آخر الأخبار

سياسيون وصحافيون عرب في جعبة الوكالة اليهودية [2]

1

بدر الحاج

كثّف قادة القسم العربي في الوكالة اليهودية، أثناء الثورة الفلسطينة الكبرى 1936-1939، زياراتهم ولقاءاتهم مع القادة العرب للعمل معاً على إيقاف تدفّق السلاح والمقاتلين إلى فلسطين بهدف نصرة الثوار ضد الاحتلال البريطاني والعصابات الصهيونية. مروحة الاتصالات، كما ذكرنا في المقال السابق، كانت واسعة شملت كل الشخصيات الرئيسية سواء كانت سياسية أو دينية أو صحافية.

العودة إلى ما حدث في تلك الاتصالات، سواء ما دوّنه إلياهو ساسون في مذكراته أو في التقارير الأمنية الفرنسية، ومقارنتها بما يحدث اليوم، تشير بوضوح إلى أن الهدف الصهيوني الثابت هو إبعاد المواطنين عن فكرة العمل المسلّح والدعم لإخوانهم في فلسطين والاستعانة بالمسؤولين لتحقيق ذلك، وأيضاً تمويل الإعلام العربي لتثبيت فكرة بأن على المواطنين الذين يعيشون في الكيانات السياسية حول فلسطين الاهتمام فقط بشؤونهم الاقتصادية والمعيشية. والخلاصة التي تم تسويقها أن الرفاه الاقتصادي سيتم فقط بالسلام والتعاون مع المشروع الاستيطاني، وهذا هو لبّ ما يطمح إليه اليوم الصهاينة وحلفاؤهم من الغرب وبعض الأنظمة العربية. استعمل الصهاينة المال لشراء مواقف الدعم.

لقد أدركوا جيداً أن المال هو الوسيلة الأنجع لجني تأييد أشخاص يمثّلون طوائفهم. لذلك نجد أسماء من كل الطوائف مجندين للعمل مع الصهيوني، فالمال يؤمن لهم دوام النفوذ، وهذا ما يلاحظ اليوم في الأداء السياسي لكثيرين. شعار هؤلاء المرتزقة: «ادفعوا واحمونا بنفوذكم مع الغرب، ونحن جنودكم». أخيراً، ليس المال العامل الوحيد، فهناك أثرياء انضووا في مشروع التسويق لـ«السلام» مع إسرائيل، والسبب أن مصالح معظم هؤلاء تكون في السير مع المشروع الاستسلامي الذي بنظرهم يؤمّن لهم دوام النفوذ والتسلّط.

التالي بعض ما جاء قي تقريرين كتبهما إلياهو ساسون إلى موشيه شاريت عن لقاءاته مع رئيس وزراء لبنان الأسبق خير الدين الأحدب. كان الأحدب عميلاً بالمعنى الحرفي عند ساسون يتلقى المال منه ويموّل صحيفته «العهد الجديد». لذلك، تعهّد بالقيام بما يطلبه الصهاينة لمجرد سعيه إلى إعادته للحكم (ما أشبه اليوم بالبارحة!):

2 أيلول 1937، بيروت
عزيزي موشيه، (1)

خلال ذلك اليوم، التقيتُ ببعض معارفي في الحكومة اللبنانية وخارجها، وجمعتُ المعلومات الآتية:

قبل أيام قليلة، زار مُعين الماضي (2)، مبعوث «اللجنة العربية العليا» إلى الدول المجاورة، بيروت، وتحدّث مع خير الدين الأحدب، رئيس الوزراء اللبناني، حول ضرورة انضمام لبنان إلى الدول العربية في احتجاجاتها على تقسيم فلسطين ودعمها لسكانها العرب. ووعد خير الدين بمناقشة هذا الأمر مع البطريرك الماروني ورئيس الجمهورية والسعي إلى الحصول على موافقتهما. استمرّت المحادثات بين مُعين الماضي وخير الدين الأحدب ورئيس الجمهورية ثلاثة أيام، وانتهت برفض الرئيس القاطع للمقترح، ومطالبته الشديدة بوقف محاولات الفلسطينيين في هذا الصدد.

أثار موقف رئيس الجمهورية اللبنانية غضباً شديداً في صحيفة «الإنشاء» السورية الحكومية، إذ ثار غضب العرب في سوريا، وعبّر عنه في مقالاتٍ هاجمته. أبلغت الحكومة اللبنانية إميل الغوري، أمين عام الحزب العربي الفلسطيني (المُنتمي إلى المفتي الحسيني)، بوجوب مغادرة لبنان فوراً. وجاء هذا الطرد نتيجة محاولات إميل الغوري تحريض المعارضة اللبنانية على التدخل في الشأن الفلسطيني.

ويُقال إن إميل التقى مرات عدّة ببشارة الخوري وأصدقائه، وأكّد لهم دعم المسلمين اللبنانيين في حربهم ضد الحكومة إذا ما تضامنوا مع فلسطين. وقد فرّقت الحكومة بالقوة اجتماعاً عُقد في بحمدون، حضره إميل الغوري، ومُعين الماضي، وبشارة الخوري، وشخصيات أخرى من فلسطين وسوريا ولبنان. ويُقال إن الحكومة اللبنانية أبلغت مَن تلقّوا دعوات للمشاركة في مؤتمر اللد بأنهم غير مُخوّلين بالتحدّث باسم لبنان. من المرجّح ألّا يشارك مسيحي واحد من لبنان بالمؤتمر.

يُقال إن من بين القرارات التي ستُتخذ في مؤتمر بلودان قراراً يُلزم المسلمين والعرب في كل مكان بمقاطعة البضائع الإنكليزية والصهيونية. كما يُقال إن منظّمي المؤتمر توصّلوا إلى اتفاق مع محطات الإذاعة في باريس وبرلين، التي ستبثّ ملخّصاً لمناقشات جلسات المؤتمر كل مساء. تجري مفاوضات بين القدس والقاهرة ودمشق بشأن رئاسة المؤتمر. يُطالب الاستقلاليون بانتخاب نوري باشا السعيد، بينما يقترح الحسينيون الأمير شكيب أرسلان، ويطالب السوريون بانتخاب شخصٍ محايد. يتّهم السوريون نوري بالميل إلى إنكلترا والأمير شكيب أرسلان بالميل إلى إيطاليا، ويخشون من أن يُدير كلٌّ منهما المؤتمر وفقاً لمصالح إحدى الحكومات.
مرفق بهذه الرسالة برنامج مؤتمر بلودان. سأغادر إلى دمشق هذا المساء.

محادثة مع رئيس وزراء لبنان السابق، خير الدين الأحدب:

«في 18 من هذا الشهر (18.4.1938)، الساعة السادسة مساءً، التقيتُ في حيفا على متن الباخرة الفرنسية «باتريا» برئيس وزراء لبنان السابق خير الدين الأحدب، وكان في طريقه إلى باريس.
طلبتُ منه أن يحاول التأثير على رجال وزارة الخارجية الفرنسية (كي دورسيه) لإرسال تعليماتٍ عاجلة إلى السلطات الفرنسية في سوريا ولبنان لمراقبة نشاطات المنفيين من عرب الفلسطينيين هناك، وبخاصة تصرفات المفتي، الذي جعل من مقرّه في الزوق مركزاً للتحريض والدعاية الموجّهة إلى جميع بلدان الشرق الأدنى.
أجابني محدّثي أن مسؤولي المفوضية العليا الفرنسية في بيروت طلبوا منه أن يؤكد للسلطات في باريس صحة التقارير التي أرسلوها عن «حُسن تصرّف المفتي» والتزامه بوعده بعدم القيام بأي نشاط سياسي.

في لبنان، ووفقاً لشروط اللجوء، طلب منه أيضاً الدكتور سامح الفاخوري، قريب المفتي، أن يسعى إلى نفي جميع الأخبار التي ينشرها اليهود في باريس ولندن وجنيف، والتي تزعم أن المفتي وأعوانه يعملون على تقويض نفوذ إنكلترا وفرنسا في الشرق. كما طلب منه الدكتور الفاخوري أن يحذّر الفرنسيين من أي محاولة للمساس بالمفتي، لأنها قد تضر بمصالحهم كافة في المنطقة. في المقابل، وعده رجال المفوضية العليا الفرنسية والدكتور الفاخوري بدعمه في كل أزمة حكومية في بيروت.

وبحسب قوله، فهو يعتزم أن يعرض على أصدقائه في باريس وجهة نظره حول الأخطار التي تتهدد فرنسا ومصالحها في الشرق العربي نتيجة الدعاية السامة التي ينشرها المفتي وأتباعه في البلاد العربية ضد الأجانب، ومن بينهم الفرنسيون. وسيحاول أن يثبت أنه لا يوجد حلٌّ آخر سوى إبعاد المفتي إلى إحدى المستعمرات الفرنسية، ونفي أتباعه إلى شمال سوريا أو إلى مصر. وقال إنه مستعدٌّ لعرض قضية نشاطات المفتي في لبنان وسوريا أمام أي رجل دولة فرنسي.

كان محدّثي سعيداً حين سمع عن الزيارة القريبة لـ حاييم وايزمان إلى باريس، وطلب أن يلتقي به ليناقش معه قضية المفتي، والوضع السياسي في لبنان وسوريا، وجهود الكاردينال تبوني لإقامة نظامٍ مستقل في الجزيرة، وكذلك الأحاديث المختلفة التي سيجريها مع الفرنسيين. وأشار رئيس الوزراء أيضاً إلى أن نفوذ المنفيين الفلسطينيين في لبنان ازداد كثيراً بعد صعود الأمير خالد شهاب إلى الحكم. فالأمير خالد عضو في حزب رياض الصلح، وهذا الحزب يشجع الحركة القومية العربية في لبنان. ولذلك، فإن الأمير خالد شهاب يلبي برغبةٍ تامة طلبات المفتي.

ويرى محدّثي أنه يجب أن نوجّه جهودنا في باريس نحو ثلاث غايات: إبعاد المفتي عن لبنان، عزل المندوب السامي الفرنسي دي مارتيل، وإعادته هو (خير الدين الأحدب) إلى الحكم.
وفي نهاية الحديث، وعد خير الدين الأحدب بأن يدعم، في محادثاته مع الفرنسيين والإنكليز، وجهات نظرنا في قضايا «أرض إسرائيل»، وطلب أن تُنقل تحياته الحارة إلى موشيه شرتوك».

* كاتب لبناني

هوامش

(1) موشيه شاريت ديبلوماسي صهيوني من أصل أوكراني تولى في بداية 1933 منصب رئيس الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية.
(2) معين الماضي مناضل فلسطيني شارك عام 1933 مع مجموعة من رفاقه تأسيس حزب الاستقلال العربي بهدف الكفاح ضد الاحتلال البريطاني والصهيونية.

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة