في جنازتين صغيرتين تشقّان قلب المشهد، ودّعت غزة، رضيعيْن لم يتجاوز عمرهما أيامًا وأشهرًا، في وداع يختزل عمق المأساة الإنسانية التي يعيشها قطاع محاصر منذ أكثر من 18 عامًا.
لم يُتح لنضال سوى خمسة أشهر ليعيش في حضن والديه، فيما لم تفتح كندة عينيها على العالم سوى عشرة أيام، ثم رحلا معًا في صمت مؤلم – جائعين، محرمين من حق بسيط وبديهي: “قطرة حليب”.
مشهد الجنازة الذي انطلق الخميس الماضي من مستشفى ناصر بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، لم يكن فقط وداعًا شخصيًا لطفلين، بل شهادة صادمة على ما وصلت إليه الأوضاع الصحية والإنسانية في القطاع المُنهك، حيث بات الحصول على الغذاء والعلاج رفاهية مفقودة.
نضال مات جوعا
“مات نضال جوعًا”، بهذه الكلمات البسيطة والمؤلمة اختصر محمود شراب، عم الرضيع، فداحة الفقد.
وأوضح في حديث صحفي أن “نقص الغذاء وعدم توفر الحليب العلاجي” كانا السبب المباشر في وفاة الطفل، مشيرًا إلى أن حالات مماثلة عديدة تُصارع من أجل البقاء وسط شحّ متزايد في الاحتياجات الأساسية.
كندة فقدت حياتها بسبب سوء التغذية
أما والد الرضيعة كندة، محمد الهمص، فقال إن طفلته فقدت حياتها نتيجة سوء التغذية الحاد ونقص الأدوية، مضيفًا: “هؤلاء ليسوا أرقامًا.. بل ضحايا الحرب والحصار. هذه إنجازات نتنياهو التي يقدّمها للعالم، والعالم صامت كأننا لا نُرى”.
وفي ظل استمرار الحرب والإغلاق شبه الكامل لمعابر القطاع، حذّرت مستشفيات عدّة، من بينها مستشفى ناصر، منذ منتصف يونيو/حزيران الجاري، من “كارثة صحية محدقة”، خاصة في ظل نفاد حليب الأطفال والمستلزمات العلاجية المنقذة للحياة.
وكانت وزارة الصحة الفلسطينية قد أعلنت مؤخرًا أن النظام الصحي في غزة ينهار تحت وطأة الاستهداف الإسرائيلي المتعمد للمستشفيات، والحصار المطبق الذي يمنع دخول الأدوية والمساعدات.
240 وفاة بسبب الجوع ونقص العلاج
ووفق آخر الإحصائيات الرسمية، سُجلت أكثر من 240 وفاة بسبب الجوع ونقص العلاج منذ بداية العام، معظمها بين الأطفال وكبار السن، في ظل تفاقم غير مسبوق لحالات سوء التغذية الحاد.
يُذكر أن قطاع غزة، الذي يقطنه ما يزيد على 2.2 مليون نسمة، يعيش منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 تحت قصف مستمر، وقيود خانقة على دخول المساعدات الإنسانية، ما دفع منظمات أممية إلى التحذير من وقوع مجاعة جماعية، تصفها جهات حقوقية بأنها “أداة إبادة بطيئة”.
نضال وكندة، رحلا، لكن قصتهما ستبقى شاهدًا على مرحلة مظلمة، وعلى عجز عالمي عن حماية براءةٍ وُلدت في الزمان الخطأ، والمكان الأكثر قسوة.