حمزة البشتاوي
عُثر على الجندي الإسرائيلي يوسي داسرشتاين منتحراً في منزله، بعد أن خدم 300 يوم في اللواء المدرع 401، وقال أقرباء له إنه إنتحر بعد ما شاهده من فظائع أثناء خدمته في قطاع غزة.
وبذلك يرتفع عدد الجنود الإسرائيليين المنتحرين منذ بداية الحرب على قطاع غزة إلى 55 جندي، نتيجة الإصابة بأعراض نفسية ناجمة عن ما يحصل في قطاع غزة.
وتحصل عمليات الإنتحار بسبب الكوابيس التي تنتاب الجنود جرّاء ما ارتكبوه وما شاهدوه من مناظر قاسية، وفقدان عدد كبير من رفاقهم في محاور القتال التي يصفها الجنود والضباط بالجحيم.
ويقول الكاتب الإسرائيلي إفراييم غانور: إن الإنفجارات وأصوات القصف التي اعتاد عليها الإسرائيليون منذ إندلاع الحرب ليست سوى المقدمة لصدى أشد وطأة، يتمثل في صرخات عشرات الآلاف من الجنود المصابين نفسياً، والذين سيحملون الرعب والإكتئاب في ذاكرتهم وأجسادهم فيما بقي لهم من عمر.
وإذا كان عدد الجنود الإسرائيليين الجرحى والمعاقين منذ بداية الحرب على قطاع غزة قد تجاوز 18500 جندي، فإن عدد الجنود المصابين باضطرابات نفسية وقلق واكتئاب وإدمان، قد بلغ نحو 82 ألف، بينهم أكثر من 10 آلاف يعانون من اضطرابات عقلية ونفسية، وهذا يؤكد بأن الحرب الأصعب، ليست فقط في الميدان، بل في أذهان الجنود داخل وخارج خطوط النار، حيث تموت ذاكرة الجنود وتقتل أرواحهم بلا علاج.
وفي ظل حرب الإبادة والتجويع يستشهد الفلسطيني، ولا يموت حلمه وحكايته عن الوطن والرغيف، خاصة وأن التضحية والشهادة والصبر قد أصبحوا من يوميات الفلسطيني المصر على أن يبقى مثل طائر الفينيق ينهض حياً من الرماد.
وما يغيظ الغزاة هو قدرة الفلسطيني على صناعة لحظات فرح بمواجهة أهوال الحرب والقصف والدمار، وقدرته على الحياة رغم إنتشار الموت في قطاع غزة الذي يريد الإحتلال تحويله إلى قبر ضيق، ومن أبرز لحظات مواجهة الموت والتجويع، إبتسامة طفل ما زال قادراً على اللعب، أو تكاتف الأهل والجيران لإنقاذ طفل من تحت الركام، فهذه لحظات تمنح الناس الأمل في أحلك الظروف، وتؤكد على أن الفرح موجود حتى في القلوب الأكثر وجعاً، والتي تعيش أقسى ظروف الحياة في الخيام واحتمال الموت بأي لحظة.
وإذا كان الجندي الإسرائيلي ينتحر كي يموت هرباً من ما ارتكبه أو من ما رآه، فإن الفلسطيني عندما يموت يكون شاهداً وشهيداً، ولكي تأخذ الحياة شكلها الطبيعي بعد حرب الإبادة التي لن تمنع الفلسطيني من الإستمرار بالمقاومة كفعل صمود وحياة، على طريق الخلاص من الإحتلال والنهوض من جديد، فالموت بالنسبة للفلسطيني هو لحظة أو عاصفة عابرة في مسيرة النضال الطويل من أجل الحرية وتقرير المصير ومواجهة حرب الإبادة التي تريد قتل روح الفلسطيني قبل جسده.
وإذا كان الجنود الإسرائيليين مصابون بداء اليأس والإحباط، فإن الفلسطينيون يتمسكون بالأمل والبقاء، ويرددون من أعماق وجعهم ما قاله الشاعر محمود درويش:
أنا لا أكره الناس
ولا أسطو على أحد
ولكني إذا ما جعت
آكل لحم مغتصبي
حذار .. حذار .. من جوعي .. ومن غضبي.