آخر الأخبار

تجويع إسرائيل لأطفال غزة .. جريمة بآثار كارثية

6546465

مقدمة:

على مدار أكثر من عقد ونصف، يعاني قطاع غزة من حصار إسرائيلي مشدد، يقيد حركة السكان ويشل الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ومع تصاعد حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر 2023، شهد القطاع تدهورًا غير مسبوق على مختلف الأصعدة، وباتت المجاعة تهدد حياة أكثر من مليون طفل فلسطيني يعيشون في ظروف إنسانية قاسية.

المجاعة التي يواجهها أطفال غزة اليوم ليست فقط مشكلة غذائية، بل هي جزء من أزمة مركبة تشمل الانهيار الاقتصادي، تعطل الخدمات الصحية، وتدهور البيئة الاجتماعية والنفسية، كما أن إغلاق إسرائيل المعابر بشكل شبه كامل، والقيود على دخول الغذاء والدواء والوقود، جعل من غزة سجنًا مفتوحًا يعاني سكانه الجوع والفقر المدقع.

هذه الورقة تسلط الضوء على تأثير المجاعة المتفاقمة على أكثر الفئات ضعفاً: الأطفال، من خلال بيانات موثقة، وتأملات إنسانية، نرصد معاً واقعاً لا يحتمل ونبحث في الحلول الممكنة، إن فهم هذه الأزمة بعمق، لا يقتصر فقط على الأرقام، بل على حياة ملايين الأطفال الذين يُجبرون على مواجهة مخاطر يومية تهدد بقائهم ومستقبلهم.

أولًا: الحصار وإغلاق المعابر:

غزة التي كانت في السابق تجمعاً نابضاً بالحياة، أصبحت اليوم مسرحاً لمعاناة لا توصف، الحصار الذي بدأ عام 2007 لم يكن مجرد إغلاق للمعابر، بل عقاب جماعي لمن يعيش فيها، وفي خضم التصعيد العسكري الذي اجتاح القطاع في أكتوبر 2023، تفاقمت معاناة المدنيين، وأصبح الغذاء نادرا، والدواء شبه مفقود.

ويبلغ عدد السكان في غزة نحو 2.3 مليون نسمة، نصفهم تقريباً أطفال تحت سن 18، هؤلاء الأطفال الذين كان يفترض أن تكون طفولتهم ملؤها اللعب والتعليم، باتوا يُجبرون على مواجهة واقع قاسٍ من الجوع، المرض، والخوف، مع كل إغلاق للمعابر، تزداد الأزمات تعقيداً، ويُحرم السكان من أبسط حقوقهم في الغذاء والدواء والتعليم.

ويعاني القطاع أيضاً من انقطاع تام للكهرباء ومنع توريد الوقود، ما يؤثر على تشغيل المستشفيات والمراكز الصحية، ويزيد من صعوبة حفظ الأدوية والحفاظ على النظافة، مما يزيد من خطر انتشار الأمراض.

واقع إغلاق المعابر وتأثيره المباشر:

يعد معبر كرم أبو سالم، شريان الحياة لغزة، لكنه شهد إغلاقًا شبه تام منذ منتصف 2024 وحتى اليوم، وفق تقارير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة (OCHA)، تم تقليل عمليات دخول البضائع إلى أقل من 15% من طاقة المعبر، مع توقف شبه كامل لواردات المواد الغذائية بمختلف أشكالها، والدوائية الحيوية، وكان من نتائجه:

أ‌. القيود الأمنية المفرطة فرضت على حركة البضائع والركاب، مما أدى إلى شلل في استيراد الأغذية الطازجة، الحبوب، والزيوت.

ب‌. تأثير اقتصادي مباشر: أغلب الأسواق كانت تعتمد الآن على المواد المستوردة المتبقية أو المساعدات الدولية، التي لا تغطي إلا 25-30% من احتياجات السكان، وحاليًّا يمكن القول إن الأسواق لا تغطي 3 -5% من احتياجات السكان بأسعار عالية جدًا.

ج. انقطاع الوقود الذي يصل عبر المعابر أثر على تشغيل المستشفيات، المضخات المائية، ومرافق التنظيف، وعمل البلديات وإلخ.

انهيار الاقتصاد المحلي وتآكل القدرة الشرائية وتعاظم الفقر:

أ‌. بحسب تقرير برنامج الأغذية العالمي (WFP) لشهر فبراير 2025، ارتفعت نسبة الفقر المدقع في غزة إلى 60%، مع انكماش اقتصاد القطاع بنسبة تجاوزت 45% خلال العامين الأخيرين.

ب‌. ارتفاع أسعار الغذاء والدواء بنسبة تتراوح بين 120% و180% وأحياناً تصل النسبة إلى 1000%، جعل الأغلبية العظمى من العائلات غير قادرة على تأمين الحد الأدنى من الغذاء.

ج. بطالة مرتفعة تجاوزت 65%، وانخفاض حاد في دخول الأسر دفعها إلى الاعتماد على المساعدات، التي لا تصل بتاتًا منذ تجدد العدوان في 18 مارس 2025، والتي حولتها إسرائيل إلى مصائد موت من خلال فرض التوزيع من خلال مؤسسة غزة الإنسانية في مناطق يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي وإعدام أكثر من 1500 فلسطيني على أبوابها.

ثانيًا: المجاعة وتأثيرها الكارثي على صحة الأطفال:

  1. سوء التغذية وأثره الكارثي:

التغذية هي الأساس لبناء جسد وعقل صحيين، لكن في غزة اليوم، هذا الأساس يهتز، تشير تقديرات برنامج الغذاء العالمي إلى أن أكثر من 90% من الأطفال في قطاع غزة يعانون من نقص حاد في الغذاء، ما يعني أن معظمهم لا يحصل على السعرات أو المغذيات اللازمة لنمو سليم.

وهذا فإن الأعراض ليست فقط مرئية في الجسد النحيل والوجوه الشاحبة، بل تمتد لتشمل تأخر النمو، ضعف المناعة، واضطرابات صحية خطيرة، تشمل فقر الدم الحاد وتساقط الشعر، العديد من الأطفال يُظهرون علامات الكواشيوركور والمارازم، أشد أشكال سوء التغذية.

هذا النقص الحاد في الغذاء يعرض الأطفال لخطرات صحية طويلة الأمد، حيث يؤدي سوء التغذية إلى مشاكل في النمو العقلي والبدني، ويضعف من قدرتهم على التعلم والتركيز في المدارس.

  1. نقص حليب الأطفال وتأثيره المميت:

حليب الأطفال البديل شبه منعدم بسبب توقف الاستيراد وارتفاع الأسعار، مما أثر بشكل مباشر على الرضع دون عامين، كما أن نسبة وفيات الأطفال الرضع ارتفعت بشكل ملحوظ، خاصة بسبب سوء التغذية والأمراض المصاحبة مثل الالتهابات التنفسية الحادة والإسهال.

كما أن الأمهات في غزة يواجهن صعوبة في إرضاع أطفالهن بسبب سوء التغذية أو عدم توفر المواد اللازمة، مما يزيد معاناة الأطفال الرضع.

ثالثاً: الصحة في مهب الريح:

  1. تفاقم الأزمة الصحية

مع الجوع المزمن، تتآكل أجساد الأطفال بشكل خطير، ويزداد خطر الموت بشكل مباشر أو غير مباشر بسبب الأمراض المرتبطة بسوء التغذية.، كما أن المستشفيات تعمل بأقل من 20% من طاقتها بسبب نقص الوقود والمستلزمات الطبية، ما يترك الأطفال بلا علاج فعال.

هذا أدى إلى ارتفاع وفيات الأطفال دون الخامسة، بنسبة 45% مقارنة بالعام السابق، ما يُعد مؤشراً صادمًا على حجم الكارثة الإنسانية التي تعصف بالقطاع.

كما نقص الأدوية، خصوصاً المضادات الحيوية والمكملات الغذائية، يزيد من معاناة الأطفال، مع صعوبة علاج أمراض يمكن الوقاية منها، مثل الالتهابات التنفسية والإسهال المزمن.

  1. أمراض متفاقمة:

سوء التغذية يضعف جهاز المناعة بشكل حاد، مما يجعل الأطفال عرضة للإصابة بالإسهال المزمن، الالتهابات التنفسية، وأمراض جلدية مزمنة، كثير من الحالات المرضية التي كانت قابلة للعلاج في السابق أصبحت مميتة.

علاوة على ذلك، تساهم الظروف المعيشية السيئة، مثل نقص المياه النظيفة، وضعف البنية التحتية الصحية، في تفاقم الوضع الصحي للأطفال، مما يجعلهم أكثر عرضة للأوبئة.

رابعًا: الأثر النفسي والاجتماعي للجوع على الطفولة:

أ‌. الأطفال في غزة يعانون من اضطرابات القلق والخوف المستمر جراء عدم الاستقرار وحرب الإبادة المستمرة.

ب‌. نسبة عالية من الأطفال تظهر عليهم علامات الاكتئاب الحاد والانسحاب الاجتماعي، مع ازدياد حالات اضطراب ما بعد الصدمة PTSD نتيجة الحرب والقصف.

ج. تأخر في النمو النفسي واللغوي، خاصة لدى الأطفال دون الخامسة، بسبب سوء التغذية المستمر وعدم توفر الدعم النفسي والاجتماعي اللازم.

خامسًا: أرقام كارثية:

أ. 82% من الأطفال ينامون وهم جائعون يوميًا، بحسب تقارير WFP.

ب. 68% من الأسر تعتمد على وجبة واحدة أو أقل في اليوم.

ج. 34% من الأطفال تحت سن الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد.

د. 1700+ حالة وفاة بين الأطفال منذ يناير 2024، بسبب الجوع ونقص الرعاية الصحية.

ه. ارتفاع نسب الفقر المدقع والفقر الغذائي مقارنة بأي فترة سابقة.

سادسًا: نداء عالمي عاجل لإنقاذ أطفال غزة

تتطلب الأزمة المتفاقمة والجوع الذي يضرب قطاع غزة ويؤثر على الأطفال الذين يشكلون نصف عدد السكان تدخلاً دوليًا عاجلًا يتضمن:

  1. فتح معابر إنسانية آمنة ومتواصلة تضمن دخول الغذاء، الدواء، الوقود والمستلزمات الطبية بدون عوائق.
  2. تمويل برامج التغذية العلاجية والوقائية بتركيز خاص على الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات.
  3. توفير كميات كافية من حليب الأطفال، المكملات الغذائية، والأدوية الحيوية.
  4. دعم المرافق الصحية بالوقود والمستلزمات الطبية لضمان استمرار عملها.
  5. توفير برامج دعم نفسي واجتماعي للأطفال المتضررين لمساعدتهم على تخطي الصدمات النفسية.
  6. العمل على ضمان احترام الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية الأطفال في مناطق النزاع، ووقف استهدافهم.

خاتمة: إنقاذ الطفولة في غزة مسؤولية إنسانية عاجلة
الطفولة في قطاع غزة في خطر حقيقي، والمجاعة المستمرة تهدد الأجيال القادمة، فلا يجوز للعالم أن يبقى متفرجًا على أطفال يموتون جوعًا ومرضًا، وإنقاذهم بات ضرورة إنسانية وأخلاقية، واختبارًا عمليًّا للدول التي طالما نادت بحقوق الأطفال، ما يستدعي تحركًا سريعًا ومسؤولًا من العالم بأسره.

 

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة