آخر الأخبار

مياه مالحة تهدد صحة السكان في مخيم برج البراجنة

GettyImages-2152352629

د. انتصار الدنان

العربي الجديد

يضطرّ اللاجئون الفلسطينيون المقيمون في مخيم برج البراجنة بالضاحية الجنوبية لبيروت إلى الاعتماد على مياه مالحة كريهة تحمل مخاطر صحية عديدة، وتلحق الضرر بالبنية التحتية المتهالكة أصلاً.

يعاني مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت من أزمة مياه مزمنة، إذ يعتمد الأهالي بشكل شبه كامل على مياه مالحة غير صالحة للاستخدام، ما يهدّد صحتهم، بدءاً من تحسس الجلد والعينين إلى تلف الشعر وانتشار الأمراض، فضلاً عن الأضرار التي تُصيب البنية التحتية للمنازل.

وفي ظل غياب البدائل وندرة المياه العذبة، يضطر اللاجئون إلى استخدام هذه المياه رغم مخاطرها، في واقع يصفه كثيرون بأنه قاسٍ ومهمل منذ عقود. تروي اللاجئة عايدة بيرقجي معاناتها لـ”العربي الجديد”، قائلة: “لا تصل إلينا المياه العذبة إطلاقاً، والمياه المالحة التي نحصل عليها تصل كل ثلاثة أيام بحسب توفر التيار الكهربائي، سواء من الاشتراك بالمولد الخاص أو من خطوط الكهرباء الرسمية. مع العلم أننا نحظى بالكهرباء مرة في الأسبوع، وأحياناً تنقطع لأسبوع كامل، ما يزيد من صعوبة تأمين المياه”.

وتضيف بيرقجي: “المياه مالحة، وطعمها مقرف، ويستحيل استخدامها حتى للوضوء، كما أنها تتسبّب في أمراض عدة، وتُلحق الضرر بالشعر وبفروة الرأس وتساهم في انتشار القشرة”. وتوضح أنها تعاني من حريق في عينيها، بينما أُصيبت شقيقة زوجها بتحسس جلدي وحكّة. وتختم بالقول: “لا نملك بدائل، ولا نستطيع تكبّد كلفة شراء المياه العذبة، ونقف عاجزين عن تغيير الواقع”.

ويشرح عضو اللجنة الشعبية في مخيم برج البراجنة، أبو عمر الأشقر، أن أزمة المياه المالحة بالمخيمات بدأت تقريباً بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية عام 1982. ويقول لـ”العربي الجديد”: “حينها، وبسبب الحصار والإجراءات الأمنية والاقتتال الذي حصل في العاصمة بيروت، اضطر الأهالي إلى حفر آبار لتحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي. وكل هذه الآبار تقريباً تحتوي على مياه مالحة”. ويكشف الأشقر أنه “جرى أخذ عيّنات من المياه بالشراكة مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لفحصها في مختبرات الجامعة الأميركية في بيروت، وأظهرت التقارير أن 60 إلى 65% من هذه المياه غير صالحة للاستخدام، لكنّها فُرضت علينا لغياب البديل”.

ويشير إلى أن خطوط المياه العذبة التابعة للدولة اللبنانية، والتي كانت “أونروا” تدفع تكلفتها، توقفت عن الدخول إلى المخيم بعد الأحداث الأمنية، ليبقى السكان “أسرى” المياه المالحة. ويؤكد أن هذه المياه تتسبّب في تحسس الجلد وتلف الشعر وظهور أمراض عدة. وقد تختلط بمياه الصرف الصحي، وتؤدي إلى مشاكل أكبر. ويتابع: “لا تقتصر الأضرار على الصحة فحسب، بل تشمل الأبنية والبنية العمرانية، إذ تؤدي المياه المالحة إلى تلف الخزانات واهتراء الحديد داخل الباطون، وقد يتهاوى السطح بعد سنتين أو ثلاث سنوات. كما أن الأدوات الصحية تتلف وتستدعي التغيير كل شهرين”.

ويلفت الأشقر إلى أن محاولات وكالة أونروا لإيجاد الحلول اصطدمت بالواقع الصعب، إذ توجد في مخيم برج البراجنة نحو 19 بئراً، معظمها ملوّثة، ولا يمكن الاكتفاء بالقليل الصالح منها، بسبب الكثافة السكانية، خصوصاً بعد لجوء سوريين وأفراد من جنسيات أخرى إلى المخيم.

إلى جانب أزمة المياه، يعاني مخيم برج البراجنة من بنية تحتية متهالكة، سواء لناحية شبكات المياه القديمة، أو الطرق المحفورة، أو الخزانات الأرضية المغمورة بالمياه، أو لناحية تراكم النفايات قرب خزانات المياه، ما يزيد خطر التلوث. وإذ تنعدم الحلول في الأفق القريب، يبقى الحل الوحيد هو إعادة إيصال المياه العذبة إلى المخيم تفادياً لاستمرار الواقع المرير.

ويقول اللاجئ الفلسطيني أبو إبراهيم: “نضطر إلى استخدام المياه المالحة لانعدام البدائل. هذه المياه غير صالحة للشرب أو للاستخدام المنزلي، وتسبّب أضراراً صحية واضحة، أبرزها تحسس الجلد وحرقة العينين، ولا سيّما لدى الأطفال وكبار السنّ”. ويضيف: “تصل إلينا المياه بشكل متقطع، أحياناً يوماً بعد يوم، وأحياناً كل ثلاثة أو أربعة أيام، بحسب توفر الكهرباء وتشغيل المضخّات. وعندما تصل، تكون رائحتها كريهة وملوحتها عالية، ما يجعل استخدامها أمراً بالغ الصعوبة والخطورة”.

ويتابع أبو إبراهيم: “نلاحظ آثار هذه المياه على صحتنا وعلى الأدوات الصحية وغيرها من مرتكزات البنية التحتية، في حين لا نملك القدرة المادية على شراء مياه عذبة أو الاعتماد على الصهاريج”. ويختم بالقول: “لا نطالب إلا بحقنا البديهي في الحصول على مياه نظيفة وآمنة. فالعيش في هذا الوضع يمسّ كرامتنا الإنسانية، ونأمل في الوصول إلى حلّ جذري يُنهي معاناتنا المستمرة”.

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة