عصام الحلبي
مقدمة وتوضيح
هذه المقالة التي تمزج بين المقالة والتحقيق ليس المقصود فيها اعلام حزبي او فصائلي بعينه، وانما احاول التطرق الى الاعلام الفلسطيني بشكل عام.
بقلم: عصام الحلبي
“في زمن الاحتلال، حتى الكلمة مقاومة. الإعلام لا يروي فقط ما حدث، بل يقول من نحن ، وماهي رسالتنا ،ولماذا نقاوم.”
لم يكن الإعلام الفلسطيني مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل كان دائمًا جزءًا من معركة التحرر. منذ النكبة حتى اليوم، شكّل الإعلام جبهة متقدمة في الدفاع عن الهوية والرواية الفلسطينية. ورغم هذا الدور التاريخي، يواجه الإعلام الفلسطيني اليوم أزمة حقيقية، لا في الوسائل، بل في جوهر المضمون.
من صوت الثورة إلى صدى المؤسسات
إعلام البدايات… عندما كانت الكلمة طلقة
مع انطلاق الثورة الفلسطينية عام 1965، ظهر الإعلام الثوري كجزء لا يتجزأ من الكفاح الوطني. تأسست إذاعة “صوت العاصفة” ثم مجلة “فلسطين الثورة”، التي ساهمت في تشكيل الوعي الوطني في الداخل والشتات، وكانت رسالتها واضحة ،فلسطين قضية تحرر، والعدو احتلال، والهدف هو العودة والحرية وتقرير المصير.
تجربة “الإعلام الموحّد”… وحدة رغم الانقسام
في أواخر السبعينيات، حاولت منظمة التحرير توحيد الخطاب الإعلامي، لتظهر تجربة “الإعلام الموحد”، التي سعت إلى تجاوز الانقسام الفصائلي، وتقديم رواية فلسطينية واحدة. ورغم التحديات، نجحت هذه التجربة جزئيًا في تعزيز الصورة الوطنية في الداخل والخارج.
شكل حديث… ومحتوى عام
رغم وجود فضائيات، ومواقع إلكترونية، ومنصات تواصل، إلا أن الإعلام الفلسطيني يعاني من أزمة في المحتوى اذا ما قورن بالخطاب السابق:
فقد اتسم بالسطحية في احيان كثيرة، والاعتماد على العناوين اللافتة على حساب المضمون.
ارتجال في التخطيط، وغياب استراتيجيات إعلامية واضحة.
عجز عن التأثير دوليًا، بسبب ضعف اللغة الخطابية للاخر وعدم فهم الجمهور المستهدف بشكل جيد. والابتعاد عن انسننة وقوننة الرسالة الاعلامية الموجهة للمجتمع الغربي.
يصف الباحث الإعلامي د. خالد أبو حسن هذه الحالة بقوله:
“نملك الصوت، لكن نفتقد الصدى. المشهد مليء بالصراخ، لكن قليل التأثير الحقيقي.”
تضارب الخطاب بين الوطني والحزبي
واحدة من أكبر مشاكل الإعلام الفلسطيني اليوم هي تداخل الخطاب الحزبي بالوطني، ما يؤدي إلى:
روايات متعددة حول القضية نفسها.
تراجع مصداقية الإعلام الفلسطيني أمام الرأي العام العربي والدولي، وهذا نابع من البقاء في دائرة الخطاب الداخلي.
نفور شريحة كبيرة من الشباب من الإعلام التقليدي.
فنجد تغطية الحدث نفسه من زوايا يبرز فيها الجانب الحزبي على الوطني. حيث يقول احد الاعلاميين
“نغطي الحدث نفسه من زوايا حزبية مختلفة، وكأن الفلسطينيين يتحدثون لغات متنافرة عن الوطن ذاته.”
المثقفون… جنود الكلمة
رغم العثرات، يبقى للمثقفين دور محوري في تعزيز الرواية الوطنية. من شعر محمود درويش وسميح القاسم، إلى روايات غسان كنفاني وإميل حبيبي، شكّل الأدب الفلسطيني حليفًا دائمًا للإعلام، ومصدر إلهام للخطاب الوطني.
ولا تزال مساهمات الكتّاب والمثقفين اليوم تضيف بُعدًا إنسانيًا وتاريخيًا ووطنيا للرسالة الإعلامية، وتواجه حملات التضليل بالرؤية والذاكرة.
جمهور جديد… وإعلام قديم
الجمهور الفلسطيني تغيّر، خاصة الشباب. لم يعد يتابع نشرات الأخبار، بل يتفاعل مع المحتوى القصير، السريع، والبصري.
دراسة أجراها “مركز إعلاميون من أجل فلسطين” عام 2024 تشير إلى أن:
“أكثر من 60% من فئة الشباب يعتمدون على وسائل غير تقليدية، ويثقون أكثر بالفيديوهات القصيرة من البيانات الطويلة.”
الإعلام الذي لا يتطور مع جمهوره، يفقد تأثيره حتمًا.
الادارة… عقدة في قلب الأزمة
جزء كبير من أزمة الإعلام الفلسطيني يعود إلى ضعف الإدارة.
تعيين غير المؤهلين في مواقع قيادية في الوسائل والمؤسسات الاعلامية.
تغليب المحسوبيات على الكفاءة.
تهميش الإعلاميين المحترفين واستبعاد الأصوات الناقدة.
من أجل إعلام وطني مؤثّر
الإعلام الفلسطيني لا يحتاج فقط إلى كاميرات أفضل، بل إلى رؤية أوضح. فالمطلوب اليوم:
مضمون يُعبّر عن الرواية الفلسطينية بلغة إنسانية وقانونية وعالمية.
خطاب يحترم عقل الجمهور.
إعلام يتجاوز الانقسام الحزبي، ويبني خطابًا وطنيًا عميق المحتوى ومقنعا وجامعًا.
قادة مهنيون يملكون وعيا وطنيا وسياسيا عميقا جامعا.
في زمن الحرب على الوعي، تكون الرواية الأقوى، لا الأعلى صوتًا، هي الأقرب للنصر.