آخر الأخبار

مساكن بلا أمان : تحقيق يكشف حجم الكارثة الكامنة داخل المخيمات.

IMG-20251115-WA0085

على مدى 76 عامًا من اللجوء، ما تزال المخيمات الفلسطينية في لبنان تواجه أزمة سكنية عميقة تفاقمت بفعل الانهيار الاقتصادي ووقف برامج الترميم وغياب الخطط الهندسية، والحروب المتتالية التي تعرضت لها المخيمات وما ألحقته من دمار وأضرار في المساكن والبنى التحتية، إضافة إلى منع إدخال مواد البناء والارتفاع الكبير في الكثافة السكانية داخل مساحات ثابتة لم تتغير منذ عام 1948.

يعيش اليوم ما بين 300 الى 400 ألف لاجئ فلسطيني في 13 مخيمًا رسميًا، معظمها تحوّل إلى بيئات مكتظة ومتهالكة، تتكدّس فيها الأبنية العشوائية، وتتسرب المياه من أسقفها، وتتدلى فوقها شبكات كهربائية خطرة، فيما ينام الآلاف تحت شبح الانهيار.

وللوقوف على التحديات والمخاطر التي يواجهها سكان المخيمات الفلسطينية في لبنان في ظل الظروف الأمنية والاجتماعية والاقتصادية، وتحديات أزمة السكن والمخاطر التي تتهدد سكان المنازل المتصدعة، ولتسليط الضوء على هذه الأزمة. أجرى المكتب الإعلامي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان هذا التحقيق مع عدد من الفعاليات والنشطاء وممثلي الاتحادات واللجان في المخيمات.

مخيم الرشيدية: منازل متصدعة… وأكثر من 200 منزل تحت خطر ارتفاع موج البحر شتاءًا

في مخيم الرشيدية، تتفاقم المخاطر سنويًا خلال فصل الشتاء، خصوصًا في البيوت المتاخمة للشاطئ التي تتعرض لضربات الأمواج وارتفاع منسوب البحر. وقد أدت العواصف المتكررة إلى تصدعات حادة في جدران بعض المنازل وتآكل أساسات أخرى، ما تسبب بأضرار جسيمة وتهديد مباشر لحياة السكان.

السيد نمر حوراني، ممثل اللجنة الأهلية في لجنة تحسين المخيم، يؤكد أنّ الوضع لم يعد يحتمل التأجيل، مشيرًا إلى:

 “إنّ المساكن الملاصقة للشاطئ تتعرض سنويًا لدمار جزئي وتصدعات خطرة، وفي كل شتاء نعمل على معالجة الأضرار بإمكانات بسيطة لا تكفي لمواجهة قوة الأمواج. مشروع السد البحري ليس رفاهية بل حاجة إنقاذية فورية.”

ويشرح حوراني أن اللجنة تلقت وعودًا متكررة بإطلاق العمل في السد البحري الذي سيحمي الشاطئ والمساكن، لكن المشروع ما زال متوقفًا بسبب تعقيدات إدارية لدى الدولة اللبنانية  رغم توفر  التمويل. ويضيف:

 “نطالب بالإسراع في بدء التنفيذ قبل حلول الشتاء المقبل، لأن أي تأخير إضافي يعني تعريض عشرات العائلات لمخاطر مباشرة.”

وعن الترميم، يشير حوراني إلى أنّ الأونروا نفذت بالفعل خلال السنوات الماضية بعض مشاريع إعادة البناء بدعم من المانحين، لكن الحاجة الحالية تفوق بكثير ما أُنجز، خصوصًا في ظل ازدياد أعداد المنازل المتهالكة واتساع رقعة التصدعات.

شاتيلا: أبنية آيلة للسقوط و50% من الحديد متآكل

المهندس ناجي دوالي من اتحاد المهندسين الفلسطينيين يصف الوضع الإنشائي لمخيم شاتيلا بأنه “بالغ الخطورة”، مشيرًا إلى:

وجود 620 مبنى على مساحة لا تتجاوز 110 دونمات. مضيفًا أن 50% من الأبنية تعاني من تآكل الحديد بسبب الرطوبة وتسرب المياه المالحة. محذرًا من أن أكثر من 30 مبنى مهدد بالانهيار الفوري. لافتًا الى أن انتشار البناء العمودي حتى 6 طوابق فوق أساسات قديمة دون إشراف هندسي.

ويؤكد دوالي أن الأونروا توقفت عن الترميم منذ خمس سنوات، رغم تقديم دراسات متعددة حول الخطورة الإنشائية.

نهر البارد: 18 عامًا من الانتظار… والإعمار لم يكتمل

بعد مرور أكثر من 18 عامًا على تدمير مخيم نهر البارد عام 2007، ما تزال عملية الإعمار متعثرة، فيما يعيش عدد كبير من العائلات في بيوت غير مكتملة أو وحدات مؤقتة.

ويشرح أحمد غنومي، عضو اللجنة الفلسطينية لإعادة إعمار مخيم نهر البارد، أن المخيم ينقسم إلى قسمين:

 ١- المخيم القديم: مسؤولية الأونروا. وأشار الى أن نحو 85% من الإعمار أُنجز حتى اليوم، فيما تم تلزيم 5% من الأعمال وستُنجز قبل نهاية العام 2025. ولفت الى أن 10% من المخيم ما تزال خارج التنفيذ.

 ٢- المخيم الجديد: أملاك خاصة تحت مسؤولية الدولة اللبنانية. 14 مبنى مهدّم كليًا لم يُعاد بناؤها رغم توفر التمويل من الصندوق الكويتي. فيما لا تزال 4 مبانٍ لمؤسسات شبابية واجتماعية ما تزال خارج الإعمار. وأكثر من 10 مبانٍ مهدّمة جزئيًا ولم تُرمم. بالإضافة الى وجود شريط يتجاوز 20 مبنى عالق بسبب وقوعه على مشاع النهر.

ويشير غنومي إلى أنّ الوعود لم تتحقق رغم أن مشروع الإعمار كان يفترض أن يكتمل خلال 3 سنوات، لكن المخيم يدخل عامه الثامن عشر دون أن يُعاد بناؤه بالكامل.

كما توقفت مستحقات المهجرين، ومنها بدل الإيجار لعدة سنوات، وتوقفت الإعانات الدورية، في وقت رفعت الأونروا حالة الطوارئ عن المخيم منذ 10 سنوات، بينما لا تزال الدولة تعتبره “منطقة عسكرية”، ما يعمّق التناقض بين غياب التقديمات واستمرار القيود.

ويضيف أن سكان المخيم الجديد لم يحصلوا على تعويضات مؤتمر جنيف عن الأثاث والسيارات والموجودات، فضلًا عن استمرار مشكلة المياه المالحة وعدم استكمال مشروع البنية التحتية الممول من الصندوق العربي (الكويتي).

وعن أبرز العقبات اليوم، يقول غنومي: “هي غياب التمويل، والبيروقراطية في الأونروا ومجلس الإنماء والإعمار، داعيًا إلى إيجاد حل جذري لوضع الأسر التي تقع منازلها على مشاع النهر، وأن تنفيذ القانون يجب أن يراعي أننا نتعامل مع بشر، لا مع حجر فقط.”

البداوي: 710 منزلاً مرممًا… و490 بحاجة عاجلة للصيانة

يشرح أبو رامي خطار، أمين سر اللجنة الشعبية في مخيم البداوي، أن:

الأونروا رممت 380 منزلًا ضمن المنحة الألمانية (2016–2019)، فيما تبقى 240 منزلًا بلا صيانة بعد توقف التمويل عام 2020. مشيرًا الى أن منظمات دولية مثل الـUNDP والمجلس النرويجي رممت 330 منزلًا إضافيًا. ولا يزال نحو 250 منزلاً بحاجة إلى ترميم كامل.

ويضيف خطار أن نسبة الفقر المدقع تجاوزت 90%، وأن المساعدات المالية لم تُصرف منذ ستة أشهر، مما يجعل القدرة الذاتية على الترميم شبه معدومة.

مخيم الجليل-بعلبك: برد قارس ومنازل مهددة بالسقوط

في مخيم الجليل-بعلبك، وتجمعات البقاع الأوسط يصف اللاجئ أحمد مصطفى الحلاق الوضع بأنه “كارثي”، مشيرًا أن:

حياة اللاجئين الفلسطينيين في مخيم الجليل وفي عموم منطقة البقاع يتعرضون لمعاناة وضغوط كبيرة جراء البرد القارص والظروف الاقتصادية الصعبة، والنقص الحاد في وسائل التدفئة في منطقة تتساقط فيها الثلوج بكثافة. ولفت الى شبكة الكهرباء العشوائية التي تنذر بحوادث خطيرة. بالإضافة إلى تجمع مياه الأمطار داخل الأزقة ما يؤدي لعرقلة حركة أبناء المخيم.

وأضاف الحلاق الى خطر بتهدد بعض سكان منازل متصدعة، بعضها مائل ويهدد حياة ساكنيها. ودعا الى ضرورة استبدال أسقف الزينكو بأسقف خرسانية أكثر أمانًا. وطالب الأونروا بتوفير بدلات للتدفئة او تأمينها، بالإضافة الى خطة طارئة لترميم المنازل الأكثر تضررًا.

عين الحلوة: اكتظاظ وبنية تحتية منهارة… والمرأة الأكثر تضررًا

في مخيم عين الحلوة الذي يضم أكثر من 80 ألف نسمة على مساحة كيلومتر مربع، تزداد الأزمات تعقيدًا مع تدهور الخدمات وانهيار البنى التحتية.

توضح دنيا خضر، عضو الهيئة الإدارية في الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، أن:

البناء العامودي العشوائي أفقد المنازل الخصوصية ورفع معدلات الأمراض. مشيرةً الى أن شبكات الصرف الصحي تتداخل مع مياه الأمطار، مسببةً تلوثًا وفيضانات سنوية. بالإضافة الى الخطر المباشر التي تشكله شبكة الكهرباء العشوائية والمتداخلة مع شبكات المياه.

وأوضحت خضر الى أن المرأة هي الأكثر تضررًا من الاكتظاظ وارتفاع التكاليف وغياب الخصوصية. وأشارت الى أن الاشتباكات الأخيرة ألحقت دمارًا واسعًا بالمنازل دون تعويض، ما اضطر الأهالي إلى الترميم على نفقتهم رغم ارتفاع الأسعار ومنع دخول مواد البناء.

في الخلاصة: إن المدخل للحل يبدأ بخطة إنقاذ شاملة تعالج الأزمة باعتبارها ليست فقط أزمة سكن، بل هي أزمة كرامة أيضًا. فما تواجهه المخيمات الفلسطينية في لبنان ليس مجرد أزمة بنى تحتية، بل أزمة كرامة إنسانية مرتبطة بحق الإنسان في السكن الآمن والمستقر.

ويؤكد ممثلو اللجان الشعبية والمهندسون والناشطون ضرورة اعتماد خطة إنقاذ تتضمن:

1. السماح بإدخال مواد البناء تحت إشراف هندسي منظم.

2. إطلاق برنامج طارئ لترميم الأبنية الآيلة للسقوط.

3. توفير تمويل مستدام لمشاريع الترميم والبنى التحتية.

4. إنشاء مكاتب هندسية ميدانية داخل كل مخيم.

5. استكمال إعمار مخيم نهر البارد وتعويض المتضررين.

6. تحسين خدمات الأونروا وتفعيل الرقابة على المشاريع.

7. الإسراع في إنشاء السد البحري في مخيم الرشيدية باعتباره حاجة إنقاذية عاجلة.

إنّ صيانة المساكن داخل المخيمات هي حماية للحياة نفسها. وإعمار ما تهالك من المساكن هو إعمارٌ للكرامة والأمل في غدٍ أفضل، وهو واجب لا يحتمل التأجيل.

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة