فاديا منصور
بوابة اللاجئين الفلسطينيين
يواجه خريجو التمريض الفلسطينيون في لبنان مساراً معقّداً يبدأ من مقاعد الجامعات ولا ينتهي عند أبواب المستشفيات التي تُغلَق في وجوههم رغم تفوّقهم الأكاديمي وخبراتهم السريرية.
فرغم نجاح الكثير منهم في الجامعات اللبنانية وتميّزهم في التدريب العملي، تستمر القيود القانونية والقرارات الوزارية في حرمانهم من فرص العمل ومنعهم من الاندماج في القطاع الصحي اللبناني.
وتفاقمت الأزمة بعد القرار الصادر عن مجلس الوزراء اللبناني في 9 أيلول/سبتمبر 2025، والذي اشترط عملياً عدم منح أي ممرض فلسطيني شهادة مزاولة المهنة إلا في حال عدم تقدّم أي لبناني للوظيفة، بغضّ النظر عن كفاءة المتقدّم أو تميّزه الأكاديمي، وهو قرار يشكّل عقبة إضافية أمام دخول الخريجين الفلسطينيين إلى سوق العمل الصحي رغم سنوات الدراسة والتدريب.
رفضوني لأنني فلسطينية… والقرار الجديد صدمني أكثر
مريم سويدان، خريجة الجامعة اللبنانية من مخيم نهر البارد، كانت الطالبة الفلسطينية الوحيدة في صفّها، وتصدّرت دفعتها عام 2022 بتفوّق واضح.
وخلال ثمانية أشهر من التدريب العملي في مستشفيات النيني، الإسلامي، المنلا، والمظلوم، اكتسبت خبرات ومهارات سريرية عالية، جعلتها جاهزة لدخول سوق العمل.
لكن عندما أعلنت إحدى المستشفيات التي تتدرب فيها عن وظائف جديدة، تقول مريم: “قدّمنا كلنا… زميلاتي اللبنانيات تم قبولهن، وأنا وحدي رفضوني لأنني فلسطينية. قالوا لي بصراحة: منخاف تيجي الرقابة من وزارة الصحة وتعرف إنك فلسطينية وما معك مزاولة مهنة”.
هذه التجرية، دفعت مريم للسعي لاستخراج إذن مزاولة المهنة كي لا تكون هناك أي حجة. ورغم استكمالها جميع الإجراءات، واجهت عراقيل متكررة، إذ أخبرتها شركة “ليبان بوست” التي يجري التقدم من خلالها، في البداية إنهم سيُصدرون لها المزاولة، ثم عادوا ليبلغوها بعد يوم واحد بأنها “فلسطينية” وعليها مراجعة وزارة الصحة شخصياً.
وتوجهت مريم إلى الوزارة وانتظرت أربعة أشهر قبل أن تحصل على إذن مزاولة مؤقت لمدة سنتين. لكن حتى بعد ذلك، لم تُدعَ لأي مقابلة عمل، تقول: “قدّمت الـCV لكل المستشفيات… ما حدا ردّ علي حتى بمقابلة.”
وبصدمة إضافية، علّقت على قرار 2025: “القرار الجديد قال ما فينا ناخد المزاولة إذا في أي لبناني متقدم حتى لو نحنا المتفوقين!” وختمت حديثها لموقعنا: صرنا نحس إنو مهما تعبنا وتميّزنا… الطريق مسكّر قدّامنا”.
رفض الـ CV لمجرد معرفة أن المتقدم فلسطيني
عثمان عثمان، خريج تمريض من المعاهد المهنية، أنهى شهادة الـTS عام 2019 ثم الـLT عام 2020. ومع قرار وزارة الصحة حينها بحظر مزاولة المهنة لغير اللبناني إلا بإذن خاص، حاول الحصول على المزاولة لكن دون نتيجة.
يقول عثمان لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: “درت على مستشفيات طرابلس واحدة واحدة، عندما يعملوا أني فلسطيني حتى السيرة الذاتية لا يأخذونها”.
ويشرح عثمان أن ظروف العمل للفلسطينيين صعبة أصلاً ويقول :””عمل الممرض 18–20 يوم بالشهر بدل 12، والراتب 450–500 دولار، وغير الواسطة”,
ويضيف أن فرص العمل لحملة الشهادات المهنية باتت شبه معدومة: “إذا معك LT، بينزلوك مساعد ممرض. 90% من الشباب راحوا للتمريض لأنه كان في فرص… ومن 2020 لهلّق ما شفنا إلا عقود قصيرة أو مشاريع مؤقتة يا إما من الأونروا”.
ويصف القرار الجديد بأنه “ظالم بحق الممرض الفلسطيني”، مضيفاً بمراررة: لا عتب على اللبنانيين إذا كانت جمعية الهلال الأحمر في المخيم لا تمنحنا العمل لمجرد أننا لسنا من فتح وليس لدينا واسطة”.
تخرّجنا سوا… هني اشتغلوا وأنا لأ
أما غنى الحاج، وهي خريجة التمريض من الجامعة العربية – طرابلس، حصلت على شهادة مزاولة المهنة لكنها لم تُقبل في أي مستشفى. وتقول غنى لموقعنا: “قدّمت على كل المستشفيات… الأولوية مش إلنا، رفقاتي اللبنانيين اشتغلوا فوراً، وأنا لأ، فقط لأني فلسطينية.”
وبعد عملها لعامين مع جمعية دعم اجتماعي داخل مخيم نهر البارد، انتهى المشروع وعادت إلى شغفها في مجال المكياج :”لأنه بالتمريض لا يوجد عمل”
وفي وقت يتزايد فيه عدد خريجي التمريض الفلسطينيين، تتوسع القيود القانونية التي تمنعهم من الاندماج في سوق العمل. فالقرار الصادر عام 2025 يجعل منح مزاولة المهنة مشروطاً بغياب أي متقدّم لبناني، ما يعني عملياً إقصاء الفلسطينيين مهما كانت مستوياتهم العلمية أو خبراتهم.
ويُحرم اللاجئون الفلسطينيون في لبنان من العمل في عشرات المهن، ويواجهون عوائق يومية دفعت آلاف الشباب إلى الهجرة بحثاً عن مستقبل مهني لا يجدونه داخل لبنان رغم سنوات الدراسة والاجتهاد. ووسط هذا الواقع، تبقى قصص مريم، عثمان، وغنى صورة موجعة لمعاناة جيل كامل يحمل شهادته… لكنه لا يحمل الحق في العمل بها.
الجدير ذكره، أنّ زيارة قام بها خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، وفد من لجنة الحوار اللبناني–الفلسطيني برئاسة السفير رامز دمشقية، وضمّ المديرة التنفيذية نادين ماروق، والمسؤولة القانونية دانيالا سعود، والمستشار السياسي والقانوني الدكتور علي مراد، إلى وزير الصحة الدكتور ركان ناصر الدين، وجرى بحث ملف عمل الممرضين الفلسطينيين والتحديات التي تواجههم.
ورغم تأكيد الوزير ناصر الدين، خلال الزيارة، حرصه على إزالة العقبات وتسهيل تطبيق القوانين بما يضمن الحقوق ويحسن آليات العمل، إلا أن القرارات المانعة ما تزال سارية، ولا يزال الممرضون الفلسطينيون محرومين من حقهم في تثبيت شهاداتهم والانخراط في سوق العمل حتى اللحظة.