رمزي عوض
في كل عام، ومع اقتراب الخامس عشر من أيار، يتكرر المشهد ذاته: دعوات للإضراب العام، إغلاق للمدارس، تنظيم فعاليات سياسية وفصائلية، ووقفات غضب وشعارات رنانة. نعم، نحن نؤمن أن ذكرى النكبة ليست مناسبة عادية، بل جرح مفتوح في الذاكرة الوطنية الفلسطينية، وحق العودة ليس شعارًا بل قضية وجود، لكن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل إغلاق المدارس وتعطيل العملية التعليمية في هذا اليوم هو حقًا ما يحتاجه أطفالنا اللاجئون؟
إن تحويل ذكرى النكبة إلى يوم تعطيل وشعارات حزبية ومهرجانات خطابية لا يخدم جوهر القضية، بل قد يساهم – ولو بحسن نية – في تحويل هذه الذكرى من فرصة للتعليم والتوعية إلى مناسبة للتجهيل والتطبيل.
أطفالنا هم الجيل الذي يحمل الأمل ويشكل امتداد القضية، لا يحتاجون إلى كلمات حماسية مؤقتة بقدر ما يحتاجون إلى معرفة عميقة بتاريخهم، إلى فهم سياق النكبة وجذورها ونتائجها، إلى إدراك حقهم المشروع بالعودة والكرامة والتحرير، من خلال أدوات المعرفة لا الشعارات.
الأفضل، بل الأجدى، أن يتحول هذا اليوم إلى مناسبة تربوية داخل المدارس، تُخصص فيها الحصص للحديث عن النكبة بلغات تناسب عمر الطلاب، يتم خلالها عرض قصص التهجير، شهادات الأجداد، أفلام وثائقية، ورشات رسم وكتابة حرة، وربما حتى زيارات تعليمية للاطفال في الشوارع عبر الوسائط التفاعلية، فلنزرع في عقولهم الوعي، لا يجب أن نحولهم إلى طبول التطبيل والتصفيق فقط.
النكبة ليست فقط قصة ألم، بل قصة صمود وتاريخ شعب لا يزال يقاتل من أجل حقه في العودة، ولهذا فإن إغلاق المدارس هو بمثابة تفويت فرصة ثمينة لبناء جيل يعرف قضيته لا يرددها فقط، يعيشها بوعي لا يتاجر بها بالشعارات.
تعليم الأطفال هو السلاح الأهم في معركة الوجود الفلسطيني، واليوم الذي يُغلق فيه باب المدرسة هو يوم نُسكت فيه صوت الحقيقة لصالح ضوضاء لا تبني.
إننا بحاجة إلى مراجعة صادقة لشكل إحياء هذه الذكرى، فبدل أن يتحول يوم النكبة إلى مساحة للتجهيل والتطبيل والتزمير، لنجعل منه مساحة للمعرفة والوحدة والوعي، لأن من يعرف قضيته معرفة حقة لن يُهزم.