عماد الحطبة
تتعالى الأصوات التي تطالب المقاومة بتسليم سلاحها، والامتثال للطلبات الأميركية – الصهيونية بتسليم الأسرى ضمن صفقة أميركية تضمن من جهة إنقاذ حكومة نتنياهو التي تعتبر النسخة الصهيونية من إدارة ترامب، ومن جهة أخرى تمنح المعسكر الاستعماري “النصر النهائي” الذي فشل في تحقيقه على مدار أشهر الحرب الماضية.
تغلّف هذه الأصوات بغلاف الإنسانية الذي تعزّزه صور المجازر التي يرتكبها العدو في جميع أنحاء قطاع غزّة، والحديث عن الحصار الجائر المطبق على المواطنين منذ الثاني من آذار/ مارس الماضي، والصمت العربي والدولي المطلق، وكأنّ ما يدور في غزّة ينتمي إلى كوكب آخر، وأخيراً قيام سلطة رام الله بتحريك خلاياها النائمة في قطاع غزّة للخروج بتظاهرات تطالب برحيل حماس (لا نعرف إلى أين) وتجيير هذه المسيرات لتمنح هذه الأصوات “الإنسانية” مشروعيّة من داخل قطاع غزّة نفسه.
يحاول العدو تعزيز صورة تفوّقه بالغارات الصهيونية على لبنان وسوريا، والغارات الأميركية البريطانية على اليمن، وتراجع في الموقف الرسمي العربي تحت وطأة الخوف من إدارة ترامب، والموقف الشعبي الذي عبّر عن تراجعه بتراجع في الفعّاليات الشعبية تحت وطأة الإحباط واليأس والقمع الرسمي.
الصورة التي يجمع عليها المستعمرون والنظام الرسمي العربي وبعض المثقّفين هي صورة هزيمة نهائية، على المقاومة الاعتراف بها والاستسلام لنتائجها حقناً لدم الأبرياء، وإنهاء لمجازر الاحتلال. لا يكلّف هؤلاء أنفسهم عناء الوقوف عند الجرائم التي يرتكبها العدو في الضفة الغربية، وقتله الأبرياء في سوريا بعد سقوط الدولة التي كانت جزءاً من محور المقاومة، وقصفه لبنان بعد اتفاق وقف إطلاق النار. هل تحمل حماس وزر كلّ هؤلاء؟ وإذا قبلنا هذا المنطق فهل يحقّ لنا التساؤل ماذا بعد؟ ما هو مصير مصالح الأمة وقضاياها بما فيها قضية الشعب الفلسطيني إذا استسلمت المقاومة وألقت سلاحها؟
منذ تأسيس الكيان الصهيوني بدعم استعماري واضح، كانت الاستراتيجية الرئيسية لبقائه هي الفجوة العسكرية والاقتصادية التي تضمن تفوّقه على محيطه العربي. لم تدّخر القوى الاستعمارية جهداً لتعظيم هذه الهوّة حتى أصبح الكيان بالنسبة لغالبية الدول والمواطنين العرب وحشاً مرعباً لا بدّ من تجنّبه واتقاء شرّه. حتى في المرات التي تجرّأت فيها بعض الدول أو حركات المقاومة على محاولة الاقتراب من حافة هذه الفجوة كما حصل في حرب تشرين 1973، أو ما فعلته منظّمة التحرير الفلسطينية قبل اجتياح 1982، بادرت القوى الاستعمارية إلى التدخّل بقوة لدعم الكيان والحفاظ على تفوّقه الإقليمي. المشهد نفسه يتكرّر منذ اليوم الأول لمعركة طوفان الأقصى.