تُعدّ مشكلة المياه المالحة من أبرز الأزمات البيئية والمعيشية التي يعاني منها سكان مخيمات بيروت، مثل مخيم شاتيلا، برج البراجنة، ومار الياس. هذه الظاهرة ليست جديدة، لكنها تفاقمت في السنوات الأخيرة نتيجة تدهور شبكات المياه والصرف الصحي، وارتفاع منسوب الملوحة في الآبار الجوفية التي يعتمد عليها السكان كمصدر رئيسي للمياه.
أولاً: أسباب تملّح المياه
1. تسرّب مياه البحر إلى الطبقات الجوفية بسبب القرب الجغرافي من الساحل وضعف الرقابة على حفر الآبار.
2. الاستنزاف المفرط للمياه الجوفية دون تجديدها، ما يؤدي إلى تسرب مياه البحر مكانها.
3. اختلاط مياه الصرف الصحي بالمياه الجوفية نتيجة تهالك الشبكات وتشققاتها داخل المخيمات.
4. غياب شبكات مياه رسمية صالحة للشرب في معظم المخيمات، مما يجبر السكان على الاعتماد على مصادر غير آمنة.
ثانياً: التأثير على الحياة اليومية
تدهور نوعية مياه الاستخدام المنزلي: حيث تُستخدم المياه المالحة في الغسيل والتنظيف والاستحمام، مما يؤدي إلى جفاف البشرة وتساقط الشعر وتهيج الجلد.
تلف الأدوات المنزلية: مثل سخانات المياه والغسالات والحنفيات بسبب تراكم الأملاح وتآكل المعادن.
انخفاض جودة الحياة: إذ يضطر السكان إلى شراء مياه الشرب بأسعار مرتفعة، ما يضيف عبئًا اقتصاديًا كبيرًا على العائلات محدودة الدخل.
ثالثاً: التأثير على الأبنية والمنازل
تآكل الحديد داخل الخرسانة المسلحة نتيجة تسرب المياه المالحة إلى الجدران والأسقف، ما يؤدي إلى تشققات خطيرة.
انهيار طبقة الغطاء الخرساني للسقوف مع مرور الوقت، وهو ما يشكل خطرًا حقيقيًا على سلامة السكان.
رطوبة دائمة على الجدران الداخلية تتسبب في انتشار العفن والروائح الكريهة، وتؤثر سلبًا على صحة القاطنين.
رابعاً: الأضرار الصحية
انتشار الأمراض الجلدية بين الأطفال وكبار السن.
تلوث المياه المستخدمة للشرب والطهي في حال اختلاطها بمياه الصرف، مما يؤدي إلى أمراض معوية وخطرة.
تأثير سلبي طويل الأمد على الكلى والأسنان نتيجة تراكم الأملاح عند الاستخدام المستمر.
خامساً: سبل المعالجة والحلول الممكنة
1. إصلاح شبكات المياه والصرف الصحي في المخيمات بشكل جذري للحد من التسرب والاختلاط.
2. تأمين مصادر مياه بديلة عبر صهاريج خاضعة للفحص الصحي المنتظم من قبل الأونروا أو البلديات.
3. تركيب محطات صغيرة لتحلية المياه داخل المخيمات، تعمل بالطاقة الشمسية لتقليل الكلفة التشغيلية.
4. رفع الوعي بين السكان حول أهمية فصل مياه الشرب عن المياه المنزلية، وتخزينها في خزانات نظيفة ومعقمة.
5. التعاون بين الأونروا والجهات اللبنانية والفصائل الفلسطينية لإطلاق خطة طارئة لحماية البنية التحتية ومنع انهيار المباني المتضررة من الملوحة.
دعوة الأونروا و دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية، إلى جانب المؤسسات الدولية والجمعيات العاملة في الوسط الفلسطيني، لتحمل مسؤولياتهم الإنسانية تجاه الكارثة التي تواجهها مخيمات بيروت نتيجة تسرّب المياه المالحة الى الابار الجوفية وتدهور شبكات المياه. فهذه الأزمة تهدد صحة الانسان وحقه في الحصول على مياه نظيفة وآمنة، ما يستدعي تدخّلًا عاجلًا لمعالجة مصادر التلوث، وتوفير بدائل مائية فورية، ووضع خطط مستدامة تضمن حماية المخيمات من تفاقم الأضرار وضمان حياة كريمة للاجئين.
في الختام، تبقى المياه المالحة في مخيمات بيروت أزمة تمسّ حياة الناس وصحتهم وأمان منازلهم. ومع غياب المعالجة الجدية، تتحول هذه المشكلة إلى خطر بيئي وإنساني متزايد يستدعي تدخلاً عاجلاً ومشتركاً قبل أن تصبح الأضرار غير قابلة للإصلاح.