انتصار الدنان
يختار عدد كبير من الطلاب الفلسطينيين المقيمين في لبنان التخصّص في التمريض بهدف العمل في المستشفيات اللبنانية الخاصة، لكن خريجي دفعة 2025، فوجئوا بقرارات تحرمهم من ذلك عندما ذهبوا إلى وزارة الصحة لاستصدار وثائق مزاولة المهنة.
وكانت وثيقة مزاولة المهنة تمنح في السابق لمدة سنتين، ويتاح تجديدها، لكن في عام 2022، صدر قرار يجعل وثيقة مزاولة التمريض مؤقتة بسنة واحدة، ومن شروط الحصول عليها أن يتوفر كتاب صادر عن المؤسسة الاستشفائية التي ترغب في توظيف المتقدم، يثبت حاجتها إلى ممرضين، وفي حالة غير اللبناني، يشترط عدم تقدم أي لبناني للعمل بهذه الوظيفة.
تقول ممرضة فلسطينية مقيمة في مخيم عين الحلوة إنها تخرجت بتقدير امتياز من إحدى جامعات لبنان، وتوجهت إلى وزارة الصحة للحصول على إذن مزاولة العمل كي تباشر عملها، لكنها صدمت عندما أبلغوها بأنها لا يحق لها استصدار إذن مزاولة التمريض، وبعد ثلاثة أسابيع، اكتشفت أن قرار مزاولة المهنة لا يمنح للفلسطيني إلا بشروط.
وتضيف الممرضة الشابة، التي طلبت عدم ذكر اسمها، أنه عندما يعلن مستشفى عن حاجته إلى ممرضين، عادة ما يكون من بين المتقدمين للوظيفة لبنانيون، وعندها لا يستطيع الممرض الفلسطيني الحصول على إذن مزاولة عمل، وإن لم يحصل عليه فإنه لن يستطيع ممارسة العمل، حتى خارج لبنان. وتتابع: “بدأت بالفعل التدريب بمستشفى، لكن بسبب هذا القرار توقفت عن التدريب، لأن أي ممرض قبل مزاولة المهنة بحاجة إلى أن تكون معه وثيقة المزاولة. تخرجت من جامعة مرموقة، وبمعدل امتياز، وحصلت على جوائز من الجامعة، ومن يريد توظيف ممرض يختار المتفوق، وليس على أساس الجنسية”.
وتؤكد: “لا أعرف ما الذي باستطاعتي القيام به، وحاولت التقدم لمستشفيات في الخارج، لكن الأمر صعب أيضاً، إذ لا أرغب بترك عائلتي وبيئتي، كما أنني بحاجة إلى معادلة الشهادة. قيود إذن مزاولة المهنة تحرمني من العمل في لبنان وخارجه، ومثلي معظم خريجي دفعتي، وغالبيتنا تعلمنا عن طريق منحة قدمت لنا لأن أوضاعنا المادية لا تسمح بدفع الأقساط، وتكلفة الدراسة تقارب مئة ألف دولار، والمانحون يقدمون المنح للطلاب الأكفأ والأعلى معدلاً، ولو عملنا في لبنان لمدة عشر سنوات لن نستطيع استرداد كلفة الدراسة”.
وتشير الشابة الفلسطينية إلى أن “هناك ظلماً كبيراً بحق الممرض الفلسطيني في لبنان، لأنه لو عمل في المستشفيات اللبنانية لا يستطيع أن يترقى في العمل، ولا توجد مستشفيات حالياً تقبل أن يعمل عندها ممرضون من دون خبرة، أو من دون إذن مزاولة مهنة، وبالتالي صارت شهادتنا بلا قيمة”.
وقالت إحدى الخريجات الجدد، رفضت ذكر اسمها أيضاً: “تخرجت من الجامعة الأميركية في بيروت، وبمعدل 3.96، وحصلت على ثلاث جوائز خلال الدراسة، وقد اخترت التمريض لأنه المهنة الوحيدة التي يمكنني كونني فلسطينية ممارستها في لبنان، ولأنني آمنت به رسالة إنسانية قبل أن يكون عملاً، رغم أنني كنت الأولى على دفعتي في الثانوية، وكان بإمكاني اختيار أي اختصاص”.
تضيف: “أحببت هذه المهنة، واجتهدت كي أطور نفسي، وأخدم المجتمع الذي ولدت فيه، واليوم، جاء هذا القرار ليقول لي، ولكل ممرض فلسطيني متخرج حديثاً، إنه لا يمكنه العمل في المهنة التي اختارها، فالمستندات المطلوبة تعجيزية، وغير قابلة للتطبيق، ولا يمكن لأي مستشفى في لبنان أن يثبت أنه لم يتقدم إليه أي ممرض لبناني، لأن أي إعلان وظيفة سيجذب بالتأكيد لبنانيين”.
وتابعت الممرضة الشابة: “كنت أحلم بالعمل في مستشفى الجامعة الأميركية، واليوم يبدو أن هذا الحلم مستحيل بسبب قرار عنصري لا ذنب لي فيه سوى أنني أحمل صفة لاجئ فلسطيني مقيم في لبنان، رغم أنني عشت هنا طوال عمري، وولدت في لبنان، وأمي لبنانية. لم نأتِ من الخارج، بل نحن أبناء هذا البلد، وقد كبرنا وتعلمنا فيه، وأحببناه رغم كل الصعوبات، ومع ذلك، نحرم من حقنا في العمل، وكأننا غرباء. لا أعرف ما هو الحل، فالسفر صعب، والعمل هنا ممنوع”.