في لحظة دقيقة وحساسة من تاريخ لبنان، يقف البلد على مفترق طرق بين الاستقرار الوطني والتهديدات الإقليمية المتصاعدة.
فمنذ اتفاق وقف إطلاق النار الأخير، لم تتوقف الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية، ما جعل الساحة اللبنانية مسرحًا متواصلًا للقصف الجوي والبحري والبري، وسط ضغوط سياسية ودبلوماسية تتصاعد بوتيرة متسارعة.
في هذا السياق، تتقاطع مسارات الدولة اللبنانية والمقاومة في مواجهة التحديات، بينما تتكشف مؤشرات جديدة لمسار التفاوض برعاية أمريكية، في وقت تحاول الأطراف الدولية والإقليمية رسم خريطة نفوذ جديدة في المنطقة.
هذا التقرير التحليلي يستعرض المركز الفلسطيني للإعلام آخر التطورات العسكرية والسياسية في لبنان، مع تحليل موقف المقاومة والدولة، ورصد انعكاسات التهديدات الإسرائيلية على الساحة الداخلية.
المستجدات العسكرية والسياسية
وقال الخبير الاستراتيجي اللبناني أمين مصطفى إن الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان لم تتوقف منذ اتفاق وقف إطلاق النار الأخير، موضحًا أن القصف البري والبحري لا يزال مستمرًا، فيما تواصل الطائرات الحربية الإسرائيلية التحليق فوق مختلف المناطق اللبنانية من دون انقطاع، في خروقات متكررة وواضحة للاتفاق المعمول به.
وأضاف مصطفى للمركز الفلسطيني للإعلام أن هذه الاعتداءات تندرج ضمن سياسة الضغط على لبنان لدفعه نحو ما تسميه إسرائيل بـ“نزع سلاح المقاومة”، معتبرًا أن الهدف من تلك الضغوط هو فرض الاستسلام السياسي والعسكري على لبنان، “وهو أمر لن يتحقق لأن لبنان ماضٍ في سياسته الوطنية الثابتة، ويعمل وفق الاتفاقات القائمة لتحرير الأرض وصون السيادة”.
وأوضح أن الدولة اللبنانية أعلنت رسميًا عدم ممانعتها الدخول في مفاوضات غير مباشرة مع كيان الاحتلال برعاية أمريكية، لافتًا إلى أن تطورًا نوعيًا سجّل مؤخرًا تمثّل في إشراك مندوب لبناني في مفاوضات رأس الناقورة إلى جانب مندوب إسرائيلي مدني وبحضور المندوبة الأمريكية.
وأشار مصطفى إلى أن معلومات تسرّبت عن إمكانية عقد مفاوضات لاحقة في الولايات المتحدة بمشاركة مندوبين من الجانبين وبرعاية أمريكية مباشرة، ما يعكس – بحسب قوله – “مرحلة جديدة تسير باتجاه فتح باب التفاوض لكن ضمن تعقيدات سياسية وأمنية لا تزال قائمة”.
تهدئة وتسوية
وفي سياق متصل، لفت إلى أن زيارة البابا الأخيرة إلى لبنان جاءت في هذا المناخ السياسي، مؤكدًا أن مواقف الفاتيكان شددت على الدعوة للسلام وإنهاء حالة الحرب، وهو ما اعتبره الخبير اللبناني “جزءًا من المناخ الدولي الدافع نحو التهدئة والتسوية”.
وعن موقف المقاومة، شدد مصطفى على أنها أعلنت بوضوح أنها لن تلقي السلاح ولن تقبل أن يُدفع لبنان نحو الاستسلام أو التطبيع، مؤكدة أن صبرها “له حدود” وأن الاعتداءات الإسرائيلية لن تمر من دون حساب. وقال إن توازن المواقف بين الدولة والمقاومة يتطلب عملًا مشتركًا دقيقًا لحماية مصالح لبنان وتفادي الانجرار نحو أي تنازلات مفروضة.
وأضاف أن إسرائيل تواصل تهديداتها في إطار “التهويل والحرب النفسية”، مرجّحًا عدم اندلاع حرب واسعة في المرحلة الراهنة لأنها لا تخدم مصالح إسرائيل ولا الولايات المتحدة التي تعمل – حسب قوله – على رسم خارطة نفوذ جديدة تتناسب مع شروطها للهيمنة الإقليمية.
وكشف مصطفى أن قوات اليونيفيل اعترفت بوجود أكثر من عشرة آلاف خرق إسرائيلي لاتفاق وقف إطلاق النار، مشيرًا إلى أن هذه القوات تعرضت لاعتداءات مباشرة، كما طالت الاعتداءات الجيش اللبناني نفسه، رغم أنه المكلّف دوليًا بمهام حساسة في الجنوب.
ولفت إلى أن الضغوط الدولية تتزايد على الجيش اللبناني لتوسيع انتشاره جنوب الليطاني ونزع سلاح المقاومة، إلا أن قيادة الجيش أكدت صعوبة تنفيذ هذه المهام في ظل الواقع القائم، رغم إنجازها بعض الخطوات المحدودة.
وختم مصطفى بالقول إن الوضع في لبنان “بالغ الحساسية”، خصوصًا مع ما كشفته وسائل الإعلام العبرية عن وجود غرفة عمليات إسرائيلية في صفد تشرف على الاعتداءات وتقدم لها الدعم. وأضاف أن الساعات والأيام المقبلة ستكون حاسمة، ولا سيما أن الجيش اللبناني مُنح مهلة حتى نهاية العام لمعالجة ملف السلاح، وهو أمر يصفه الخبير بأنه “شديد التعقيد على الصعيد الوطني”.