آخر الأخبار

رسائل استهداف المخيّمات: العدو يُكثِّر أدوات الضغط

1

أحمد الصباهي

شكّل استهداف مخيّم عين الحلوة، صدمةً على مستوى الوعي الشعبي الفلسطيني؛ ذلك أن المخيّمات الفلسطينية في لبنان كانت حُيِّدت عن الاستهداف في الحروب التي شُنَّت على لبنان، سواء في حرب عام 2006، حين أضحت ملاذاً للبنانيين من المناطق المُستهدفة، أو في معركة «أولي البأس» التي خاضها «حزب الله» إسناداً لعملية «طوفان الأقصى»، والتي لم تُستهدف فيها المخيّمات ما خلا «الرشيدية». إلّا أن الجريمة التي ارتكبها الاحتلال في «عاصمة الشتات الفلسطيني»، لا يمكن قراءتها في سياق ما يجري في لبنان فحسب، من اعتداءات وخروق لاتفاق وقف إطلاق النار، بل إن لها دلالات تتجاوز ذلك بوضوح.

من الواضح جداً أن الحكومة الإسرائيلية المتطرّفة، والتي تعيش هاجس تحقيق حلم «إسرائيل الكبرى»، ترى في الإدارة الأميركية بقيادة دونالد ترامب فرصةً ذهبية لتتويج مسار «اتفاقات أبراهام» التطبيعية، والتي تعترض طريقها عدّة تحدّيات، من بينها مسألة الاعتراف بمبدأ «حلّ الدولتين»، الذي يُفترض أنه أحد بنود مشروع القرار الأميركي الصادر أخيراً في مجلس الأمن الدولي، خصوصاً بعد اشتراط السعودية مساراً واضحاً إلى هذا الحلّ، قبل التطبيع. وعلى رغم التشكيك الكبير في نية الإدارة الأميركية بلوغ ذلك المطلب، إلّا أن مجرد ذكره يثير الرعب لدى الاحتلال، ولا سيما بعد اعتراف الكثير من الدول الغربية بالدولة الفلسطينية.

وبالتالي، فإن التصدّي لهذا المشروع لا يتوقّف على التصريحات الرافضة له إسرائيليّاً، بل يكون بفرض وقائع في الضفة الغربية والقدس، لتدمير أيّ قدرات جغرافية أو ديموغرافية، عبر المزيد من الاستيطان وقضم الأراضي، ودعم اعتداءات المستوطنين، وليس آخراً الحصار الاقتصادي وتهميش السلطة الفلسطينية، وصولاً إلى تحقيق التهجير في الضفة الغربية، أو ضمّها وتطبيق القانون الإسرائيلي عليها، لحسم هذه القضيّة نهائيّاً. أمّا التحدّي الثاني، فيتمثّل باللاجئين، بعدما خدمت الصراعات في المنطقة، عبر السنوات الماضية، الاحتلال الإسرائيلي، في تهميش قضيّة اللاجئين في دول الطوق، وتحديداً في سوريا ولبنان. وكانت شهدت سوريا هجرة جديدة للاجئين تُقدَّر بمئات الآلاف إلى أوروبا وأميركا، وكذلك حال اللاجئين في لبنان، الذين تناقص عددهم مع مرور السنوات، بفعل عوامل عدة، يقف على رأسها حرمانهم من الحقوق المدنية فضلاً عن الأوضاع الاقتصادية المتردّية للفلسطينيين.

يُعتبر استهداف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إحدى أدوات الضغط الإسرائيلية

وبالتالي، فإن استهداف مخيّم عين الحلوة، لا يبتعد كثيراً عن الهدف الأكبر، وهو «إلغاء قضيّة اللاجئين في لبنان»، عبر استهداف المخيّمات تحت ذرائع واهية، وصولاً إلى إفراغها من اللاجئين. ومع مشاريع التضييق على «الأونروا»، وصولاً إلى إلغاء خدماتها، يصبح التهجير أحد الحلول المفروضة على اللاجئ الفلسطيني. أمّا الهدف الأصغر، فهو إعادة تنشيط ملفّ نزع سلاح المقاومة في المخيمات، وشدِّ انتباه الحكومة اللبنانية، لإعادة طرح هذا الملفّ الشائك بقوّة، من جديد، وتحت التهديد بالقصف الإسرائيلي. ويمكن القول تالياً إن القصف الإسرائيلي يمهّد للمعادلة التالية: هذا السلاح يشكّل خطراً على لبنان، واللاجئين، وبالتالي لا بدّ من سحبه، وهو ما سيكون ربما مطلباً إسرائيلياً ملحّاً لاحقاً.

كذلك، لا يبتعد مشهد قصف عين الحلوة عن المشهد اللبناني، خصوصاً قصف المناطق الجنوبية، إلا أن الاحتلال يوسّع استهدافاته لِما يُسمّى التهديدات التي تطاول شمال فلسطين المحتلة، وجنوب الليطاني، إلى مديات كبيرة، لتطاول صيدا، وهي رسالة أيضاً إلى المقاومة الفلسطينية، لكن عبر المخيّمات، ومفادها أنه سيتمّ استهداف مقارّها، تحت حجج واهية، لتحقيق تلك الأهداف.

وفي إطار ما يجري من مفاوضات متعثّرة حتى الآن للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بين الاحتلال والمقاومة في غزة، يُعتبر استهداف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إحدى أدوات الضغط الإسرائيلية، لتحصيل التنازلات. وكان من اللافت جداً، أن الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، نشر عبر حسابه في منصة «إكس» منشورات كشفية قديمة لـ»حماس» تحت عنوان «جيل طوفان الأقصى»، ليبرّر الجريمة التي ارتكبها العدو، فضلاً عن نشره صوراً من تشييع الشهداء في المخيّمات بأعلام الحركة للتدليل على أن الجريمة مُبرّرة.

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة