشداً العمل على إنقاذ التعليم من هذا الهلاك، على حد وصفه.

الطريق إلى الأمل… يبدأ بوقف الحرب

كل الخطط الطارئة التي أعلنتها وزارة التعليم أو الأونروا، من تعليم إلكتروني إلى خيام دراسية، تصطدم بواقع أكثر قسوة من كل الخطط: لا أمن، لا كهرباء، لا سكينة.

يؤكد مراقبون أن إنقاذ التعليم في غزة لا يحتاج مؤتمرات ولا بيانات، بل وقف الحرب أولًا، ثم إعادة إعمار المدارس، واحتضان الأطفال الذين صاروا ضحايا مرتين؛ مرةً للحرب، ومرةً للحرمان.

 

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة