بعد أكثر من 20 شهرًا على حرب الإبادة الجماعية التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، تواجه إسرائيل حقيقة ميدانية قاسية: لا نصر واضح، ولا انسحاب مُعلن، بل استنزاف بطيء أودى بأرواح العشرات من جنودها، وسط تململ غير مسبوق في صفوف ضباط الاحتياط.
تفجير ناقلة الجند في خان يونس، الذي أدى إلى مقتل سبعة جنود بينهم قائد فصيلة، لم يكن مجرد حادث، بل علامة فارقة فجّرت موجة من الغضب داخل المؤسسة العسكرية.
الكمين المصوَّر كشف ما وصفه كبار الضباط بـ”تعثر العمليات، غياب المبادرة، وتراجع القدرة على فرض معادلة ردع”.
“إما أن تُحسم المعركة أو أعفونا من الخدمة”، بهذه العبارة المباشرة واجه ضباط احتياط قيادة الجيش خلال لقاءات ميدانية، بحسب موقع “واللا” العبري، الذي نقل أيضًا أن بعضهم يرفض تكرار الاستدعاء “لحرب بلا أفق”، معتبرين أن “التباطؤ يهدد حياة الجنود ويقوّض هيبة الجيش”.
تراكم الفشل.. وانفجار الثقة
الاحتجاجات لم تقتصر على الميدان. في الكنيست، صرّح موشيه غافني: “لا أعرف ما هو الهدف من هذه الحرب”، وأضاف في انتقاد لاذع: “يبدو أننا بحاجة لشخص مثل ترمب ليُنهي هذا الكابوس”.
أما القائد السابق للدفاع الجوي، تسفيكا حاييموفيتش، فرأى أن كمين خان يونس يكشف “خللًا في إدارة الحرب”، قائلًا: “من يعرف كيف يواجه إيران، عليه أن يعرف كيف ينهي معركة في غزة”.
أسئلة موجعة: لماذا فشلنا؟
التحقيقات الأولية أظهرت فشلًا في التعامل مع النيران التي التهمت المصفحة، رغم تدخل جوي وبري واسع.
الطواقم فشلت في إخماد الحريق، وعندما نُقلت الناقلة إلى داخل إسرائيل، تبين أن الجنود قد احترقوا بالكامل، في مشهد أثار صدمة وطنية.
المحللون أشاروا إلى نقص مزمن في التجهيزات، من المدرعات وحتى كلاب وحدة “عوكتس”، فضلًا عن ضغوط توزيع القوات بين غزة والشمال، ما يُفقد الجبهات توازنها التكتيكي.
الخيارات تضيق.. والمخاطر تتسع
قيادة الاحتلال أمام مفترق حاد: تصعيد واسع بعملية برية كاسحة في غزة، أو القبول بصفقة تبادل أسرى، تحت ضغط الشارع وعائلات الجنود، وفي كلا الحالتين، الخسائر باهظة، سياسيًا وعسكريًا.
الجنرال نوعام تيبون قالها بوضوح: “الوضع يذكّرنا بمستنقع لبنان… التمركز الثابت يعني أن الجنود أهداف سهلة، وقد قُتل 20 منهم خلال أسبوعين فقط”.
يستمر الاحتلال في تعنته وإجرامه وسط تآكل ثقة جنوده بقيادتهم، ويبقى استنزاف الروح القتالية، واستمرار الخسائر بلا حسم، يؤشر أن “الوحل الغزّي” بات اختبارًا وجوديًا لعقيدة الجيش الإسرائيلي بأكملها.